Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 9-14)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } ، إلى قوله : { نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } ، أي قالت آسية لفرعون : هذا الغلام قرة عين لي ولك ، لا تقتلوه . ومعنى : قرة عين : أي برد لعيني وعينك ( لا تستحر ) أعيننا بالبكاء ، فهو من القر ، وهو البرد . وقيل هو من قر بالمكان أي لم يبرحه . وروي : أن امرأة فرعون لما قالت له هذا قال : أما لك فنعم ، وأما لي فلا ، فكان كما قال . قال ابن عباس : لما أتت امرأة فرعون بموسى فرعون قالت : قرة عين لي ولك ، قال فرعون : يكون لك / ، وأما لي فلا حاجة لي فيه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي يحلف به لو أقر فرعون أنه يكون له قرة عين كما أقرت لهداه الله جل ذكره به كما هدى به امرأته ، ولكن الله حرمه ذلك " وقوله تعالى : { لاَ تَقْتُلُوهُ } ، بلفظ الجماعة إنما ذلك لأنها خاطبته كما يخاطب الجبار ، وكما يخبر الجبار عن نفسه بلفظ الجماعة . ويروى : أنها إنما قالت لفرعون ذلك ، يوم نتف موسى لحية فرعون ، فأراد فرعون قتله . وقيل : بل قالته له حين التقطه آل فرعون فأراد فرعون قتله . وقوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أي لا يشعرون أن هلاكهم على يديه ، وفي زمانه . قال قتادة . وقال مجاهد : { لاَ يَشْعُرُونَ } أَنَّهُ عَدُوٌ لَهُمْ . وقيل : هذا الضمير على بني إسرائيل يعود ، والمعنى : وبنو إسرائيل لا يشعرون ذلك . ثم قال تعالى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } أي أصبح فارغاً من كل شيء سوى ذكر موسى . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة والضحاك . وقال ابن زيد : معناه أصبح فارغاً من الوحي الذي قال لها الله فيه : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ } [ القصص : 7 ] ، فحزنت عليه وخافت . قال : جاءها إبليس فقال : يا أم موسى : كرهت أن يقتل فرعون موسى ، فيكون لك أجره ، وثوابه ، وتوليت قتله ، وألقيته في البحر وغرقته . قال الحسن : أصبح فارغاً من العهد الذي عهد إليها والوعد الذي وعدت أن يرد عليها ابنها ، فنسيت ذلك كله ، حتى كادت أن تبدي به لولا أن ربط الله على قلبها بالصبر لأبدت به . قال ابن إسحاق : كانت أم موسى ترجع إليه حين ألقته في البحر ، هل تسمع له بذكر حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبياً في النيل في التابوت ، فعرفت القصة ، ورأت أنه قد وقع في يدي عدوه الذي فرت به منه ، فأصبح فؤادها فارغاً من عهد الله جل ثناؤه إليها فيه ، قد أنساها عظيم البلاء ، ما كان من العهد عندها من الله فيه . قال ابن زيد : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } ، أي بالوحي . وقال ابن عباس : كادت تقول : وابناه . وكذلك قال قتادة . قال أبو عبيدة : فارغاً من الحزن لما علمت أنه لم يغرق . قال السدي : لما أخذ ثديها في الرضاع كادت تقول : هو ابني ، فعصمها الله . وعن ابن عباس : أن معناه : أصبح فؤاد أم موسى فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى ، كادت أن تخبر به ، فتقول : الذي وجدتموه في التابوت هو ابني ، ونسيت ما وعدها الله به أنه يرده عليها ، فثبتها الله ، وربط على قلبها بالصبر ، حتى رجع إليها كما وعدها الله . وروى ابن وهب ، وابن القاسم عن مالك : أنه قال : فارغاً هو ذهاب العقل في رأيي ، يقول الله تعالى : { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } . وعن ابن عباس : إن كادت لتبدي به ، قال : إن كادت لتقول : يا بنياه . وقال زيد بن أسلم : معناه : فارغاً من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر . وقال الأخفش : لتبدي به بالوحي ، كقول ابن زيد . وقوله : { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } ، أي عصمناها من إظهار خبره . وقال قتادة : ربطنا على قلبها بالإيمان لتكون من المؤمنين . ثم قال تعالى : { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } أي قصي أثره أي اتبعي أثره ، فانظري أخرجه أحد من البحر ، ومن التابوت أم لا ؟ فإن أخرج فانظري ماذا يفعلون به ؟ . وقيل معناه : انظري أحي هو أم أكلته دواب البحر ؟ ثم قال : { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } وفي الكلام حذف ، والتقدير : فقصت أخت موسى أثره ، فبصرت بموسى عن بعد ، ولم تقربه لئلا يعلم أنها من قرابته ، يقال : بصرت به وأبصرته ، ويقال : عن جنب وعن جنابة ، ومنه قولهم : فلان أجنبي . قيل عن جنب : أي أبصرته عن شق عينها اليمنى . { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، بها أنها أخته . وعن ابن عباس : على جنب والجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد وهو إلى جنبه / ، لا يشعر به . وحكى بعض المفسرين : عن جنب : عن شوق . قال أبو عمرو : وهي لغة لجذام ، يقولون : تجنبت إليك أي تشوقت . وقوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أي وآل فرعون لا يشعرون أنها أخته جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده . وقيل معناه : وهم لا يشعرون ما يصير إليه أمر موسى ، ولا يعلمون كرامته على الله . ثم قال تعالى : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } . أي ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهن من قبل رده إلى أمه . وقيل : من قبل أمه . وقيل معناه : منعناه قبول ذلك . وقيل : هو من المقلوب . ومعناه : وحرمنا على المراضع رضاعه ، والتحريم بمعنى المنع ، معروف في اللغة ، وواحد المراضع : مرضع ، ومن قال : مراضع ، فهو جمع : مرضاع ، ومفعال ، بناء للتكثير ، ولا تدخل الهاء في مؤنثه إذ ليس بجار على الفعل ، وقد قالوا : مرضاعة ، فأدخلوا الهاء للمبالغة لا للتأنيث ، كما قالوا : مطرابة . ثم قال : { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } . قال السدي : أرادوا له المرضعات فلم يأخذ من ثدي أحد من النساء وجعل النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع . ويروى : أن فرعون بلغ منه الغم بامتناعه من الرضاع كل مبلغ حتى كان أخذه فرعون على يديه وجعل يطلب له الرضاع بنفسه ويشفق عليه من البكاء ، فلما قالت لهم أخته ما قالت استراح فرعون إلى قولها ، وطمع أن يقبل موسى رضاعها فقال : جيئني بها ، فذهبت إلى أمها فجاءت بها ، فأمرها فرعون برضاعه ، فقبل ثديها ، وسكت ، فسر بذلك فرعون وهذا من عجيب لطف الله . ومعنى : يكفلونه : يضمونه . وقالت : { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } ، روي : أنها لما قالت ذلك ، قالوا لها : ومن هي ؟ قالت : أمي ، قالوا لها : أو لأمك لبن ؟ قالت : نعم ، لبن أخي هارون . وكان هارون ولد في سنة لم يكن فيها ذبح . روي : أن فرعون كان يذبح سنة ويترك سنة . وروي : أنه كان ترك الذبح أربع سنين ، فولد هارون في آخرها ، فأرسلت امرأة فرعون إلى أم موسى ، وقالت لها : هذا الصبي أرضعيه ، ولك عندنا الكرامة ، مع ما لك من القدر عندنا ، ولزوجك ، فأخذته وأتم الله وعده لها برده إليها ، فلما صار موسى إليها لم يبق أحد من خاصة فرعون إلا أكرمها ، وكان زوجها عمران قد احتبسه فرعون عنده ، فرده عليها . ويروى أن فرعون قال لأم موسى : كيف ارتضع هذا الصبي منك ؟ ولم يرتضع من غيرك ؟ فقالت : لأني امرأة طيبة الريح ، طيبة اللبن ، فلا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني . وروي : أنها لما قالت : { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } ، أخذوها ، فقيل لها : قد عرفته ، فقالت : إنما عنيت أنهم للملك ناصحون ، قال السدي وابن جريج . ثم قال تعالى : { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ } ، أي رددنا موسى إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن عليه ، وليتم الوعد الذي وعدها الله به في قوله جل ذكره : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ } [ القصص : 7 ] ، وهو قوله : { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي أكثر المشركين لا يعلمون أن وعد الله حق ، ولا يصدقون به . ثم قال تعالى : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ } ، أي استكمل نهاية قوة الرجل . قال مجاهد وقتادة : واستوى : بلغ أربعين سنة . وقيل : الاستواء : ستون سنة . وقال ابن عباس : الأشد : ثلاث وثلاثون سنة ، وقاله مجاهد وقتادة . وقيل : هو اثنان وعشرون سنة ، فبها تبلغ الزيادة في الطول حدها في الاستواء . { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } ، أي فهماً في الدين ومعرفة به . قال مجاهد : هو الفقه ، والعقل ، والعمل . وذلك قبل النبوة . { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } ، أي كما جازينا موسى على طاعته ، كذلك نجزي كل من أطاع ، وإنما جعل الله إتيانه العبد الحكم والعلم جزاء على الإحسان ، لأنهما يؤديان إلى الجنة التي هي جزاء المحسنين . واختلفت في الأشد : فقيل : هو جمع أشد . وقيل : لا واحد له . / وقيل : هو جمع : شدة .