Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 49-60)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } إلى قوله جلّ ذكره وثناؤه : { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } . قال الحسن : معناه بل القرآن آيات ظاهرات في صدور المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقرأ قتادة : " آية بيّنة " بالتوحيد على معنى بل النبي آية بينة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب . وفي حرف عبد الله " بل هي آيات " أي : بل آيات القرآن آيات بينات . وقال ابن عباس والضحاك وابن جريج : كان الله جلّ ذكره أنزل بشأن محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل لأهل العلم وعلمه لهم وجعل لهم آية فقال : إن آية نبؤته أن يخرج حين يخرج لا يعلم كتاباً ولا يخطه بيمينه . والمعنى : بل العلم بأنه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات في صدور العالمين من أهل الكتاب . وروي ذلك أيضاً عن قتادة . وهو اختيار الطبري . ثم قال تعالى : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ } أي : ما يجحد نبوة محمد وينكر العلم به إلاّ الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله ونبيه . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } . أي : وقال المشركون من قريش : هلاّ أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آيات من ربّه . وهو قولهم : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [ الإسراء : 90 ] إلى قوله : { كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [ الإسراء : 93 ] . هذا على قراءة من جمع ، ويؤكد الجمع أن بعده : { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } فوجب أن يكون السؤال مثل الجواب ، ويؤكده أيضاً أن الخط بالتاء . فأما من قرأ آية ، معناه : هلاّ أنزل على محمد آية تكون حجة علينا كالناقة لصالح ، والمائدة لعيسى ، ويؤكد التوحيد إجماعهم على التوحيد في يونس : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } . وفي الرعد : { آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } . ثم قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } أي : لا يقدر على الإتيان بها إلاّ الله . { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي : أنذركم بأس الله وعذابه مبين لكم إنذاره . ثم قال تعالى ذكره : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي : أوَ لم يكفِ هؤلاء القائلين لولا أنزل عليه آيات من ربه من الآيات والحجج . أنّا أنزلنا عليك الكتاب يقرأ عليهم . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي : إن في هذا الكتاب لرحمة للمؤمنين وذكرى يتذكرون به ويتعظون . ويروى أن هذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين استحسنوا أشياء من بعض كتاب أهل الكتاب . ثم قال تعالى ذكره : { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : قل يا محمد لهم : كفى الله بيننا شهيداً لأنه يعلم المحق من المبطل ، ويعلم ما في السماوات والأرض ولا يخفى عليه فيهما شيء . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ } أي : بالشرك . { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ } أي : جحدوا توحيد الله فعبدوا معه غيره . { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أي : المغبونون في صفقتهم . ثم قال تعالى ذكره : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } أي : يستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون بالعذاب ، وهو قولهم : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] إلى قوله " { أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي : لولا أن لهم وقتاً يستوفونه لجاءهم العذاب عاجلاً . { وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً } أي : فجأة وهم لا يشعرون بوقت مجيئه . هذا كله معنى قوله قتادة . ثم قال تعالى : { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } أي : محدقة بالكافرين ولم يبق لهم إلا دخولها . قال عكرمة : هو البحر محيط بهم . ثم قال : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } قال قتادة : في النار أي : جهنم محيطة بالكافرين في هذا اليوم . فلا يوقف على " بالكافرين " على هذا التأويل . ويجوز أن يتنصب على واذكر يوم يغشاهم فيبتدئ به على هذا القول . { وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : جزاء عملكم . وأصل الذوق باللسان ولكن اتسع فيه فاستعمل في كل شيء يصل إلى البدن منه ألم أو لذة . ثم قال تعالى : { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } أي : أنها لم تضق عليكم ، فغيروا الموضع الذي لا يحل لكم فيه المقام ، ولكن إذا عمل في مكان منها بمعاصي الله فلم تقدروا على تغييره فأهربوا منها قاله ابن جبير . وقال عطاء : إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا إن أرضي واسعة . وقال مجاهد : إن أرضي واسعة فهاجروا وجاهدوا . وقال ابن زيد : يريد بهذا من كان بمكة من المؤمنين . وقال مُطَرِّف بن الشِّخِّير : معناه إن رزقي لكم واسع ، أي : فابتغوه في الأرض . وقيل : المعنى : ما خرج لكم من أرضي من الرزق واسع لكم . وقيل : المعنى : إن أرض الجنة واسعة فأعبدوني حتى أعطيكموها . وقوله : { فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } أي : أخلصوا لي عبادتكم . ثم قال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } أي : أخلصوا لي العبادة فإنكم لا بد لكم من الموت والرجوع إليّ فأجازيكم على أعمالكم وإخلاصكم . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } . أي : والذين صدقوا بكتبي ورسلي وعملوا الأعمال الصالحة لنسكننهم غرفاً جارية من تحتها الأنهار في الجنة . { خَالِدِينَ فِيهَا } أي : دائمين فيها . { نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } أي : نعم الجزاء جزاء العاملين بطاعة الله الجنة . ومن قرأ " لَنثوِيّنهم " فمعناه : لنعطينهم ولننزلنهم . حكى الفراء : بوأته منزلاً وأثويته منزلاً بمعنى : وأصل الثواء الإقامة . ومعنى : { مِن تَحْتِهَا } أي من تحت أشجارها . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } أي : على أذى المشركين في الدنيا . { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي : في أرزاقهم وجهاد عدوهم . ثم قال تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } هذا تعزية للمؤمنين المهاجرين الذين فارقوا أموالهم في الله ، فقيل لهم : وكم من دابة لا تحمل رزقها ولا تدخره من اليوم إلى غد ؟ الله يرزقها ، فلا تخافوا أنتم عيلة ولا فقراً ، فإن الله رازقكم . { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } لأقوالكم : نخشى بفراقنا أَوْطَانَنَا الفقر والعيلة . { ٱلْعَلِيمُ } بما في أنفسكم وتصير إليه أموركم . وليس يدخر من جميع الحيوان إلا الإنسان والنملة والفأرة . وهو من الحمالة ، أي : لا تحمل لنفسها رزقها ، وليس هو من الحمل على الظهر ونحوه .