Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 113-114)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } . هذا مردود على [ قوله ] { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } ثم قال : { لَيْسُواْ سَوَآءً } أي : ليس المؤمنون والفاسقون سواء وتم الكلام ، ويعني بذلك من آمن من أهل الكتاب ومن لم يؤمن . والفراء يقدره بمعنى ليست تستوي أمة من أهل الكتاب قائمة من حالها كذا وأمة على غير ذلك ، وهو غلط من وجوه : أحدها أنه يقدر محذوفاً ولا يحل التمام سواء ، وترتفع أمة بسواء ، وإذا فعل ذلك لم يعد على اسم ليس ذكر وسواء ليس بجار على الفعل فيرفع الظاهر ، والمضمر الذي يضمر لا يدل على شيء من الكلام . وأبو عبيدة يجعل { لَيْسُواْ } على لغة من قال : أكلوني البراغيت ، ويجعل { أُمَّةٌ } اسم ليس و { سَوَآءً } الخبر ويقدر محذوفاً ، وهو ذكر الكفار من أهل الكتاب ، وهو بعيد لأن ذكر أهل الكتاب قد تقدم ، فليس [ هو ] مثل أكلوني البراغيت لأنه لم يتقدم [ له ] ذكر . وتصغير { آنَآءَ } أوينا تبدل من الألف التي هي فاء الفعل واواً كما تقول : أويد في آدم ، ومعنى الآية : أنه تعالى أعلمنا أنه ليس أهل الإيمان من أهل الكتاب والكفر سواء ، والضمير في { لَيْسُواْ } يعود على ما تقدم من ذكر المؤمنين والفاسقين ( من أهل الكتاب فقال ) : من أهل الكتاب { أُمَّةٌ } شأنها بالمدح والثناء هذا مذهب البصريين . والكوفيون يجعلون أمة مرفوعة بسواء والكلام عندهم متصل ، وقد تقدم ما يدخل عليهم كأن تقديره عندهم لا يستوون من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وأخرى كافرة ، قالوا : وترك ذكر الأخرى لدلالة ذكر المؤمنة عليها ومن مذهبهم ألا يجوز سواء [ علي ] قمت حتى تقول أم قعدت ، وأجازوا هنا الحذف ، ويجيزون الحذف إذا كان الكلام مكتفياً بواحد نحو ما أبالي ، وما أدري لاكتفاء ما أبالي بواحد ، أجازوا ما أبالي أقمت ، وما أدري أجليت يريدون أم فعلت كذا ويحذفونه ، ويلزمهم ألا يجيزوا الآية على تأويلهم لأنهم لا يجيزون الحذف مع سواء لنقصانه ، وقد أجازوه في الآية ، وهذا تناقض لأنهم أجازوا في الآية ما لا يجوز في الكلام . روى ابن وهب عن مالك : أمة قائمة أي قائمة بالحق وهو قول مجاهد والسدي وقتادة والربيع بن أنس وروي مثله عن ابن عباس . ونزلت هذه الآية في قول عكرمة وابن جبير وابن عباس في عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن عبيد وهم أخيار أهل الكتاب في الوقت ، وأسلم معهم غيرهم فقال : من بقي من أحبار يهود : ما آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إلا شرارنا فأنزل الله الآية يفضل فيها من آمن منهم على من لا يؤمن . وقال الحسن : إن قوله : { يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } يريد ما بين المغرب والعشاء . وقال ابن مسعود : معناها ليس أهل الكتاب سواء وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، القائمة يتلون آيات الله ويؤمنون بالله ، ويفعلون كذا وكذا . قال مجاهد : قائمة عادلة . وقال قتادة : قائمة على كتاب الله عز وجل وفرائضه وحدوده . وقال ابن عباس : قائمة أي : مهتدية على أمر الله سبحانه مستقيمة . وقال السدي : قائمة مطيعة . وقال الأخفش : من أهل الكتاب أمة ( أي : ذو أمة ) بمعنى : ذو طريقة حسنة . وواحد آناء الليل اني : كقُنو وأقناء ، وقيل واحد أني كمعي وأمعاء وحكى الأخفش أني . وقال قتادة : آناء الليل ساعاته أي : يتلون في ساعات الليل . وقال السدي : هي جوف الليل . وقال ابن مسعود : [ آيات الله ] آناء الليل صلاة العتمة يصلونها ، وما سواهم لا يصليها وروى ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ليلة ، وقد أخر الصلاة قال : فجاء النبي عليه السلام ومنا المصلي ومنا المضطجع فبشرنا ، وقال : إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب : فأنزل الله عز وجل { لَيْسُواْ سَوَآءً } الآية " . وروى الثوري عن منصور أنها نزلت في قوم كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء . ومعنى يتلون آناء الليل : يتبعون بعضها بعضاً ، ( ومعنى ) { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } أي : يصلون . وقيل : المعنى يتلون الآيات في الصلاة ، وهم مع ذلك يسجدون في الصلاة يعني السجود المعروف في الصلاة . ثم وصفهم الله فقال : { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } أي : يصدقون به وبما أنزل على أنبيائه من غيب الآخرة { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي : بالإيمان بالله ورسوله { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي : ينهون الناس عن الكفر بالله ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، ودل هذا من وصفهم على أن غيرهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر . قوله : { مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . أي : من عداد الصالحين .