Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 36-40)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } ، إلى قوله : { فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } ، أي فلما جاء رسولها سليمان بالهدية ، قال سليمان : أتمدونني بمال ، فالذي أعطاني الله من الملك في الدنيا { خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } ، أي ما أفرح بما أهديتم إلي بل أنتم تفرحون بها ، لأنكم أهل مفاخرة بالدنيا ، ومكاثرة بها . روي : أن رسولها لما رجع إليها بالهدية وأخبرها خبر سليمان ، قالت لقومها : هذا أمر من السماء لا ينبغي لنا معاندته فعمدت إلى عرشها فجعلته في آخر سبعة أبيات ، وأقامت عليه الحرس ، ثم أقبلت إلى سليمان فرجع الهدهد وأخبر سليمان بذلك ، فقال عند ذلك : { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } ، أي بسريرها { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ، فيحرم علي ما لهم . وقوله : { فَلَمَّا جَآءَ } ، فوحد وقد قال عنها { فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ النمل : 35 ] ، فجمع فمعناه : فلما جاءوها سليمان . وقيل : إن الرسول كان واحداً ، وإنما قالت هي : { ٱلْمُرْسَلُونَ } ، فجمعت لأن الرسول لا بد له من خدمة وأعوان ، فجمعت على ذلك المعنى . وقد قيل : إن الرسول الذي وجهته إلى سليمان كانت امرأة . وقيل : بل كانوا جماعة ، وإنما قال " جاء " فوحد على معنى الجمع ودل / على ذلك أن في حرف ابن مسعود { فَلَمَّا جَآءَ } بالجمع وقوله : { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ } ، يدل على أنه كان واحداً والله أعلم . ثم قال تعالى : { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } ، أي قال سليمان لرسول المرأة : ارجع إليهم بهديتهم فلنأتينهم بجنود لا طاقة لهم بها . { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً } ، أي لنخرجنهم من بلدتهم صاغرين إن لم يأتوني مسلمين . ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } . قال ابن عباس : كان إتيان العرش إليه قبل أن يكتب الكتاب إليها . لأنه لما أتاه الهدهد فأخبره بملك سبأ وعرشها ، أنكر سليمان أن يكون لأحد سلطان في الأرض غيره ، فقال لمن عنده من الجن والإنس : { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } قال سليمان أريد أعجل من هذا . { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } ، وهو رجل من الإنس كان عنده علم من الكتاب فيه اسم الله الأكبر ، فدعا بالاسم ، فاحتمل العرش احتمالاً حتى وضع بين يدي سليمان بقدرة الله ، فلما أتاه العرش صدّق الهدهد في قوله ، ووجهه بالكتاب وكذلك روى الضحاك . وقال وهب بن منبه وغيره : بل كتب معه الكتاب قبل أن يأتيه العرش . والكلام في التلاوة على رتبته ووصل إليه العرش بعد رده الهدية . قال وهب بن منبه : لما رجعت إليها الرسل بالهدية ، وأعلموها بما كان من أمر سليمان . وقوله : قالت : قد والله علمت ما هذا بملك ، وما لنا به طاقة وبعثت إليه إني قادمة إليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك ؟ وما تدعو إليه من دينك ؟ ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه ، وكان من ذهب مفصص بالياقوت ، والزبرجد ، واللؤلؤ فجعل في سبعة أبيات بعضها في بعض ثم أقفلت على الأبواب ، وكانت إنما يخدمها النساء ، معها ست مائة امرأة يخدمنها ، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها : احتفظ بما قبلك ، وسرير ملكي فلا يخلص إليه أحد ولا ترينه حتى آتيك ، ثم شخصت إلى سليمان في إثني عشر ألف قيل ، معها من ملوك اليمن تحت يدي كل قيل منهم ألوف كثيرة ، فجعل سليمان يبعث الجن فيأتونه بمسيرها ، ومنتهاها كل يوم وليلة ، حتى إذا دنت ، جمع من عنده من الإنس والجن ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ، أي بسريرها ، وذلك أنه خشي أن تسلم فيحرم عليه أخذه ، وقد وصف له ، وأعجب به ، فأراد أن يأخذه قبل إسلامها فيحل له . قاله قتادة . قال قتادة : كان السرير من ذهب وقوائمه من جوهر مكلل باللؤلؤ . قال ابن جريج : كان من ذهب قوائمه من جوهر ولؤلؤ . وقيل : إنما فعل ذلك ليختبر عقلها به هل تنتبه إليه إذا رأته أم لا ؟ قاله ابن زيد . قال ابن عباس : معنى { مُسْلِمِينَ } ، طائعين أي مستسلمين لي . وقال ابن جريج : معناه قبل أن يدخلوا في الإسلام فتمتنع علي أموالهم . وهو قول قتادة المتقدم . وإنما خص سليمان السرير دون غيره من مملكتها لأنه أعجب به . فعل ذلك لإعجابها به ، واحتياطها عليه ، فأراد أن يريها قدرة الله وعجزها ، وأن السبعة الأبيات التي قفلت عليه لا تنفع شيئاً ، فيكون ذلك حجة عليها في نبوته . وقوله : { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } ، العفريت النافذ في الأمور المبالغ فيها الذي معه خبث ودهاء ، وفيه لغات : عفريت وعفرية وعفر وعفارية . وقرأ أبو رجاء : قال : " عفرية " وجمع عفرية على عفار وجمع : عفريت على عفاريت ، وإن شئت عفار لأن التاء زائدة كما تقول في طاغوت طواغ ، وإن شئت عوضت فقلت عفاري . / قال مجاهد : عفريت من الجن : أي ما رد من الجن . وقال قتادة ومعمر : داهية من الجن . وقيل : عفريت : رئيس من الجن . قال وهب : كان اسم العفريت : كودتا . وعن ابن عباس : أنه صخر الجني . فالمعنى : قوي على حمله ، أمين على فرج هذه . وعن ابن زيد : نحوه . وقوله { قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } ، قال مجاهد : مقعدك الذي تقضي فيه . وقال قتادة : يقال : مقام ومقامة : للمكان الذي يقام فيه قيل : كان سليمان يجلس للناس إلى وقت نصف النهار ، ثم يقوم إلى عبادة ربه ، وإلى أهله . قال ابن عباس : كان من قوة العفريت حين وصف نفسه بالقوة : أنه كان يضع قدمه حيث ينال طرفه ، فقال سليمان : أنا أحب أعجل من ذلك : { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ } قيل : هو جبريل عليه السلام . وقيل هو سليمان نفسه . وذهب ابن وهب : أنه الخضر . وقيل : هو أصف بن برخيا . وقوله : { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } ، أي لقوي على حمله : أمين على ما فيه من الذهب والجوهر لا أخون فيه . وعن ابن عباس : أمين على فرج المرأة . ثم قال : { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } ، أي قال الإنسي الذي عنده علم من كتاب الله جلّ ذكره . قال مجاهد : فتكلم ذلك العالم بكلام دخل العرش تحت الأرض حتى خرج إليهم . قال الزهري : دعا الذي عنده علم من الكتاب : يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت : إيتني بعرشها . قال : فتمثل له بين يديه . قال قتادة : كان اسمه يلجا . وقيل : كان اسمه آصف بن برخيا . وقال النخعي : هو جبريل صلى الله عليه وسلم . وقيل : هو سليمان نفسه . ودل على ذلك قوله : { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } . ومعنى : { قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } ، أي قبل أن يصل إليك من كان منك على مد بصرك ، أي قبل أن يأتيك أقصى ما ترى . وقال وهب معناه : أنا آتيك به قبل أن تمتد عينك فلا ينتهي طرفك إلى مداه حتى آتيك فأمثله بين يديك فدعا فغاص العرش تحت الأرض ثم نبع إليه . وقال وهب : توضأ آصف ، وركع ركعتين ، ودعا فنبع السرير من تحت الأرض ، فقال سليمان : { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } ، أي هذا النصر من فضل ربي ليختبرني أشكر أم أكفر ، ومن شكر فلنفسه يشكر ، لأن النفع إليه يرجع ، ومن كفر فإن ربي غني عنه ، ونفسه ظلم . كريم أي تفضل على من كفر ويرزقه . قال مالك : كانت باليمن وكان سليمان بالشام . وروى ابن وهب عن ابن لهيعة قال : بلغني أن الذي قال لسليمان { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } أنه الخضر . قال الأعمش : قال الذي عنده علم من الكتاب لا إله إلا أنت رب كل شيء إيتني به . قال : فإذا هو بين يديه .