Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 61-69)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } إلى آخر السورة أي : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قريش ، من ابتدع السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر لعباده يجريان دائبين لمصالح الخلق ؟ ليقولن الله . { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي : فمن أين يصرفون عن عبادة من فعل ذلك بإقرارهم ، فيعبدون معه من لم يخلق شيئاً ولا يملك ضراً ولا نفعاً . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } أي : يوسع على من يشاء من عباده في الرزق ، ويضيق على من يشاء منهم فلا تتخلفوا عن هجرة وجهاد عدوكم بخوفكم العيلة والفقر . { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي : عليم بمصالحكم فيوسع على من لا يصلحه إلا التوسع في الرزق ، ويضيق على من لا يصلحه إلا الضيق في الرزق . ثم قال تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا } . أي : ولئن : سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قريش عَنْ مَنْ نزّل من السماء مطراً فأحيا بذلك المطر الأرض بعد جدوبها وقحطها { لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } ، فقل يا محمد : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } ، أي : على نعمه . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } أي : لا يعقلون ما لهم فيه النفع من أمر دينهم وما لهم فيه الضرر . ثم قال تعالى : { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } أي : ما يتمتع به هؤلاء المشركون في الدنيا إلا تعليل النفوس بما تلتذ به ، ثم ينقضي ويضمحل عن قليل ، فهو اللهو واللعب الزائل من ساعته . ثم قال تعالى : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ } أي : لفيها الحياة الدائمة والنعيم المقيم الذي لا أنقطاع له . والحياة والحيوان واحد ، يقال نهر الحيوان ونهر الحياة ، وأصل الحيوان : الحييان ثم أبدلوا من إحدى الياءين واواً ومثله حيوة أصله حيية . ثم أبدل . ويقال حييت حياً كعييت عياً . فالحي المصدر ، والحيوان والحياة اسمان . قال العجاج / : " وقد نَرَى إذِ الحياةُ حييّ " . يريد : إذِ الحياة حياة " . وقد قيل : إن الحيي جمع على فِعُول كعِصي . ثم قال تعالى : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي : فإذا ركب هؤلاء المشركون في السفينة في البحر فخافوا الغرق والهلاك أخلصوا لله الدعاء ، وتركوا آلهتهم التي يعبدون . { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } أي : يعبدون مع الله غيره . ثم قال تعالى : { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } . أي : لما نجاهم الله من الغرق إلى البَرِّ عبدوا غيره ليجحدوا نعمه عليهم . فاللام لام كي لأنها شرط لقوله { إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } . ثم قال : { وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } . هذه اللام لام الأمر ، فمن كسر لم يعتد بالواو وجعلها كالمبتدأ بها . ومن أسكن أعتد بالواو . ويحسن أن تكون عند من كسر ، لام كي عطف على { لِيَكْفُرُواْ } والأحسن أن تكون لام أمر لأن الكلام فيه معنى التهديد ، فالأمر به أولى ليكون وعيد وتهدد يعقبه وعيد وتهدد . وأيضاً فإن تمتعهم بدنياهم ليس من شرط قوله : { إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } إذا لم يشركوا ليتمتعوا ، إنما أشركوا ليكفروا . فأما من أسكن اللام ، فلا يجوز إلا أن تكون لام أمر لأن لام كي لا تسكن ، إذ قد حذف معها أن ، فلا يحسن حذف حركتها ، فيجتمع في الكلمة حذفان وفي حرف أبي : { وَلِيَتَمَتَّعُواْ } ، بغير لام ، فهذا يدل على التهدد والوعيد . ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً } أي : ألم ير هؤلاء المشركون من قريش ، ما خصصناهم به من النعم عليهم دون سائر الخلق إذ جعلنا بلدهم محرماً على الناس أن يدخلوه بغارة أو حرب ، يأمن فيه من سكنه وآوى إليه من السِّبَاءِ والخوف والجذام . { وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } أي : ويستلب الناس من حولهم قتلاً وسبياً . { أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } أي : بالشرك بالله يقرون ، وبنعمة الله التي خصهم بها يكفرون ، أي : يجحدون . ثم قال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي : لا أحد أظلم ممن أختلف الكذب على الله ، فقال إذا فعل فاحشة : الله أمرنا بها . { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } أي : منزلاً ومسكناً لمن كفر بالله وجحد نعمه عليه . وهو تقرير وتوبيخ ووعيد . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا } أي : والذين قاتلوا المشركين في نصر دين الله ، { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } أي : لنوفقهم لاصابة الحق والطريق المستقيم ، وهو الاسلام . { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي : من أحسن فجاهد أعداء الله . ومع هنا حرف ، ويجوز أن تكون اسماً ، وهي إذا فتحت حسن أن تكون اسماً وحرفاً وإذا سكنت لم تكن إلا حرفاً .