Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 15-22)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي } إلى قوله : { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ } . أي : وإن جاهداك أيها الإنسان والداك على أن تشرك بي في العبادة ما لا تعلم أنه لي شريك ، فلا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك . { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } أي : بالطاعة لهما فيما لا إثم عليك فيه . { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } أي : واسلك طريق من تاب ورجع عن شركه إلى الإسلام . قال قتادة : " مَنَ أَنَابَ إِلَيّ " أقبل إلي . قال الليث : نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص ، كان بَرّاً بأمه ، فلما أسلم كلمها بعض قومها أن تكلمه أن يرجع إلى دينه ، فقالت : أنا أكفيكموه ، فكلمته في ذلك ، فقال : أما في هذا فلا أطيعك ولكن أطيعك فيما سوى ذلك . قال الليث : فصارت له ولغيره وأن لا يطاع أحد في شرك ولا في معصية لله . وروي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه فهو الذي أناب إلى الله ، وأمر الله أن يتبع سبيله ، وذلك أن أبا بكر حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأتاه قبل ذلك عثمان وطلحة والزبير رضي الله عنهم ، فسألوه هل أسلم ؟ فقال : نعم ، فنزلت { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } [ الزمر : 10 ] الآية إلى قوله : { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ الزمر : 10 ] . فلما سمعوا ما نزل الله في أبي بكر أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا فنزلت فيهم : { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } [ الزمر : 17 ] إلى قوله : { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ الزمر : 18 ] . قوله : { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } أي : مصيركم بعد مماتكم . { فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : فأخبركم بجميع ما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر ، ثم أجازيكم عليه . وهذه القصة كلها معترضة فيما بين كلام لقمان لابنه ، وإنما جاز الاعتراض هنا لأنها أيضاً مما كان وصى به لقمان ولده ، فجعلها الله جل ذكره خبراً من عنده لنا لنتبعها ونعمل بها ، مما دل على ذلك قوله تعالى عن لقمان أنه قال لولده : { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ } أي : إن القصة التي سألتني عنها / أو المسألة . روي أنه كان يسأل والده عن ذلك ، فجرى الإضمار عن سؤال ولده له . وقيل : التقدير : إن الخطيئة أو المعصية إن تكن مثقال حبة . هذا على قراءة من نصب " مثقال حبة " فأما من رفع . فلا إضمار في " كان " عنده ، ورفع إلقاء ثبت في " تك " حملاً على المعنى لأن المقصود الحبة ، فكأنه قال : إنها إن تك حبة . يقال : عندي حبة فضة ومثقال حبة فضة بمعنى واحد ، وقد قالوا : اجتمعت أهل اليمامة . فالمعنى على الرفع : إن الخطيئة إن تك حبة ، أي إن وقعت حبة من خرذل . ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً - ، والتقدير : إن تك حبة خرذل في موضع يأت بها الله . والتقدير في هذا كله : زنة حبة من خير أو شر . ثم قال : { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ } . روي أن ابن لقمان سأل لقمان فقال : أرأيت الحبة تكون في مثل البحر أمن يعلمها الله فأعلمه أنه يعلمها في أخفى المواضع لأن الحبة في الصخرة أخفى منها في السماء . وهذا مثل لأعمال العباد ، أن الله يأتي بأعمالهم يوم القيامة . روي أن لقمان لما وعظ ابنه هذه الموعظة أتى بحبة خرذل فألقاها في اليرموك - في عرضه - ، ثم مكث ما شاء الله ثم ذكرها وبسط يده فأقبل بها ذباب حتى وضعها في راحته . من رواية ابن وهب وروي عن ابن عباس [ أنه ] وزن رطل لحم وجعله للذَّرِّ حتى اسود من كثرة الذر عليه ، ثم أخذه بما عليه من الذر ووزنه فلم يزد شيئاً ، فقال : أيها الناس إن الله جل ذكره أراد أن يرغبكم وأن يحضكم على ثواب الآخرة ، وأما الذر والخرذل . فلا مثاقيل لها ، ولكن في عظمة الله وقدرته وعلمه ما يعلم به مثاقيل الذر والخرذل . ويروي أن عائشة رضي الله عنها : " تصَّدقَتْ بحبة عنب فقالت لها مولاتها بُرَيْرَةُ يا أمَّ المؤمنين : أي شيء حبة عنب ؟ فقالت لها عائشة : كم ترين فيها من مثقال ذرة " . ويقال : إن الصخرة هنا هي الصخرة الخضراء التي على ظهر الحوت وهو النون الذي ذكره الله عز وجل في قوله : نون والقلم والحوت في السماء والسماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة ، والصخرة في الريح ، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض . وقال قتادة : " فتكن في صخرة " أي : في جبل من الجبال . وقيل : معنى { يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ } بعلمها الله . { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ } أي : باستخراجها . { خَبِيرٌ } أي : بمكانها ومستقرها لا يخفى عليه شيء . ثم قال تعالى : { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } أي : بحدودها في أوقاتها . { وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي : آمر الناس بطاعة الله . { وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي : إنه الناس عن معصية الله . { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ } أي : من أذى الناس ومحن الدنيا في ذات الله إذا أنت أمرتهم بالطاعة ونهيتهم عن المعصية . { إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي : إن الصبر على ذلك مما أمر الله له من الأمور عزماً . ثم قال تعالى : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } أي : لا تعرض بوجهك ، على من كلمك تكبراً واستخفافاً . وأصله من الصعر وهو داء يأخذ الإبل في أعناقها . ورؤوسها ، تلتوي منه أعناقها فقيل هذا للمتكبر لأنه تكبر لوى عنقه على من تكبر عليه . قال ابن عباس : معناه لا تتكبر فتحقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك ، إذا كلموك وهو معنى قول مجاهد والضحاك . وعن مجاهد أنه قال : هو الرجل يكون بينه وبين أخيه إحْنَةٌ فيراه فيعرض عنه فنهاه عن ذلك . وقال النخعي : هو التشدق . ثم قال : { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } . قال الضحاك : لا تمش بالخيلاء . وقال قتادة : نهاه عن التكبر . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي : كل متكبر مفتخر بما أعطي وهو لا يشكر الله . ثم قال تعالى ذكره : { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي : تواضع في مشيك إذا مشيت ، ولا تستكبر ولا تستعجل ولكن اتئد . قال مجاهد : واقصد في مشيك التواضع . وقال قتادة : نهاه عن الخيلاء . وقال يزيد بن أبي حبيب : نهاه عن السرعة . ثم قال : { وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ } أي : اخفض منه واجعله قصداً إذا / تكلمت . وقيل : معناه إذا ناجيت ربك لا تصح ، وبالخفاء دعا زكرياء ربه . قال قتادة : أمره بالاقتصاد في صوته . ثم قال : { إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } . قال مجاهد والضحاك والأعمش وقتادة : معناه إن أقبح الأصوات . قال قتادة : أوله زفير وآخره شهيق . قال عكرمة : معناه إن شر الأصوات . وقال الحسن : معناه إن أشد الأصوات . قال ابن زيد : لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله للحمير . ووحد الصوت لأنه مصدر . وفي الحديث : " ما صاح حِمَارٌ ولا نَبَحَ كَلْبٌ إلا أن يرى شَيْطَاناً " . ثم قال : { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } يعني : شمسها وقمرها ونجومها وجبالها وعيونها وبحرها وجميع منافعها التي هي صلاح للعباد في أنفسهم وفي معاشهم وتصرفهم . ثم قال تعالى : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } . [ من جمع النعم جعل ظاهرة وباطنة حالاً ] . ومن وحد جعلها نعتاً . وقال ابن عباس في توحيد النعمة : هي الإسلام . وقال مجاهد : هي لا إله إلا الله . وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس . فيكون المعنى : ظاهرة على الألسن وعلى الأبدان والجوارح عملاً ، وباطنة في القلوب اعتقاداً ومعرفة . وروى الضحاك ، عن ابن عباس أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " الظاهرة الإسلام وما أحسن من خَلْقِكَ ، والباطِنَةُ ما سَتَرَ عليك من سيئ عَمَلِكَ " . ثم قال تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ } . أي : يخاصم في توحيد الله وإخلاصه العبادة له بغير علم عنده لما يخاصم به { وَلاَ هُدًى } أي : ولا إيمان يبين به صحة ما يقول { وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } أي : ولا تنزيل من الله عنده بما يدعي يبين به صحة دعواه . قال ابن عباس : هو النضر بن الحارث . ثم قال تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } أي : وإذا قيل لهؤلاء المجادلين في الله بغير علم : اتبعوا ما أنزل الله على رسوله من القرآن . { قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا } من عبادة الأوثان . قال الله جل ذكره : { أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } . هذا على التوبيخ لهم : أي : أَوَلَوْ كان الأمر هكذا أكان يجب لهم أن يتبعوه . ثم قال تعالى : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } أي : من يتذلل إلى الله بالعبادة وهو مطيع لما أمره الله به فقد استمسك بالأمر الأوثق الذي لا يخاف معه ، أي : يمسك من رضى الله تعالى بما لا يخاف معه غداً عذاباً . قال ابن عباس : العروة الوثقى : لا إله إلا الله . { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ } أي : إليه ترجع أمور الخلق فيجازيهم بأعمالهم .