Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 146-146)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ } الآية . قال الخليل : من قرأ كأين بهمزة بعد ألف وهي قراءة أهل مكة فإنما قدم الياء قبل الهمزة ثم جعلها ألفاً وسكنت الياء الثانية لأنها بعد همزة مكسورة . وأما من قرأ وكأي فإنها عند الخليل ( أي ) : دخلت عليها كاف التشبيه فصار في الكلام معنى كم ، فيجب على قوله أن تقف بغير نون في قراءة الجماعة كما تقف على ( أي ) : وهو مذهب سيبويه وكذلك حكى عن أبي عمرو ، والكسائي ، وروي عنهما الوقف على النون . فمن وقف بالنون في هذه القراءة ، فإنما ذلك لأنه اتبع السواد وهو في المصحف بالنون على قراءة من قدم الألف قبل الهمزة وهي قراءة ابن كثير ومن قرأ : " قتل " : فالمعنى عند عكرمة أن القتل إخبار عما فعل بالأنبياء عليهم السلام ، وأنهم قتلوا فيما مضى ، وأن من كان معهم لم يضعف بعده ولا تضعضع . ثم أخبر عن قولهم بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وثباتهم على دينهم ، فيكون التمام على هذا قتل وفيه بعد لأن ما بعده من صفة نبي ويكون معنى الآية : أن الله وبخ بذلك أصحاب النبي الذين ضعفوا يوم أحد حين قيل : قتل محمد ! فأخبرهم أن كثيراً من الأنبياء قتلوا فلم يضعف من كان معهم ليتأسوا بهم . وقيل : المعنى أن الله عز وجل أخبر أنه قد قتل مع الأنبياء عليهم السلام { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } فما وهن من بقي ولا ضعف ولا ذل ، فيتأسى المسلمون بهذا ، فلا يضعفون لما أصاب أصحابهم من القتل يوم أحد ، فلا يكون التمام على هذا قتل لأن " الربيون " مرفوع بقتل ، والأول أحسن لأن كعب بن مالك قال : أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أنه لم يقتل : أنا ، رأيت عينيه تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن : اسكت . وكان قد صاح الشيطان يوم أحد قتل محمد فانهزم المسلمون إلا قليلاً منهم ، فأنزل الله عز وجل { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ } أي : كثير من الأنبياء قتلوا فلم يضعف من كان بعده ولا ذل ، فكيف أردتم أيها المؤمنون أن تضعفوا حين سمعتم الشناعة بأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فتأسوا أيها المؤمنون بمن كان قبلكم من أصحاب الأنبياء صلوات الله عليهم ، الربيين . وعلى تأويل اختار قوم من العلماء قراءة من قرأ قتل لأنهم عوقبوا على ضعف بعضهم لما سمعوا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم . ومن قرأ قاتل حمله على معنى أنهم وهنوا لقتل أصحابهم وجراحم ، فأنزل الله عز وجل عليهم يعلمهم أن كثيراً من الأنبياء قاتل مع أصحابه وأتباعه ، فلم يضعفوا لما أصابهم من قتل وجراح فتأسوا بهم . واختار بعض أهل اللغة قاتل لأنه أبلغ في المدح من قتل لأن الله تعالى إذا مدح من قاتل كان من قتل أدخل في المدح لأنه لم يقتل إلا بعد القتال ، فالقاتل والمقتول ممدوحان في قراءة من قرأ قاتل وهو إذا مدح من قتل فليس من قاتل ، ولم يقتل بالممدوح ، فقاتل أبلغ في المدح للجميع . " والربيون " الذين يعبدون الرب نسبوا إليه لعبادتهم إياه وإقرارهم له ، وهو معنى مروي عن الحسن وغيره . واحدهم ربي منسوب إلى الرب ولكن كسرت الراء اتباعاً للكسرة التي بعدها كما قالوا : نسي وعصي فكسروا الأول للاتباع ، وقيل : الربانيون الجماعات . وقيل : هم العلماء الألوف . قال ابن عباس : ربيون جموع كثيرة . وقال ابن جبير : علماء كثير . وقال الحسن : فقهاء وعلماء . وقال ابن المبارك : أتقياء صُبُر . وقال ابن زيد : الربانيون الأتباع ، والربانيون الولاة . وقيل الربانيون : منسوب إلى الرب أيضاً واحد ربي وزيدت الألف والنون للمبالغة كالنسبة إلى الجهة : جهاتي ثم جمع بعد الزيادة وقد مضى ذكره . وقال ابن زيد : هذا عتاب من الله عز وجل لأصحاب النبي عليه السلام حين صاح إليهم الشيطان يوم أُحد أن محمداً قد قتل ، فارجعوا إلى عشائركم يؤمنوكم . وقرأ الحسن وعكرمة وأبو رجاء : رُبيون بضم الراء غُير أوله بالضم كما قالوا في النسب إلى الدهر دهري . قوله : { فَمَا وَهَنُواْ } أي : ما ضعفوا ، ولا عجزوا لما أصابهم من آلام الجراح ، وقتل أصحابهم : وقيل : لم يعجزوا لما أصابهم من قتل نبيهم صلى الله عليه وسلم ولا آلام جراحهم ، ولم يعجزوا عن القتال في سبيل الله تعالى بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم . والوهن أشد الضعف . وكان سعيد بن جبير يقول : لم أسمع بنبي قتل في الحرب ، فلا يكون الوقف على قوله : قتل البتة . قوله : { وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } أي : ما خشعوا لعدوهم بالدخول في دينهم ، ولكن مضوا على بصيرتهم في نصر دينهم وصبروا . قال ابن اسحاق : ما وهنوا لفقد نبيهم ، وما ضعفوا عن قتال عدوهم وما استكانوا لما أصابهم في الحرب .