Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 23-34)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ } إلى آخر السورة . أي : لا يغمك يا محمد كفر من كفر ولم يؤمن ، فإن رجوعه إلى الله فيخبره بسوء عمله ويجازيه عليه ، وهذا مثل قوله " { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] " . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي : يعلم ما تكنه صدورهم من الكفر بالله . ثم قال تعالى : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً } أي : يمهلهم في الدنيا إمهالاً قليلاً ووقتاً قليلاً . { ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي : يلجئهم إلى الدخول في عذاب النار - نعوذ بالله منها - . ثم قال تعالى ذكره : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } أي : إن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك من خلق السماوات والأرض ؟ أقروا بأنه الله ، فقل يا محمد عند إقرارهم بذلك : الحمد لله : أي الذي خلق ذلك وتفرد به لأنهم لم يخلقوا شيئاً . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : لا يعلمون من يجب له الحمد والشكر . ثم قال تعالى : { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي يملكها . { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } : أي : عن خلقه . { ٱلْحَمِيدُ } أي المحمود على نعمه . ثم قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } . أي : ولو أن شجرة الأرض كلها بريت أقلاماً ، والبحر لها مداد ، ويمدها سبعة أبحر مداداً - أي الأقلام - { مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ } . وفي الكلام حذف ، والتقدير : يكتب بذلك كلام الله لتكسرت الأقلام وجفت وفرغ المداد ولم تنفذ كلمات الله . ومن رفع " البحر " فعلى الابتداء ، أو على موضع أن . " وما " عملت فيه ، أو على موضع " ما " ، إذ لم يظهر فيه الإعراب . قال قتادة : قال المشركون : هذا الكلام يوشك أن ينفد / فنزلت هذه الآية . وروي أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في سبب مجادلة كانت من اليهود له . قال ابن عباس : " قالت أحبار يهود للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة : يا محمد أرأَيْتَ قَوْلُكَ " وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً إِيَّانَا تُرِيدُ أَمْ قَوْمُكَ ؟ فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم : " كَلاَّ " ، قالوا : ألسْتَ تَتْلُو فِيما جَاءَك أَنَّا قَد أوتِينَا التَّوراة فيها بيان كل شيء ؟ فقال النبي عليه السلام : " فإنَّها في علم الله قليل ، وعندكم من ذلك ما تكفيكم " فأنزل الله في ذلك : " ولو إنما في الأرض من شجرة " إلى تمام الثلاث الآيات . وهذا معنى قول عكرمة . ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : " وَقَدْ أَتَاكُم اللهُ ما أن عَمِلْتُم بِهِ انْتَفَعْتُم وهو في عِلْمِ الله قَلِيلٌ " . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } أي : ذو عزة في انتقامه ممن أشرك به وادعى معه إلهاً غيره ، { حَكِيمٌ } في تدبيره خلقه . ثم قال تعالى : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } أي : ما خلقكم إلا كخلق نفس واحدة ولا بعثكم إلا كبعث نفس واحدة ، لأنه إنما يقول للشيء كن فيكون قليلاً كان أو كثيراً . هذا معنى قول مجاهد . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } أي : سامع لما يقوله المشركون وغيرهم ، { بَصِيرٌ } بأعمال الخلق كلهم . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } . أي يزيد من كل واحد في الآخر ، فينقص من أحدهما بمقدار ما زاد في الآخر . ثم قال تعالى : { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي : سخرهما لمصالح العباد . { كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي : يجري بإذن الله إلى وقت معلوم ، إذا بلغاه كورت الشمس والقمر . { وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي : ذو خبر بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها . والمراد بهذا الخطاب المشركون . ثم قال تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } . أي : هو الخالق الحق لا ما تعبدون . { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ } أي : ما تعبدون من الأصنام والأوثان هو الباطل الذي يضمحل ويفنى . ثم قال تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ } أي : ذو العلو على كل شيء ، وكل من دونه متذلل منقاد له ، { ٱلْكَبِيرُ } أي : الذي كل شيء يتصاغر له . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَةِ ٱللَّهِ } أي : السفن تجري في البحر بنعمة الله على خلقه . { لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ } أي : من حججه وقدرته فتتعظوا . وقد قيل : نعمة الله ها هنا الريح التي تجري السفن بها . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } أي : إن في جري الفلك في البحر لعلامات وحججاً على قدرة الله وضعف ما تدعون من دونه . { لِّكُلِّ صَبَّارٍ } أي : لكم من صبر نفسه عن محارم الله وشكر على نعمه . قال مطرف : إن من أحب عباد الله إليه الصبور الشكور . وقال الشعبي : الصبر نصف الإيمان والشكر نصف الإيمان ، واليقين الإيمان كله . وقال قتادة : إن من أحب عباد الله إليه من إذا أعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر . ثم قال تعالى : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ } . أي : وإذا غشي هؤلاء الذين يشركون بالله غيرهم في حال ركوبهم البحر موج كالظلم ، شبه سواد كثرة الماء وتراكب بعضه على بعض بالظلم ، وهي الظل جمع ظلة . وقال الفراء : الظل هنا : السحاب . { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي : إذا غشيهم الموج فخافوا الغرق فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له لا يشركون به هنا لك شيئاً ، ولا يستغيثون بغيره . { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ } أي : نجاهم من ذلك الموج والغرق فصاروا في البر . { فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } أي : في قوله وإقراره بربه ، وهو مضمر للكفر بعد ذلك ، وقال أبن زيد : المقتصد على صلاح من الأمر . وفي الكلام حذف ، كأنه قال : ومنهم كافر بربه الذي نجاه من الغرق . ودل على ذلك قوله : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } أي : وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلا كل غدار عنيد . فدل الجحود المذكور على الكفر المحذوف . وقيل : التقدير : ومنهم جائر لأن الاقتصاد ضده الجور ، فدل على ضده ، قال معنى ذلك مجاهد والحسن وقتادة والضحاك / . والختر عند العرب أشد . ثم قال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } . أي : اتقوه في قبول طاعته والعمل بمرضاته ، { وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } يعني : وخافوا يوم القيامة فإنه يوم لا يشفع فيه أحد لأحد إلا بالإيمان والأعمال الصالحة . { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي : إن مجيء هذا اليوم الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم حق . { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } أي : لا يخدعنّكم نُزهَتُها ولذاتها فتميلوا إليها ، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عذاب الله تعالى ونعيمكم أبداً . { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } . أي : ولا يخدعكم بالله خادع ، فالغرور هو كل ما غر من إنسان أو شيطان . ومن ضم الغين جعله مصدراً . وقيل : هو أن تعمل المعصية وتتمنى المغفرة ، قاله أبن جبير . ثم قال تعالى ذكره : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } . أي : يعلم متى تكون ، فاتقوا أن تأتيكم بغتة . { وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ } : أي : لا يعلم متى ينزله . { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ } أي : لا يُعْلَمُ ذلك غيره . { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً } أي : ما تعمل من خير وشر . { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } أي : في أي مكان يلحقها أجلها فتموت فيه ، كل ذلك لا يعلمه إلا الله . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ } أي : ذو علم بكل الأشياء ، { خَبِيرٌ } بما هو كائن وما كان . وقال النبي صلى الله عليه وسلم " مفاتح الغَيب خَمسَة . ثم قرأ هذه الآية … " .