Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 9-19)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ } إلى قوله : { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } . أي : أولم يسير هؤلاء المكذبون بالبعث في الأرض / فينظروا إلى آثار الله فيمن كان قبلهم من الأمم المكذبة رسلها ، كيف كان عاقبة أمرها ، فقد كانوا أشد من هؤلاء قوة ، { وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ } أي : استخرجوها وحدثوها وعمروها أكثر مدة مما عمر هؤلاء الأرض ، { وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } فكذبوهم ، فأهلكهم الله وما كان الله ليظلمهم بعقابه إياهم على تكذيبهم رسله ، { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بمعصيتهم ربهم . ثم قال تعالى : { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤءَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } . أي : ثم كان آخر من كفر من هؤلاء الذين أثاروا الأرض السوأى : أي الخلة التي هي أسوأ من فعلهم : البوار والهلاك في الدنيا ، والنار في الآخرة خالدين فيها . قال ابن عباس : السوأى جهنم والحسنى الجنة . قال قتادة : كان عاقبة الذين أشركوا النار . والسوآى اسم . وقيل مصدر كالتقوى . قال مجاهد : السوآى : الإساءة . ثم قال : { أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي : عاقبتهم النار لأن كذبوا ومن أجل أن كذبوا بحجج الله ورسله . { وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } أي : بحجج الله وأنبيائه يسخرون . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } أي : ينفرد بإنشاء جميع خلقه من قدرته ، ثم يعيده بعد إفنائه له خلقاً جديداً . { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : يردون فيجازيهم بأعمالهم . ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي : واذكر يا محمد يوم تقوم الساعة ييأس الكافرون من كل خير . وأصل الإبلاس : انقطاع الحجة والسكوت والحيرة . قال قتادة : " يبلس المجرمون " أي : في النار . وقال ابن زيد : المبلس الذي قد نزل به الشر . وقال مجاهد : الإبلاس الفضيحة . { وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَاءُ } . أي : ولم يكن للمجرمين من شركائهم في الكفر والمعصية وأذى الرسل شُفَعَاء ينقذونهم من عذاب الله . وقيل : شركاؤهم هنا الأصنام والأوثان التي عبدوها من دون الله ، أضيفت إليهم لأنهم هم اخترعوها وابتدعوا عبادتها . { وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ } . أي : جاحدون ولا يتهم متبرئين منهم وهو معنى قوله { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } [ البقرة : 166 ] الآية . ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } أي : يتفرق المؤمنون من الكافرين . قال قتادة : فرقة والله لا اجتماع بعدها . ثم بين تعالى ما يؤول إليه الافتراق . فقال : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } . أي : هم في الرياض والنبات الملتف بين أنواع الزهر في الجنات يسرون ويلذذون بطيب العيش والسماع . وذكر الله جل ذكره الروضة لأنهم لم يكن عند العرب شيء أحسن منظراً ولا أطيب نشراً من الرياض وعبقها . " أما " عند سيبويه : مهما يكن من شيء فالذين آمنوا . وقال أبو إسحاق : معناها دع ما كنا ( فيه ) وخذ في غيره . وقال أبو عبيدة : الروضة ما كان في سفل ، وإن كان مرتفعاً فهي ترعة . وقال الضحاك : " في روضة " في جنة ، والرياض الجنان . والحبرة في اللغة كل نعمة حسنة ، والتحبير التحسين وقال ابن عباس : يحبرون : يكرمون . وقال مجاهد : ينعمون . قال الكسائي : حبرته : أكرمته ونعمته . ثم قال تعالى : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : جحدوا توحيد الله وكذبوا رسله ، وأنكروا البعث . { فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } أي : في عذاب الله مجموعون ، قد أحضرهم الله إياه . ثم قال تعالى ذكره : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } سبحان مصدر يؤدي عن معنى سبحوا الله تسبيحاً في هذه الأوقات الأربعة ، أي : نزهوه من السوء . وقيل : سبحان مأخوذ من السبحة ، والسبحة الصلاة ، وسبحة الضحى : صلاة الضحى . وقرأ عكرمة : " حيناً تُمسُونَ وَحِيناً تُصْبِحُونَ " ، بتنوين حين ونصبه في الوجهين على الظرف . والتسبيح هنا الصلاة ، فالمعنى صلوا أيها المؤمنون حين تمسون صلاة المغرب والعشاء الآخرة ، وحين تصبحون صلاة الصبح ، وعشياً صلاة العصر ، وحين تظهرون صلاة الظهر . وقوله : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . أي : له الحمد من جميع خلقه دون غيره من سكان السماوات والأرض . قال ابن عباس : هذه الآية في الصلوات الأربع : الظهر والعصر والصبح والمغرب ، وصلاة العشاء في قوله تعالى / { وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ } [ النور : 58 ] هذا معنى قوله . روي عنه : وعشياً : المغرب والعشاء . وقال زِرٌّ : " خاصم نافع بن الأزرق ابن عباس في شيء ، ثم قال نافع لابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في كتاب الله ؟ قال ابن عباس : نعم ثم قرأ عليه : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } : المغرب ، { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } الفجر ، { وَعَشِيّاً } : العصر . { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } : الظهر ، " ومن بعد صلاة العشاء " : العشاء . وعن ابن عباس قال : جمعت هذه الآية الصلوات الخمس وقال " حين تمسون " : المغرب والعشاء . وقال مجاهد : " حين تمسون " : المغرب والعشاء ، " وحين تصبحون " : الفجر ، " وعشياً " : العصر ، " وحين تظهرون " : الظهر . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية وقال : " هذا حين افترض وقت الصلاة " وأول وقت الظهر زوال الشمس إجماعاً . وآخر وقتها عند مالك : إذا كان ظل كل شيء مثله بعد الزوال وهو قول الثوري والشافعي وأبي ثور . وقال يعقوب ومحمد بن الحسن : آخر وقتها أن يكون الظل قامة . وقال عطاء : آخر وقتها إلى أن تصفر الشمس . وقال طاوس : لا يفوت الظهر والعصر حتى الليل . وقال النعمان : آخر وقتها ما لم يصر الظل قامتين . وأول وقت العصر : إذا كان ظل كل شيء مثله . هذا قول مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور . وقال النعمان : أول وقتها أن يصير الظل قامتين بعد الزوال . وآخر وقتها أن يصير [ ظل ] كل شيء مثليه على الاختيار ، فإن صلى بعد ذلك فقد فاته الاختيار ولم يفته وقت الصلاة ، قاله الثوري والشافعي وقال أحمد وأبو ثور : آخر وقتها ما لم تصفر الشمس . وقال إسحاق بن راهويه : آخر وقتها غروب الشمس قبل أن يصلي المرء منها ركعة . وعن ابن عباس وعكرمة : أن آخر وقتها غروب الشمس على الإطلاق . ووقت المغرب غروب الشمس وقتاً واحداً ، هذا مذهب مالك والأوزاعي . والشافعي . وقال الثوري وأصحاب الرأي : وأحمد وإسحاق : آخر وقتها الشفق . وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق إجماعاً . والشفق الحمرة في قول مالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وأبي ثور ويعقوب ومحمد . وهو قول أهل اللغة ، يقال ثوب مشفق أي : محمر . وروي عن أنس وابن عباس وأبي هريرة أن الشفق : البياض وهو قول النعمان وزفر . وقال النخعي : آخر وقتها إلى ربع الليل . وعن عمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز : أن آخر وقتها ثلث الليل . وبه قال الشافعي وقد كان يقول آخر وقتها نصف الليل ولا يفوت إلى الفجر . وعن عمر أيضاً أن آخر وقتها نصف الليل ، وبه قال الثوري وابن المبارك وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي : . وعن ابن عباس وعطاء وعكرمة وطاوس : أن آخر وقتها إلى طلوع الفجر . وأول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر إجماعاً . وأجمعوا على أن من صلى بعد الفجر وقبل طلوع الشمس أنه قد صلى الصبح في وقتها . ثم قال تعالى : { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } أي : صلوا ما أمرتم به لله الذي يفعل هذا لا يقدر على فعله أحد غيره ، يخرج الإنسان الحي من الماء الميت ، ويخرج الماء الميت من الإنسان الحي ، ويحيي الأرض بالماء فينبتها ويخرج زرعها بعد موتها . { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } أيها الناس من قبوركم للبعث والمجازاة . وقال الحسن : معناه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن . وذكر أبو عبيد أن سهل بن معاذ بن أنس روي عن أبيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألاَ أُخْبِرُكُمْ لِمَ سَمَّى الله تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الذِي وَفَّى ؟ قَالَ : لأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ : " فسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ " حتى ختم الآية " .