Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { طسۤمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } ، إلى قوله : { كَانُواْ خَاطِئِينَ } . قد تقدم تفسير " طسم " ، والمعنى هذه آيات الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد المبين : أنه من عند الله ، لم تتقوله ولا تخرصته ، وفي هذا إشارة إلى أن الله قد أعلم من قبل محمد من النبيين أنه سينزل على نبي كتاباً مبيناً ، فذلك معنى الإشارة في قوله : { تِلْكَ آيَاتُ } ، أي هذه الآيات التي وعد الله أن ينزلها وكذلك ما شابهه مثله . وقال قتادة : المعنى : المبين بركته ورشده وهداه . وقيل : المعنى : المبين الحق من الباطل ، والحلال من الحرام ، وقصص الأنبياء ، ونبوة محمد عليه السلام . يقال : أبان الشيء وبان . ثم قال تعالى : { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ } . أي نقرأ عليك يا محمد رسولنا ، ونقص عليك من خبر موسى وفرعون { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، أي لقوم يصدقون بهذا الكتاب ، فيزدادون عند سماع ما لم يكونوا يعلمون تصديقاً وإيماناًَ ويعلمون أن من عاداك مصيره كمصير من عادى موسى . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي تجبر وتكبر ، لم يرد علو مكان ، وعلى ذلك ما وصف الله بالعلو ، ليس هو علو مكان { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } ، أي فرقاً يذبح طائفة ، ويستحيي طائفة ، ويعذب طائفة ، ويستعبد طائفة . { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } ، أي ممن يفسد في الأرض بقتله من لا يستحق القتل ، واستعباده من ليس له استعباده ، وتجبره بغير حق . قال السدي : رأى فرعون في / منامه أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر ، فدعا السحرة والكهنة والقافة فسألهم عن رؤياه ، فقالوا : يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه ، يعنون بيت المقدس رجل يكون على وجهه ذهاب مملكتك ، وكان بنو إسرائيل لا يولد لهم غلام إلا ذبحه ، ولا يولد لهم جارية إلا تركت . وقال للقبط : انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجاً فأدخلوهم ، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة ، فجعل بنو إسرائيل في أعمال غلمانهم ، وأدخلوا غلمانهم ، فذلك قوله : { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } وواحد الشيع : شيعة ، وهي الفرقة التي يشيع بعضها بعضاً أي يعاونه . قال أبو إسحاق : إنما فعل ذلك لأن بعض الكهنة قال له : إن مولوداً يولد مع ذلك الحين يكون سبب زوال ملكه . فالعجب من حمق فرعون إن كان الكاهن عنده صادقاً فما يغني القتل ، وإن كان كاذباً فما يصنع بالقتل . ثم قال تعالى : { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ } ، يعني بني إسرائيل الذين استضعفهم فرعون ، فكان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ، وكان بنو إسرائيل اثني عشر سبطاً ، بالسبط الذي كان منهم موسى الذي كان فرعون يذبح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم . وهم سبط النبوة ، وكان فرعون جعل على نساء ذلك السبط حفظة من النساء ، فإذا حملت المرأة دونها عنده في الدواوين فإن وضعت ذكراً ذبحه ، وإن وضعت أنثى تركها ، وكان الكهان يأتون فرعون كل يوم فيخبرونه بما يرون في كهانتهم . قوله : { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } أي ولاة وملوكاً . { وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } ، قال قتادة : يرثون الأرض من بعد فرعون وقومه . { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي نوطئ لهم في أرض الشام ومصر . { وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } ، أي نريهم زوال ملكهم على يد الرجل الذي قد حذروا أمره ، وقتلوا الولدان من جهته ، وهو موسى صلى الله عليه وسلم . وذكر ابن وهب عن رجاله : أن فرعون ولي بني إسرائيل أربعمائة عام وأربعين عاماً ، فأضعف الله ذلك لبني إسرائيل ، فولاهم على آل فرعون بعده ثمانمائة عام وثمانين عاما . قال : وإن كان الرجل ليعمر ألف سنة في القرون الأولى ، وما يحتلم حتى يبلغ عشرين ومائة سنة . وروى ابن زيد عن أبيه ، قال : كان في الزمان الأول يمر بالرجل أربعمائة سنة قبل أن يرى فيها جنازة . فقوله : { أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } إلى قوله : { ٱلْوَارِثِينَ } هو قوله : { مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } ، فهذا هو الذي كان فرعون يحذر ، كان يحذر أن يمن الله على الذين استضعفوا في الأرض عند فرعون ، وأن يجعلهم أئمة ، وأن يجعلهم الوارثين لأرض فرعون وملكه . ثم قال تعالى ذكره : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ } ، أي وقذفنا في قلب أم موسى ، إذ ولدته أن ترضعه ، وقيل : هي رؤيا رأتها . قال السدي : أمر فرعون أن يذبح الأولاد من بني إسرائيل سنة ويتركوا سنة فعلت بموسى في السنة التي يذبحون فيها الأولاد ، فلما أرادت وضعه حزنت من شأنه فأوحى الله إليها أن أرضعيه . الآية . قال ابن جريج : أمرت أن ترضعه ما أمنت عليه ، فإذا خافت عليه ألقته في البحر . فلما بلغ أربعة أشهر وصاح ، وابتغى من الرضاع أكثره ، ألقته حينئذ في اليم إذ خافت عليه . وقال السدي : وضعته وأرضعته ثم دعت له نجاراً فعمل له تابوتاً ، وجعلت مفتاح التابوت من داخل ، وجعلته فيه وألقته في اليم وهو النيل . ثم قال : { وَلاَ تَخَافِي } ، أي لا تخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه { وَلاَ تَحْزَنِيۤ } لفراقه . قال ابن زيد : لا تخافي البحر عليه ، ولا تحزني لفراقه . { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } ، للرضاع فترضعيه أنت { وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي باعثوه رسولاً إلى هذه الطاغية . ثم قال تعالى : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } ، يعني التقطه من النيل جواري امرأة فرعون آسية . خرجن يغتسلن فوجدن التابوت ، فأدخلنه إلى آسية ، فوقعت عليه رحمتها وحنينها ، فلما أخبرت به فرعون ، أراد أن يذبحه ، فلم تزل تكلمه حتى تركه لها . وقال : إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل / ، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا ، ولذلك قال تعالى : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } . وقال محمد بن قيس : كانت ابنة فرعون برصاء ، فجاءت إلى النيل فإذا التابوت في النيل تخفقه الأمواج ، فأخذته ابنة فرعون ، فلما فتحت التابوت ، فإذا هي بصبي ، فلما نظرت إلى وجهه برأت من البرص ، فجاءت إلى أمها ، وقالت : إن هذا الصبي مبارك ، لما نظرت إليه برأت . فقال فرعون : هذا من صبيان بني إسرائيل ، هلم حتى أقتله فقالت : { قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ } [ القصص : 9 ] . وقال ابن إسحاق : وأجمع فرعون في مجلس له على شفير النيل ، كان يجلسه على كل غداة فبينما هو جالس إذ مر النيل بالتابوت فقذف به ، وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه . فقال : إن هذا الشيء في البحر ، فأتوني به ، فخرج إليه أعوانه ، حتى جاءوا به ، ففتح التابوت ، فإذا فيه صبي في مهده ، فألقى الله عليه محبته وعطف عليه نفسه . قالت امرأته آسية : { لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } [ القصص : 9 ] . وحكى الكسائي : في تصغير آل : أويل والأكثر على رده إلى الأصل ، فيقولون : أهيل وإذا أضيف إلى اسم صحيح ليس بموضوع لمعرفة ردوه إلى الأصل . فقالوا : هم أهل الرجل ، وأهل المرأة . وكذلك إن أضافوا إلى مضمر أو إلى بلد . قالوا : هم أهلك ، وأهل الكوفة ، وقوله : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } . اللام لام كي ، والمعنى أنه لما كان في علم الله أن يكون لهم عدواً وحزناً ، صاروا كأنهم إنما التقطوه لكي يصير لهم عدواً وحزناً ، فصاروا كأنهم التقطوه لذلك ، وإن لم يقصدوا ذلك إنما آل أمرهم إلى أن كان لهم عدواً وحزناً ، صاروا كأنهم التقطوه لذلك ، ومثله : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } [ الأعراف : 20 ] . لم يعرف إبليس أنهما إذا أكلا بدت لهما سوآتهما ، ولا قصد لذلك إنما قصد ليوقعهما في الخطيئة ، فبدت لهما سوآتهما عند مواقعة الخطيئة فصار كأنه فعل ذلك ليبدي لهما سوآتهما وإن لم يكن قصده لذلك . وهي لام العاقبة ولام الصيرورة وهذا كما قال : " فللموت ما تلد الوالدة " لم تلد المولود ليموت ولا للموت ، ولكن كانت العاقبة إلى الموت ، تكون صارت كأنها ولدته لذلك والحُزن والحَزن لغتان ، كالسُقم والسَقم . وقيل : الحَزَن : الاسم ، والحُزن المصدر . وقوله تعالى : { كَانُواْ خَاطِئِينَ } ، أي آثمين بفعلهم ، يقال خطئ يخطأ : إذا تعمد الذنب . ويروى : أن فرعون كان له رجال مخضبة أيديهم بالحناء قد شدوا أوساطهم بالمناطق وفيها السكاكين يذبحون الأطفال ، فولدت أم موسى موسى ، ولا علم عندهم به ، فأوحى الله إليها أن ترضعه ، فإن خافت عليه ألقته في اليم يعني النيل ، فخافت عليه ، فجعلته في تابوت وغلقت عليه ، وعلقت المفاتيح في التابوت ، وألقته في النيل ، وكان لامرأة فرعون جوار يسقين لها الماء من موضع من النيل لا تشرب من غيره ، فلما أتى الجواري يستقين وجدن التابوت ، فأردن فتحه ، ثم قال بعضهم البعض : إن فتحناه قبل أن تراه سيدتنا اتهمنا . وقالت : وجدتن فيه شيئاً غير هذا ، ولكن دعنه على حاله حتى تكون هي التي تفتحه وهو أحصى لكن عندها ، فذهبن بالتابوت إليها ، ففتحت التابوت فإذا موسى ، فكان من قصته ما ذكره الله لنا ، وقد تقدم من قصته في مريم نحو هذا أو أشبع منه .