Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 43-53)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ } إلى قوله : { فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } . أي : اتبع يا محمد الدين الذي أمرك الله به فهو المستقيم . فالمعنى : أسلم على الدين القيم واعمل به أنت ومن اتبعك من قبل أن ينقطع وقت العمل بالموت وقيام الساعة . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته . { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } أي : لا بد من إتيانه وهو يوم القيامة . { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } أي : يتفرقون في ذلك اليوم ، فريق في الجنة وفريق في السعير . يقال : تصدع القوم إذا تفرقوا ، ومنه الصداع لأنه تفرق شعب الرأس . ثم قال تعالى ذكره : { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أي : إثم وزره . { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً } أي : من آمن وأدى ما افترض الله عليه . { فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } أي : فلأنفسهم يستعدون ويوطئون . قال مجاهد : يمهدون في القبر . ثم قال : { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ } أي : يومئذ يتفرقون ليجزي المؤمنين من فضله ، أي : يتفرقون لهذا الأمر ، فيخص بالجزاء المؤمنين خاصة لأنه لا يحب الكافرين . ثم قال تعالى ذكره : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } بالغيث . { وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ } أي : ولينزل عليكم من رحمته ، وهي الغيث الذي يحيي به البلاد . { وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ } أي : السفن في البحر بأمره إياها . { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي : تلتمسوا من رزقه الذي قسمه لكم في سفركم في البحر . { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تشكرون على هذه النعم . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } هذه الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم إذ كذبه قريش ، فأعلمه الله أنه قد أَرْسَل من قبله رسلاً إلى قومهم كما أرسله إلى قومه ، وأن أولئك الرسل أَتَوْا أقوامهم بالبينات ، أي : بالحجج الظاهرة كما جئت أنت يا محمد قومك بذلك . { فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } في الكلام حذف والتقدير فكذبوا الرسل فانتقمنا من المكذبين ، فكذلك نفعل بقومك يا محمد في تكذيبهم إياك . { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } أي : ونجينا المؤمنين إذ جاء بأسنا ، وكذلك نفعل بك يا محمد ومن آمن بك . وقيل : المعنى : وكان حقاً علينا نصر المؤمنين على الكافرين ، فكذلك ننصرك ومن آمن بك على الكافرين من قومك . وفي الحديث : " مَنْ رَدَّ عَلَى عِرْضِ صَاحِبِهِ رَدَّ الله عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ ثُمَّ تَلَى رَسُولُ الله : " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤمِنِينَ " والتمام عند نافع آخر واو . وقف بعض الكوفيين ، " وَكَانَ حَقًّا " أي : فكان انتقامنا / حقاً ، ثم يبتدئ " عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤمِنِينَ " . نصر ابتداء ، وخبره علينا . والوقف عند أبي حاتم : " نَصْرُ المُؤمِنِينَ " . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } أي : ينشئ الرياح سحاباً ، { فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ } ويجمعه . قال قتادة : يبسطه : يجمعه . ثم قال تعالى : { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } أي : ويجعل الله السحاب في السماء قطعاً متفرقة ، وهو جمع كسفة ، وهي القطعة منه . ومن أسكن السين فمعناه : أنه يجعل السحاب قطعة واحدة ملتئمة . ويجوز أن يكون معناه كالأول على التخفيف . ثم قال تعالى : { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } أي : المطر يخرج من بين السحاب . قال عبيد بن عمير : الرياح أربع : يبعث الله جل ذكره ريحاً فتعم الأرض قماً ، ثم يبعث الريح الثانية فتثير سحاباً فتجعله كسفاً ، أي : قطعاً متفرقة ، ثم يبعث الريح الثالثة فتؤلف بينه فتجعله ركاماً ، ثم يبعث الرابعة فتمطر . ومعنى { مِنْ خِلاَلِهِ } : من خلال الكسفة ، لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاء فالتذكير فيه حسن . وخلال جمع خلل . وقد قرأ الضحاك : " يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِهِ " . ثم قال تعالى : { فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ } أي : بالمطر { مَن يَشَآءُ } أي : أرض من يشاء من عباده استبشروا وفرحوا . ثم قال تعالى : { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } أي : وإن هؤلاء الذين أصاب بالغيث أرضهم كانوا يئيسين من الخير قبل أن ينزل عليهم الغيث . وقوله : { مِّن قَبْلِهِ } تأكيد للأول عند الأخفش . وقال قطرب : التقدير : وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر . وقيل : التقدير من قبل تنزيل الغيث [ من قبل رؤية السحاب . وقيل : المعنى وإن كانوا من قبل تنزيل الغيث ] عليهم من قبل أن يزرعوا لمبلسين ، ودل المطر على الرزع لأنه خرج بسبب المطر ، ودل على ذلك أيضاً { فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً } يعني الزرع . ثم قال تعالى : { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ } أي : انظر يا محمد إلى أثر المطر في الأرض كيف حييت بعد موتها ، وأنبتت بعد قحطها ، واهتزت بعد جدبها ، فكذلك يحيي الله الموتى بعد فنائهم . ومن قرأ " أَثَرِ رَحْمَةِ اللهِ " بالتوحيد رده على التوحيد في : " فَيُبْسِطُهُ " ، و " يَجْعَلُهُ " ، و " مِنْ خِلاَلِهِ " ، " وَأَصَابَ بِهِ " ، " وَمِنْ قَبْلِهِ " . ومن قرأ بالجمع رده على الأسباب المتقدمة وهي : إرسال الله الريح ، وإثارتها السحاب ، وبسطه آياه في السماء ، وجعله إياه كسفاً ، وإخراجه الودق ، فهذا كله آثار جليلة وليست بأثر واحد فجمع على ذلك . ثم قال : { إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ } أي : إن الذي يحيي هذه الأرض بعد موتها لمحيي الموتى بعد موتهم . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : لا يمتنع عليه فعل شيء أراده . والمضمر في " يحيي الأرض " يجوز أن يكون للمطر ، ولله جل ذكره ، وللأثر . وقرأ محمد اليماني " كَيْفَ تُحْيِي " بالتاء رده على الرحمة ، أو على الآثار . ثم قال تعالى ذكره : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً } أي : ولئن أرسلنا ريحاً مفسدة لما أنبت الغيث فرأوا ما أنبت الغيث مصفراً قد فسد بتلك الريح . { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } أي : لصاروا من بعده فرحهم واستبشارهم بالغيث يكفرون ، أي : يجحدون نعم الله ، فالهاء في " رَأَوْهُ " للنبات من زرع وغيره . وقيل : الهاء للسحاب . وقيل : للريح . ثم قال تعالى : { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } الآية . أي : إنك يا محمد لا تقدر أن تسمع من مات قلبه ، ولا من أصم الله أذنه عن سماع الإيمان وهو الكافر لأنه كالميت الأصم . وهذا مَثَلٌ [ ضربه ] الله للكفار . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ } الآية . أي : لست يا محمد تقدر أن تهدي من أعماه الله تعالى عن الهدى . { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ } أي : تسمع إلا من وفقه الله للإيمان ، وقد تقدم تفسير الآيتين بأشبع من هذا في " الأنبياء " .