Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 54-60)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } إلى آخر السورة . هذه الآية احتجاج على من أنكر البعث ، فتقرر عندهم أنه تعالى خلقهم من ضعف وهو النطفة ، فجعلهم بشراً قوياً ، ثم رد القوي إلى الضعف وهو الهرم والشيب ، فمن فعل هذا يقدر على إحيائكم بعد موتكم . والضعف بالفتح : المصدر ، والضعف بالضم الاسم . وروى عطية عن ابن عمر أنه قال : " " قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي خَلَقَكُم مِنْ ضَعْفٍ " فقال لي : " مِنْ ضُعْفِ " " . وقرأ عيسى بن عمر " مِنْ ضُعُف " بضمتين / . وأجاز الكوفيون ضَعَفٍ بفتح الضاد والعين لأجل حرف الحلق . ثم قال : { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } . أي : يخترع ويحدث ما يشاء . { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } أي : بخلقه ، { ٱلْقَدِيرُ } أي : القادر عليهم . ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي : ويوم تجيئ ساعة البعث فيبعث الله الخلق ، يحلف الكفار ما لبثوا في قبورهم غير ساعة واحدة . قال قتادة : لما عاينوا الآخرة هان عندهم ما لبثوا . { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } أي : كما كذبوا في قولهم في الآخرة ما لبثنا في قبورنا غير ساعة ، كذلك كانوا في الدنيا يكذبون ، أي : يصرفون الصدق إلى الكذب . وقيل معنى ذلك : أن الكفار لا بد لهم من خمدة بين النفختين فلم يدروا مقدار ذلك فقالوا : ما لبثنا غير ساعة . وقيل معناه : ما لبثنا في الدنيا غير ساعة ، هان عليهم مكثهم في الدنيا لانقطاعه وزواله ، فادعوا أنهم ما لبثوا فيها غير ساعة . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } . هذا رد من المؤمنين على الكفار يوم القيامة دعواهم أنهم ما لبثوا غير ساعة ، تقديره عند قتادة : وقال الذين أوتوا العلم والإيمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث . وقال ابن جريج : تقديره : وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان بالله وبكتابه لقد لبثتم إلى يوم البعث . وقيل : المعنى على غير تقدير ولا تأخير ، والتقدير : وقال الذين أعطاهم الله العلم به والإيمان لقد لبثتم في اللوح المحفوظ إلى يوم البعث ، فهذا يوم البعث ، أي : يوم يبعث الناس من قبورهم ، ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون وأنكم تبعثون بعد الموت ، ولذلك كذبتم به . وقيل : التقدير : لقد لبثتم في حكم الله وتقديره إلى يوم البعث . ثم قال تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ } . أي : لا ينتفعون بعذر يعتذرون به من كفرهم وجحودهم ونفيهم للبعث . { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي : لا يقيمون في أنفسهم ولا يسترجعون . روي أنه لما رد المؤمنون عليهم سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذروا ولا استعتبوا . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي : مَثَّلْنَا للناس في القرآن من كل مثل يدلهم على الهدى احتجاجاً عليهم وتنبيهاً لهم . ثم قال تعالى : { وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ } أي : وإن جئتم يا محمد بدلالة على صدق ما تقول لهم . { لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي : الذين جحدوا آيات الله ورسله . { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } فيما جئتم به . ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } . أي : كتم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به يا محمد من عند الله . ثم قال جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } . أي : اصبر على أذاهم وتكذيبهم إياك ، إن وعد الله الذي وعدك من النصر عليهم والظفر بهم حق لا بد منه . { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } أي : لا يستخفن حلمك هؤلاء المشركون بالله الذين لا يوقنون بالمَعَاد ، ولا يصدقون بالبعث .