Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 1-10)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { الۤـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ } إلى قوله : { بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } . من رواية أبن وهب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ قَرَأَ آلم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ ، وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ فَكَأَنَّمَا وَافَقَ لَيْلَةَ القَدْرِ " . وعنه أنه قال : " آلم تنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَتَبَارَكَ يَفْضُلانِ عَلَى السُّوَرِ بِسِتِّينَ حَسَنَة " . وقال جابر بن عبد الله : " مَا كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأ آلم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكِ " قد تقدم ذكر { الۤـمۤ } . وقوله : { تَنزِيلُ } رُفِعَ بالابتداء ، و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } الخبر . ويجوز أن يكون خبر الابتداء محذوف ، أي : هذا المتلو تنزيل الكتاب . ويجوز أن يكون [ التقدير ] : هذه الحروف تنزيل الكتاب ، و { الۤـمۤ } بدل من الحروف دالة عليها فهي موضع الابتداء ، و { تَنزِيلُ } الخبر . ويجوز : " تنزيل " بالنصب على المصدر . والمعنى : تنزيل الكتاب المنزل على محمد لا شك فيه أنه من رب العالمين ، وليس بسحر ولا سجع ولا كهانة ولا كذب . وهذا تكذيب لمن قال ذلك في القرآن من المشركين . ثم قال : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } . قال أبو عبيدة : معناه : بل يقولون . وهو خروج من حديث إلى حديث . وقال الزجاج : التقدير : أيقولون . والتقدير عند الطبري : أيقولون ، يعني المشركين أيقولون اختلق محمد صلى الله عليه وسلم هذا القرآن من قبل نفسه ، وأم عنده تقرير كالألف . ثم أكذبهم الله في قولهم فقال : { بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أي : هو الصدق من عند ربك أنزله عليك ، لتنذر قوماً بأس الله أن يحل بهم على كفرهم لم يأتهم نذير من قبلك . { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } أي : يهتدون إلى طريق النجاة من عذاب الله . أجاز بعض النحويين الوقف على { رَّبِّكَ } ، على أن تكون اللام متعلقة بفعل محذوف ، والتقدير : وأنزله عليك لتندر . وأجاز أبو حاتم الوقف على { ٱفْتَرَاهُ } . ثم قال تعالى ذكره : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } الآية . أي : المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له هو الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش في اليوم / السابع ، قاله قتادة . ثم قال [ تعالى ] : { مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ } . [ أي ] : يلي أمركم [ فينصركم ] منه إذا أراد بكم ضراً ، { وَلاَ شَفِيعٍ } أي : يشفع لكم إن عاقبكم على كفركم ، فاتخذوه أيها الناس ولياً واستعينوا بطاعته على أموركم . { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } أي : تتذكرون هذه الموعظة فتعلموا أنه لا معبود لكم غيره / فتفردوا له العبادة وتخلصوا له العمل . ( في ) ستة أيام تمام عند نافع ، وعلى العرش أتم منه . ثم قال تعالى [ ذكره ] : { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ } . أي : هو يدبر الأمر من السماء إلى الأرض . { ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } . قال مجاهد : يعني نزول الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، وذلك اليوم مقداره ألف سنة لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمس مائة عام . وهو معنى قول قتادة والضحاك وعكرمة ، وقاله ابن عباس . وهو اختيار الطبري . وقال ابن عباس : إن المعنى أن هذا اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض وما بينهما كألف سنة من سني الدنيا . وعن ابن عباس : أن المعنى ثم تعرج إليه الملائكة بالأمر في يوم مقدار ذلك اليوم ألف سنة من سني الدنيا . وعن مجاهد : أن المعنى : كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة من أيام الدنيا . وقيل : التقدير : كان مقدار ذلك العروج ألف سنة من أيام الدنيا . وقيل : المعنى : يدبر الله أمر الدنيا وما حدث فيها مما يجازي عليه الناس وغيرهم من أهل السماء إلى أن تقوم الساعة ويبعث الناس إلى الحساب ، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة ، وهو يوم القيامة . وقيل : معناه يدبر الشمس في طلوعها من المشرق وغروبها في المغرب ومدارها في العالم من السماء إلى الأرض لأنها على أهل الأرض تطلع ، وفوق الأرض تطلع إلى أن تغرب وترجع إلى موضعها من الطلوع في يوم [ كان ] مقداره في المسافة ألف سنة . والهاء في يَعْرُجُ إليه : قيل تعود على السماء لأنها تذكر . وقيل : تعود على الله جل ذكره . فأما قوله في " المعارج " . { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] . فمعناه على قول ابن عباس : أنه يوم القيامة يراد [ به ] قال : جعله الله على الكفار مقدار خمسين ألف سنة / . وقال وهب بن منبه : [ ما ] بين أسفل الأرض إلى العرش مقدار خمسين ألف سنة من أيام الدنيا . وقيل عنه : الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحدكم [ كم ] مضى منها ولا كم بقي . وقيل : يوم القيامة أيام ، فمنه ما مقداره ألف سنة ، ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة . واليوم في اللغة بمعنى الوقت . فالمعنى تعرج الملائكة والروح إليه [ في وقت مقداره ألف سنة و ] في وقت آخر مقداره خمسون ألف سنة . " إلى الأرض " تمام عند الأخفش . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } . أي : الذي تقدمت صفته في قدرته وسلطانه هو علم الظاهر والباطن والسر والجهر ، وهو الله ( الذي ) لا إله إلا هو . { ٱلْعَزِيزُ } أي : الشديد في انتقامه ممن كفر به ، { ٱلرَّحِيمُ } بمن تاب من كفره . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } . أي : وهو الذي أعطى كل شيء خلقه ، الإنسان للإنسان ، والفرس للفرس ، فقرن كل جنس بشكله . قاله مجاهد . " وأحسن " على هذا القول بمعنى أعلم ، تقول [ العرب ] فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه . هذا على قراءة من أسكن اللام من " خلقه " فيكون " خلقه " مفعولاً به . ويجوز عند سيبويه أن ينتصب على المصدر المؤكد . مثل { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [ النمل : 88 ] وقيل : هو منصوب ، على التفسير ، كقولك : زيد أوسعكم داراً ، والتقدير : أحسن كل شيء خلقاً . وقيل : أحسن على هذه القراءة بمعنى أعلم وألهم . فيكون خلقه مفعولاً به . وهو القول الذي ذكرنا عن مجاهد أولاً . ومن فتح اللام جعله فعلاً ماضياً . والمعنى الذي أتقن كل شيء خلقه وأحكمه . والهاء في موضع نصب ، والفعل في موضع خفض على النعت لشيء . فالمعنى على قول ابن عباس : الذي أحكم كل شيء خلقه . أي : جاء به على ما أراد لم يتغير عن إرادته . وروي عنه أنه كان يقرأ بفتح اللام ، ويقول : أما إن أَسْتَ القرد ليست بحسنة ولكنه أحكمها . وعن مجاهد في الفتح : أحسن بكل شيء خلقه . وعن ابن عباس : في معنى الإسكان أحسن كل شيء في خلقه ، أي : جعل كل شيء في خلقه حسناً . وأجاز الزجاج " خَلقُه " بالرفع على معنى : ذلك ، خلقه ، ولم يقرأ به أحد . ثم قال تعالى : { وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ } يعني : آدم صلى الله عليه وسلم . { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } أي : جعل ذريته من سلالة ، والسلالة ما ينسل من الشيء . فالمعنى جعل / ذريته من الماء الذي ينسل منه / ومعنى { مَّهِينٍ } حقير ضعيف . ثم قال تعالى : { ثُمَّ سَوَّاهُ } يعني آدم ، أي سوَّى خلقه معتدلاً سوياً . { وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ } أي : من روحه الذي يحيى به [ الموتى ] فصار حياً ناطقاً . ثم قال [ تعالى ] : { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ } أي أنعم عليكم بسمعكم وأبصاركم وقلوبكم تنتفعون بها وتسمعون وتبصرون وتفهمون . ووحد السمع لأنه مصدر . ثم قال [ تعالى ] : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } أي : أنعم عليكم بهذه النعم ، وشكركم قليل عليها . ثم قال [ تعالى ] : { وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } أي : وقال المشركون : أئذا صارت لحومنا وعظامنا تراباً في الأرض أَنُبْعَثُ ؟ إنكاراً للبعث . وقال مجاهد : " ضللنا " : هلكنا ، لأن كل شيء غلب عليه غيره حتى تلف وخفي فقد هلك . وقرأ أبو رجاء وطلحة : " ضلِلْنا " بكسر اللام ، وهي لغة شاذة . وقرأ الحسن : " صَلَلْنا " بالصاد غير معجمة وفتح اللام . وروي عنه بكسر اللام . والمعنى أنتنا ، وكسر اللام شاذ ، يقال صلَّ اللحم وأصَلَّ إذا أَنْتَنَ وَتَغَيَّر ، وكذلك . خَمَّ وَأَخَمَّ . ثم قال الله تعالى { بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } أي : جاحدون للبعث بعد الموت والرجوع إلى الله ( جلّ وعزَّ ) .