Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 20-26)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } إلى قوله : { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } . أي : ومن علاماته وحججه على وحدانيته وأنه لا شريك له وأنه يحييكم بعد موتكم ، أنه خلقكم من تراب ، أي : خلق أصلكم وهو آدم من تراب . { إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ } أي : من ذرية من خلق من تراب . { تَنتَشِرُونَ } أي : تنصرفون وتنبسطون في الدنيا . ثم قال تعالى ذكره : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . أي : ومن أدلته وحجته / في قدرته على إحيائكم بعد موتكم أنه خلق السماوات والأرض ، وهن أعظم خلقاً منكم فاخترعها وأنشأها ، وجعل ألسنتكم مختلفة في الأصوات واللغات ، وجعل ألوانكم مختلفة على كثرتكم ، وهذا ألطف خلقا من خلق أجسامكم ، فأتى تعالى ذكره بتمثيل الخلق العظيم واللطيف . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ } أي : لعلامات وأدلة في قدرة الله تعالى ووحدانيته ، يعني : الجن والإنس . وهذا على قراءة من فتح اللام . ومن كسرها فمعناه لمن علم قدرة الله وأيقن بها . وقوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } . أي : خلق لأبيكم آدم من ضلعه زوجة ليسكن إليها . وقيل : خلق الزوجة من نطفة الرجل . { وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } أي : بالمصاهرة والختونة يعطف بعضهم على بعض . قال ابن عباس : المودة حب الرجل امرأته ، والرحمة رحمته إياها أن لا يمسها بسوء . وقال مجاهد : المودة الجماع ، والرحمة الولد . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي : لمن تفكر في الله ووحدانيته ، أي : من قدر على هذا فهو قادر على إحياء الموتى ، وأنه واحد لا شريك له . ثم قال : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ } أي : ومن حججه وأدلته على توحيده وقدرته على إحياء الموتى ، أنه يقدر الساعات والأوقات ، ويخالف بين الليل والنهار ، فجعل النهار تبتغون فيه الرزق والمعاش ، وجعل الليل سكناً لتسكنوا فيه وتناموا . وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، وحذف حرف الجر من النهار لاتصاله بالليل وعطفه عليه . والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة . ومثله في التقديم والتأخير قوله : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [ القصص : 73 ] . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : فيما نص من قدرته لدلالة وحججاً وعبرة وعظة لمن سمع مواعظ الله فيتعظ بها ويعتبر . ثم قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً } أي : ومن آياته أنه يريكم البرق . " وخوفاً وطمعاً " مفعولان من أجلهما . وقيل التقدير : ويريكم البرق خوفاً وطمعاً من آياته . والمعنى : من حججه وأدلته على توحيده وإحياء الموتى أنه يريكم البرق خوفاً للمسافر أن يؤذيه المطر ، وطمعاً للمقيم أن يسقي زرعه وتخصب أرضه . { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي : وينزل من السحاب مطراً فيحيي بذلك الماء الأرض الميتة التي قد يبست ولم تنبت نبتاً ، فتنبت بعد جدوبها . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : يعقلونَ عن الله حججه وأدلته . ثم قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ } أي : ومن حججه وأدلته على توحيده وقدرته قيام السماوات والأرض بأمره خضوعاً له بالطاعة بغير عمد . { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } أي : إذا دعاكم للبعث خرجتم من بطن الأرض مستجيبين لدعائه إياكم . روي عن نافع أنه وقف " دعاكم دعوة " . وكذلك قال يعقوب . ثم يتبدئ " من الأرض " . { إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } أي : إذا أنتم تخرجون من الأرض . والوقف عند أبي حاتم : من الأرض " . أي : دعاكم وأنتم في الأرض ، كما تقول دعوت فلاناً من بيته . أي : وهو في بيته . والأحسن عند أهل النظر أن تقف على " تخرجون " ، لأن إذا الثانية جواب للأولى على قول الخليل وسيبويه ، كأنه قال : إذا دعاكم خرجتم . ثم قال تعالى : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : هم عبيد له ومُلك له ، لا إله إلا هو . { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } أي : مطيعون . وطاعة الكفار منهم انقيادهم على ما شاء من صحة وسقم وفقر وغنى ، روى الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كُلُّ قُنُوتٍ فِي الْقُرآنِ فَهُوَ طَاعَة " . قال ابن عباس : { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } أي : مطيعون في الحياة والنشوز من الموت وإن كانوا عاصين له في غير ذلك . وهو اختيار الطبري وقيل : معناه أنهم كانوا مقرين / كلهم بأنه ربهم وخالقهم ، دليله قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزخرف : 87 ] . وقيل : معنى الآية الخصوص : يريد بها المؤمنين بالله خاصة . قال ابن زيد : { قَانِتُونَ } مطيعون وليس شيء إلا وهو قانت مطيع لله إلا ابن آدم ، وكان أحقهم أن يكون أطوعهم لله . قال : والقنوات في القرآن الطاعة إلا في قوله جل ذكره : { وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ } [ البقرة : 238 ] معناه : ساكتين لا يتكلمون كما يفعل أهل الكتاب .