Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 79-88)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } ، إلى أخر السورة . قيل : خرج في ثياب الأرجوان . قال جابر : خرج في القرمز . وقال مجاهد : خرج في ثياب حمر على براذين بيض عليها سروج الأرجوان عليهم المعصفرات . قال ابن جريج : خرج على بغلة شهباء عليها الأرجوان ، وثلاثمائة جارية على البغال الشهب عليهن ثياب حمر . وقال الحسن : خرج في ثياب حمر وصفر . وقال قتادة : ذكر لنا أنهم خرجوا على أربعة آلاف دابة عليهم وعلى دوابهم الأرجوان . وقال ابن زيد : خرج في سبعين ألفاً عليهم المعصفرات . وقال شهر بن حوشب : زادوا على الناس في طول ثياب أربعة أشبار . { قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } ، أي يحبون زينة الدنيا من قوم قارون { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ } ، من زينة الدنيا . { إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي ذو نصيب عظيم في الدنيا . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } ، أي اليقين والإيمان { وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ } ، أي اتقوا الله وأطيعوه ، فثواب الله لمن آمن به وبرسله { خَيْرٌ } مما أوتي قارون من زينته وماله . { وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } أي لا يوفق لقول هذه الكلمة وهي { ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } ، إلا الصابرون . أي إلا الذين صبروا عن زينة الحياة الدنيا ، وآثروا ما عند الله من النعيم على شهوات الدنيا . ثم قال تعالى : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } أي فخسفنا بقارون وأهل داره الأرض . روي : أن موسى عليه السلام أمر الأرض أن تأخذه ، ومن كان يتبعه من جلسائه في داره ، وكان معه جماعة وهم على مثل حاله من النفاق على موسى . قال ابن عباس : لما نزلت الزكاة أتى موسى قارون فصالحه على كل ألف دينار ديناراً ، وعلى كل ألف درهم درهماً ، وعلى كل ألف شاة شاة . ثم أتى قارون بيته فحسبه فوجده كثيراً ، فجمع بني إسرائيل ، فقال : يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أن يأخذ من أموالكم ، فقالوا له : أنت كبيرنا وسيدنا ، فمرنا بما شئت ، فقال : آمركم تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلاً فتقذفه بنفسها ، فدعوها فجعلوا لها جعلاً على أن تقذفه بنفسها ، ثم أتى موسى ، فقال لموسى إن بني إسرائيل قد اجتمعوا لتأمرهم وتنهاهم ، فخرج إليهم وهم في براح من الأرض ، فقال يا بني إسرائيل : من سرق قطعنا يده ، ومن افترى جلدناه بثمانين ، ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة ، ومن زنى وله امرأة جلدناه حتى يموت أو رجمناه حتى يموت . فقال له قارون : وإن كنت أنت ، قال : وإن كنت أنا ، قال : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة ، فقال : ادعوها ، فإن قالت فهو كما قالت ، فلما أن جاءت ، قال لها موسى : يا فلانة ، قالت : لبيك ، قال : أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ قالت : لا وقد كذبوا ، وقد جعلوا لي جعلاً على أن أقذفك بنفسي فوثب وسجد وهو بينهم فأوحى الله إليه : مر الأرض بما شئت ، فقال يا أرض خذيهم ، فأخذتهم / ، إلى أقدامهم ، ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم ، ثم كذلك حتى أخذتهم إلى أعناقهم ، فجعلوا يقولون : يا موسى ، يا موسى ، ويتضرعون إليه ، فقال : يا أرض خذيهم ، فأطبقت عليهم ، فأوحى الله إليه : يا موسى ، يقول لك عبادي يا موسى ، يا موسى لا ترحمهم ، أما لو إياي دعوا لوجدوني قريباً مجيباً . قال ابن عباس : خسف به وبداره إلى الأرض السابعة . قال ابن جريج : بلغنا أن قارون يخسف به كل يوم قامة ، ولا يبلغ إلى أسفل الأرض إلى يوم القيامة . وقال مالك بن دينار : بلغنا أن قارون يخسف به كل يوم مائة قامة . ثم قال تعالى : { فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ } ، أي من فرقة ترد عنه عذاب الله . وما كان ممن ينتصر من عذاب الله . ثم قال : { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ } ، أي قال الذين قالوا : { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ } لما أن خسف به ، وبداره ، وأمواله { وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ } . قال الخليل ، وسيبويه ، والأخفش والكسائي : في { وَيْكَأَنَّ } : إن القوم تنبهوا أو انتبهوا فقالوا : وي . والمتندم من العرب يقول في حال تندمه : وي . قال الخليل : هي " وي " مفصولة من كأن . والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم أو ما يشبه أن يكون ذلك عندكم هكذا . فالمعنى على هذا القول أن القوم تندموا على ما سلف من قولهم : { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ } الآية . ومن شأن المتندم إذا أظهر ندامته أن يقول " وي " فالوقف على هذا المعنى " وي " . وقال المفسرون : معناها : ألم تر . وحكى الفراء : أن أصلها " ويلك " ثم حذفت اللام ، فيكون الوقف . " ويك " ، وهذا بعيد عند كل النحويين ، لأن القوم لم يخاطبوا أبداً ، ويلزم على قوله أن تكون أن مكسورة إذ لا شيء يفتحها مع أن حذف اللام من " ويلك " غير معروف . وقدره بعض من يقول بقول الفراء " ويلك " إعلم أنه وهو بعيد لما ذكرنا ، ولأن العرب لا تعلم العلم مضمراً . وقال بعض الكوفيين : فيه معنى التقرير : ومعناه : أما تروا أنه لا يفلح . وحكي : أنه سمع أعرابية تقول لزوجها : أين ابنك ؟ فقال لها : ويكأنه وراء البيت ، على معنى أما ترى أنه وراء البيت ؟ وحكى يونس عن العرب : وي ما أغفله . وحكى قطرب : " وي " لأمه . وقال معمر : معناه : أو لا يعلم أنه لا يفلح . فالمعنى : أن القوم لما عاينوا ما نزل بقارون ، قالوا : ألم تر أنه لا يفلح من كفر نعم الله ، ألم تر أن { ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } ويضيقه على من يشاء ، ليس يعطي أحد الفضل فيه ولا يمنع أحد لنقص فيه ، بل يوسع على من يشاء ، ويضيق على من يشاء . وكتبت " ويكأن " متصلة لكثرة الاستعمال ، كما كتبوا يا ابن أم متصلة . وروي عن الكسائي : أنه يقف " وي " ويبتدئ كأن . وحكي عن أبي عمرو : أنه يقف " ويك " . والمستعمل وصل ذلك اتباعاً للمصحف ، ولا يوقف على بعضه دون بعض . ثم قال : { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً } ، أي لا يريدون تكبراً عن الحق ، ولا ظلم الناس بغير حق . قال عكرمة : العلو : التجبر . قال ابن جبير : العلو : البغي . وقال ابن جريج : علواً ، تعظماً وتجبراً ، { وَلاَ فَسَاداً } ، عملاً بالمعاصي . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه ، فيدخل في قوله : { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } . وقوله تعالى : { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } ، . قال قتادة والضحاك معناه : والجنة للمتقين : يعني الذين اتقوا المعاصي وأدوا الفرائض . ثم قال تعالى : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } ، أي من جاء يوم القيامة بالإخلاص فله منه خير . قال عكرمة : ليس شيء خيراً من لا إله إلا الله . وإنما المعنى : من جاء بلا إله إلا الله فله منها خير أي حظ خير . وقيل المعنى : من جاء يوم القيامة بالحسنات فله ما هو خير له من ثوابها ، وهو التفضل الذي يزيده الله على ثوابها ، لم يستحقه لعمله ، وإنما هو تفضل من الله عليه ، فيكون الثواب على عمله ، والتفضل خير له من الثواب وحده . وقيل : ذلك الخير : الجنة . { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } ، يعني الشرك بالله { فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا } ، أي لا يثابون إلا جزاءَ / أعمالهم لا يزاد عليهم . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } ، . هذا مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : إن الذي أنزل عليك القرآن يا محمد . قاله مجاهد وغيره . وقيل معنى : فرض عليك العمل بما فيه . { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } ، أي إلى الجنة ، قاله ابن عباس ، والخدري ، وأبو مالك ، وأبو صالح ، لأن أباه منها خرج ، فجاز أن يقال للنبي : إلى معاد فيها ، وإن كان هو لم يخرج منها . وقيل : إنما جاز ذلك لأنه دخلها ليلة الإسراء ، فالله تعالى يرده إلى الموضع الذي دخله ، ويعود به إليه . وقال عكرمة ، وعطاء ، ومجاهد : إلى معاد : إلى يوم القيامة . وكذلك قال الحسن : معاده الآخرة . وعن ابن عباس : إلى معاد : إلى الموت ، وقاله ابن جبير . وعن ابن عباس أيضاً ومجاهد : إلى معاد : إلى مكة ، وهو الموضع الذي خرج منه ، فكان ذلك بعد مدة ، وهذا من دلالات نبوته صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر بمكة أنه إذا خرج منها سيعود إليها ، فكان ذلك . والسورة مكية ورجع إلى مكة بعد هجرته إلى المدينة وبقائه بها تسعة أعوام أو نحوها ، وذلك كله بوحي الله جل ذكره إليه بذلك في كتابه بقوله : { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } . واختار الزجاج قول من قال : إلى يوم القيامة ، لأن المعنى لرادك إلى الحياة التي كنت فيها . ثم قال تعالى : { قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ } ، أي : من جاء بالهدى منا ومنكم { وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، منا ومنكم ، أي في جور عن قصد السبيل . ثم قال تعالى : { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ } ، أي لم تكن يا محمد تظن أن القرآن ينزل عليك فتعلم به أخبار الأمم قبلك ، وما يحدث بعدك ، إلا أن ربك رحمك فأنزله عليك فـ { إِلاَّ رَحْمَةً } استثناء منقطع ، فهذا تذكير من الله لنبيه بنعمه عليه . { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } ، أي عوناً لمن كفر بربه على كفره . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ } ، أي لا يصرفك يا محمد الكفار عن تبليغ آيات الله وحججه بعد إذا أنزلت إليك بقولهم : { لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } [ القصص : 48 ] ، { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } ، أي وادع الناس إلى توحيد ربك وعبادته { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } ، أي ولا تترك تبليغ ما أرسلت به ، فتكون كالمشركين في ترك ما أمرت به . ثم قال : { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } ، أي لا تعبد يا محمد صلى الله عليه وسلم مع معبودك الذي له عبادة كل شيء معبوداً آخر { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ، أي لا معبود تصلح له العبادة إلا له ، الذي { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } ، أي إلا إياه . وقال سفيان معناه : كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه . وحكى بعض أهل اللغة أن معناه : إلا جاهه ، يقال : فلان وجه القوم أي جاه القوم ، فالتقدير : كل شيء في العباد هالك إلا الوجه الذي يتوجهون به إلى الله جل ذكره . { لَهُ ٱلْحُكْمُ } ، أي بين خلقه دون غيره ، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ، أي تردون بعد مماتكم ، فيقضي بينكم بالعدل .