Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 76-78)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } ، إلى قوله : { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } ، " قارون " فاعول اسم أعجمي معرفة فلذلك لم ينصرف ومعنى { كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } أي من عشيرته ، وكان ابن عمه لأبيه وأمه ، وكان عند موسى من عباد المؤمنين . وهو قارون بن يصهر بن قاهث ، وموسى : هو موسى بن عمران بن قاهث . قاله ابن جريج ، والنخعي ، وقتادة ، ومالك ابن دينار . وقال ابن إسحاق : كان قارون عم موسى لأب وأم . وقوله : { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } ، أي تجاوز حده في التكبر عليهم . وقيل : كان بغيه أنه أحدث زيادة شبر في طول ثيابه ، قاله شهر بن حوشب . وقال قتادة : كان بغيه عليهم بكثرة ماله . قيل : إنه لكثرة ماله استخف بالفقراء ، وازدرى بني إسرائيل ، ولم يرع لهم حق الإيمان بالله . وقيل : إنه كان ابن عم موسى ، وكان عالماً بالتوراة فبغى على موسى ، وقصد إلى الإفساد عليه والتكذيب له ، وكان من طلبه للإفساد أن بغيّاً كانت مشهورة في بني إسرائيل فوجه إليها قارون ، وكان أيسر أهل زمانه ، فأمرها أن تصير إليه ، وهو في ملإ من أصحابه ، فتكذب على موسى ، وتقول : إن موسى طلبني للفساد ، وضمن لها قارون إن هي فعلت ذلك أن يخلطها بنسائه ، وأن يعطيها على ذلك عطاء كثيراً ، فجاءت المرأة ، وقارون جالس مع أصحابه ورزقها الله التوبة ، وقالت في نفسها : مالي مقام توبة مثل هذا ، فأقبلت على أهل المجلس وقارون حاضر ، فقالت لهم : إن قارون هذا وجه إلي يأمرني ويسألني أن أكذب على موسى وأن أقول : قد أرادني للفساد ، وأن قارون كاذب في ذلك . فلما سمع قارون كلامها تحير وأبلس ، واتصل الخبر بموسى عليه السلام فجعل الله أمر قارون إلى موسى ، وأمر الأرض أن تطيعه فيه ، فورد موسى على قارون ، فأحس قارون بالبلاء ، فقال : يا موسى ارحمني ، فقال : يا أرض خذيه ، فخسفت به إلى سرته ، ثم قال : يا أرض خذيه ، فخسفت به إلى عنقه ، واسترحم موسى فقال : يا أرض خذيه ، فخسفت به حتى ساخت الأرض به وبداره ، وهو قوله جل ذكره : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } [ القصص : 81 ] . وقوله : { وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ } ، أي كنوز الأموال { مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ } ، أي خزائنه . وقيل : هي التي يفتح بها الأبواب ، والواحد في الوجهين : مفتاح ، وروى الأعمش عن خيثمة أنه قال : كانت مفاتح قارون تحمل على ستين بغلاً ، كل مفتاح منها / ، لباب كنز معلوم مثل الإصبع من جلود . قال مجاهد : كانت المفاتيح من جلود الإبل . وقال أبو صالح : كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلاً . وقال الضحاك : مفاتحه : أوعيته . وقيل : كانت مفاتح أقفال خزائنه لا تنقل من مكان إلى مكان إلا بعشرة أنفس من أهل القوة . قال ابن عباس : { لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ } ، أي لتثقل بالعصبة . وقال أبو عبيدة : مجازه ما إن العصبة ذوي القوة لتنوء بمفاتح نعمه ، والصحيح عند أهل اللغة أنه يقال : نؤت بالحمل : أي نهضت به على ثقل ، ونأنى ، وأنأني : إذا أثقلني . وقيل المعنى : لتنيء العصبة : أي تميلهم من ثقلها ، كما يقال : ذهبت به ، وأذهبته . والعصبة عند ابن عباس : أربعون ، وكذلك قال الضحاك وأبو صالح . وقال قتادة : هي ما بين العشرة إلى الأربعين . وقال خيثمة : هم ستون ، وقال : كانت مفاتحه تحمل على ستين بغلاً . وقيل : كانت تحمل على ما بين ثلاثة إلى عشرة . وروى الضحاك عن ابن عباس : { لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ } قال : العصبة : ثلاثة ، وعنه : العصبة ما بين الثلاثة إلى العشرة . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد : العصبة ما بين عشرة إلى خمسة عشر . وروى ابن جريج عن مجاهد : العصبة خمسة عشر رجلاً . وحكى الزجاج : أن العصبة هنا : سبعون رجلاً ، والعصبة في اللغة : الجماعة ، يتعصب بعضهم لبعض . وقوله : { أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ } ، أي ذوي الشدة . قال مجاهد : { أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ } خمسة عشر رجلاً . ثم قال تعالى : { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ } ، أي لا تبطر ولا تأشر { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } ، أي البطرين الأشرين الذين لا يشكرون على ما آتاهم الله من فضله ، أمروا بالتواضع والاستكانة لله . قال قتادة : { ٱلْفَرِحِينَ } ، المرحين ، وكذلك قال ابن عباس . وقال مجاهد : المتبذخين . وقيل : { ٱلْفَرِحِينَ } المستهزئين . وذكر الفراء : أن موسى الذي قال له ذلك وحده ، فأخبر عنه بلفظ الجماعة كما قال : { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } [ آل عمران : 173 ] يعني نعيم بن مسعود . وفرق الفراء بين الفرحين والفارحين ، فقال : الفرحين الذين هم في حال فرح ، والفارحين : الذين يفرحون فيما يستقبل ، ومثله عنده طمع وطامع ، وميت ومايت ، وقوله تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] يدل على خلاف ما قال الفراء ، لأن هذا للمستقبل ، ولم يكونوا في حال موت إذ خوطبوا بهذا ، ولم يقل : مايت ومايتون . وقال الزجاج : معنى { لاَ تَفْرَحْ } أي لا تفرح بالمال فإن الفرح بالمال لا يؤدي فيه الحق . ثم قال تعالى : { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } ، أي وقال قوم قارون له : التمس في المال الذي أعطاكه الله الدار الآخرة بالعمل الصالح فيه { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } . قال ابن عباس : معناه لا تترك العمل في الدنيا لله بطاعته وهو معنى قول مجاهد وغيره . قال ابن زيد : لا تنس أن تقدم من دنياك لآخرتك . وقيل معناه : بل من لذات الدنيا المحللة ، لأن ذلك ليس بمحظور عليك . وقيل : معناه لا تترك أن تطلب بدنياك الآخرة فهو حظك من دنياك . وقال قتادة : معناه لا تخسر ما أحل الله لك فيها فإن لك فيها غنى وكفاية وقال الحسن : معناه قدم الفضل وأمسك ما يبلغك . وقال ابن جريج : الحلال فيها . وعن مالك رضي الله عنه : أنه الأكل والشرب في غير سرف . ثم قال تعالى : { وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } ، أي وأحسن في الدنيا بإنفاق مالك في وجهه ، كما وسع الله عليك . { وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي لا تلتمس ما حرم الله عليك من البغي على قومك { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } ، أي لا يحب بغاة البغي والمعاصي . ثم قال تعالى : { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } ، أي قال قارون لقومه لما وعظوه : إنما أوتيت هذا المال : { عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } أي بفضل علم عندي علمه الله مني ، فرضي بذلك عني ، وفضلني عليكم بالمال لذلك ، فلم يرض بأن يكون الله هو المنعم عليه بذلك ، فأضاف اكتساب ذلك إلى نفسه لا بشكر الله عليه ، فصار كافراً بذلك ، وببغيه على بني إسرائيل ، وكان قارون أقرأ الناس للتوراة . / قيل : كان يعرف عمل الكيمياء ، وأنكره الزجاج ، وقال : الكيمياء باطل . ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ } ، أي بطشاً { وَأَكْثَرُ جَمْعاً } ، أي جمعاً للأموال فلم تغن عنه أمواله شيئاً ، فلا فضل لمن أوتيها . ثم قال : { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } . قال قتادة : يدخلون النار بغير حساب . وقيل : المعنى أن الملائكة لا تسأل عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم ، كقوله جل ذكره : { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } [ الرحمن : 41 ] قاله مجاهد ، وسيماهم : زرقة العيون ، وسواد الوجوه . وقيل : المعنى ولا يسأل هؤلاء عن ذنوب من مضى وأهلك من الأمم الكثيرة الأموال . وقيل المعنى : لا يسألون سؤال اختيار فيختلف الضمير في ذنوبهم على مقدار المعاني المذكورة .