Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 32-35)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي } ، إلى قوله { بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، أي قالت بلقيس لأشراف قومها : أشيروا / علي في أمري الذي قد حضرني في أمر هذا الكتاب الذي ألقي إلي . { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } ، أي قالت : ما كنت قاضية أمراً في جواب هذا الكتاب حتى تشهدون أي تحضروني . قال لها أشراف قومها لما شاورتهم في أمرها : { نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ } ، أي أصحاب قوة في القتال { وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي ذوو بأس في الحرب شديد ، والأمر أيّتها الملكة إليك في القتال وغيره { فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } . روي : أن قومها كانوا أولي قوة ، وأن أحدهم كان يركض الفرس حتى إذا امتلأ في جريه ضم فخذيه عليه فحبسه بقوته . روى الأعمش عن مجاهد أنه قال : كان مع ملكة سبأ اثنى عشر ألف قيول مع كل قيول مائة ألف . وعن ابن عباس أنه قال : كان مع بلقيس مائة ألف قيل مع كل قيل مائة ألف ، والقيل بلسانهم الملك . ثم قال تعالى : { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } ، أي قالت بلقيس لأشراف قومها : إن الملوك إذا دخلوا قرية عنوة وغلبة أفسدوها . { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } ، تم كلامها . ثم قال الله عز وجل تصديقاً لقولها في الملوك إذا غلبوا على قرية : { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } ، وقد أجاز بعضهم أن يكون ذلك من قولها على التأكيد لصدر ما قالت . وقيل : هو من قول سليمان . ومثله في اتصال كلامين مختلفين قوله : { وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ يوسف : 51 ] في يوسف ، فهو من قول امرأة العزيز فاتصل له كلام يوسف . فقال : { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } [ يوسف : 52 ] ، ومثله في قصة فرعون . { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } [ الشعراء : 35 ] ، وانتهى كلام الأشراف من قوم فرعون ثم اتصل به كلام فرعون لهم وهو قوله : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } يخاطب أشراف قومه . والقرية كل مدينة تجمع الناس مشتقة من قريت الماء : أي جمعته . ثم قال تعالى عنها : أنها قالت لهم : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } ، أي إني مرسلة إلى سليمان بهدية ، لنختبر بذلك سليمان ونعرف أملك أم نبي ؟ فإن يكن نبياً لم يقبل الهدية ، ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه ، وإن يكن ملكاً قَبِل الهدية وانصرف . قال ذلك ابن عباس . قيل : إنها لما لم يشر عليها قومها برأي رجعت إلى رأيها فأرسلت الهدية . قال ابن عباس : بعثت إليه بوصائف ووصف ألبستهم لباساً واحداً حتى لا يعرف ذكر من أنثى ، فقالت : إن زيل بينهم حتى يعرف الذكر من الأنثى ، ثم رد الهدية فإنه نبي ، وينبغي لنا أن نترك ملكنا ، ونتبع دينه ونلحق به . وكذلك قال ابن جريج ، ومجاهد ، والضحاك . وروي عن ابن عباس أنه قال : أهدت إليه اثني عشر غلاماً فيهم تأنيث مخضبة أيديهم قد مشطتهم ، وألبستهم لباس الجواري ، وقالت لهم : إذا كلمكم فردوا عليه كلاماً فيه تأنيث ، وأهدت إليه اثني عشر جارية فيهن غلظ ، واستأصلت رؤوسهن وأزرتهن ، وألبستهن النعال ، وقالت لهن : إذا كلمكن فردوا عليه كلاماً صحيحاً وأرسلت إليه بعود يخرج بالمسك والعبير والحرير في الأطباق على أيدي الوصفاء والوصائف ، وأرسلت إليه اثني عشر بختية ، كل بختية تحلب كذا وكذا من اللبن . وأرسلت إليه بخرزتين إحداهما مثقوبة ملتوية الثقب ، والأخرى غير مثقوبة ، وأرسلت إليه بقدح ليس فيه شيء ، وأرسلت ذلك كله مع امرأة ، وتقدمت إليها أن تحفظ جميع أمره وكلامه حتى تخبرها عنه ، وقالت لهم : قوموا بين يديه قياماً ، ولا تجلسوا حتى يأمركم ، فإنه إن كان جباراً لم يأمركم بالجلوس وأرضيناه بالمال فيسكت عنا ، وإن كان نبياً أمركم بالجلوس ، وأمرتها أن تقول له أن يثقب الخرزة الصحيحة بغير حديدة ، ولا علاج إنس ولا جان ، وأمرتها أن تقول له : أن يميز الغلمان من الجواري ، وأمرتها أن تقول له : يدخل في الخرزة المثقوبة المعوجة / خيطاً بغير علاج إنس ولا جان ، وأمرتها أن تقول له أن يملأ القدح ماءً مزبداً ليس من الأرض ولا من السماء . قال : وكتبت إليه تسأله عن ألف باب فانطلقت المرأة بهديتها ، حتى أتت بها سليمان ، فوضعتها بين يديه ، وقاموا قياماً ولم يجلسوا ، فنظر إليهم سليمان لحظاً لم يحرك يداً ولا رجلاً ، ثم رفع رأسه إلى رسولها فقال : إن الله رفع السماء ووضع الأرض ، فمن شاء قام ومن شاء جلس ، فجلسوا ، فقدمت إليه الخرزتين وقالت : إنها تقول لك : أدخل في هذه الخرزة المثقوبة خيطاً ينفذ إلى الجانب الاخر من غير علاج إنس ولا جان ، وأن تثقب الأخرى ثقباناً فذاً من غير علاج إنس ولا جان ، ثم قربت إليه القدح ، وقالت : تقول لك أن تملأ هذا القدح من ماء مزبد رواء ليس من الأرض ولا من السماء ، ثم قربت إليه الوصفاء والوصائف ، وقالت : تقول لك : أن تفرق بين الغلمان والجواري ففرق بينهم بالوضوء فبدأ الجواري بالمرافق ، وبدأ الغلمان بالإيدي ، وملأ لهما القدح من عرق الخيل ، ودخلت دودة الثمرة بالخيط في الخرزة حتى خرجته من الجانب الآخر ، وتولت دودة الخشب ثقب الخرزة الأخرى حتى نفذتها ، ورد الهدية عليها . وقال ثابت البُناني : أهدت إليه صفائح الذهب في أوعية الديباج ، فلما بلغ سليمان ذلك أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ، ثم أمر به فألقي في الطرق ، فلما جاءوا رأوه ملقى لا يلتفت إليه ، صغر في أعينهم ما جاءوا به . قال ابن زيد : قالت : إن هذا الرجل إن كانت همته الدنيا فسنرضيه ، وإن كان إنما يريد الدين فلن يقبل غيره . وقال ابن جبير : أرسلت بمأتي وصيف ووصيفة وقالت : إن كان نبياً فسيعلم الذكر من الأنثى ، فأمرهم فتوضأوا ، فمن توضأ منهم ، فبدأ بمرفقه قبل كفه قال : هو من الإناث ، ومن بدأ بكفه قبل مرفقه قال : هو من الذكور . وروى أنها : وجهت إليه بمائة وصيف ، ومائة وصيفة ، وألبست الجواري ثياب الغلمان ، وألبست الغلمان ثياب الجواري ، وقالت : إن كان ملكاً لم يعرف حتى يعريهم ، وإن كان نبياً علم ولم يعريهم ، فلما قدموا على سليمان أمر فوضع لهم ماء يتوضأون ، فكل من بدأ بالمرفق فغسله إلى اليد علم أنها جارية ، وكل من بدأ باليد إلى المرفق علم أنه غلام ، فأمر بنزع ثياب الغلمان فردها على الجواري ، ونزع ثياب الجواري وردها على الغلمان ، ثم ردَّ ما أهدت إليه . وقوله : " إليهم " تريد به سليمان وحده لأن الملوك يخاطبون مخاطبة الجماعة ، كما يخبرون عن أنفسهم بلفظ الجماعة . وقوله : { فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، أي فأنظر بأي شيء يرجع رسلي بقبول الهدية أم بردها ؟