Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 11-17)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } إلى قوله : { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . أي : قل يا محمد لهؤلاء المنكرين للبعث : يتوفاكم ملك الموت . أي : يستوفي عددكم بقبض أرواحكم ، ثم إلى ربكم بعد قبض أرواحكم تردون يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم . قال قتادة : ملك الموت يتوفاكم ومعه أعوان من الملائكة . ودليله قوله تعالى : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } [ الأنعام : 61 ] . وملك الموت اسمه : عزرائيل ، وهو بالعربية عبد الجبار صلى الله عليه وسلم ، وعلى جميع الملائكة والنبيئين والمرسلين . قال مجاهد : جوبت لملك الموت الأرض ، فجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء . ثم قال تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } . أي : لو رأيت يا محمد هؤلاء المنكرين للبعث ناكسوا رؤوسهم عند ربهم حياء منه للذي سلف من كفرهم وإنكارهم للبعث يقولون : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } . أي : أبصرنا ما كنا نكذب به من عذابك ، ومعادنا إليك ، وسمعنا منك ، وتصديق ما كانت الرسل تأتنا به وتأمرنا به . { فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } أي : أرددنا إلى الدنيا نعمل فيها / بطاعتك . { إِنَّا مُوقِنُونَ } أي : قد أيقنا الآن ما كنا به في الدنيا جهالاً من توحيدك وإفرادك بالعبادة . وقيل : المخاطبة هنا للمجرمين . والمعنى : قل يا محمد للمجرم : لو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم لندمت على ما كان منك . وجواب لو محذوف ، والتقدير : لرأيت ما تعتبر به اعتباراً شديداً . ومعنى : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا } أي : يقولون يا ربنا أبصرنا ما كنا نكذب به . ثم قال تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } أي : رشدها وتوفيقها إلى الإيمان ، وهذا مثل قوله : { لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } [ الرعد : 31 ] . و { لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ هود : 118 ] . { وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي } أي : وجب العذاب مني . { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } يعني : من أهل الكفر والمعاصي . وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أنه قال : سألني رجل أمس عن القدر ؟ فقلت له : نعم قال الله عز وجل في كتابه { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } إلى ( قوله ) : { أَجْمَعِينَ } حقت كلمة ربك لأملأن جهنم منهم ، فلا بد أن يكون ما قال : قال قتادة : لو شاء الله لهدى الناس جميعاً ، لو شاء لأنزل عليهم آية من السماء تضطرهم إلى الإيمان . فالمعنى : لو شئنا لأعطينا كل إنسان توفيقاً يهتدي إلى الإيمان في الدنيا . وقيل المعنى : لو شئنا لرددناهم إلى الدنيا كما سألوا فيعملوا بالطاعة . ولكن حقَّ القول مني لأعذبنَّ من عصاني ، وقد علم الله أنهم لو ردوا لعادوا إلى كفرهم كما قال في " الأنعام " . ثم قال تعالى ( ذكره ) : { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ } أي ذوقوا عذاب الله بترككم العمل للقاء يومكم . { إِنَّا نَسِينَاكُمْ } أي : تركناكم في النار . وقيل : إن الأول من النسيان لأنهم لما لم يعملوا / ليوم القيامة كانوا بمنزلة الناسي له . ثم قال [ تعالى ] : { وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . أي : ويقال لهم : ذوقوا عذاباً تخلدون فيه إلى مَا لاَ نِهَايَة له بما كنتم تعملون في الدنيا من المعاصي . ثم قال [ تعالى ذكره ] : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً } أي : إذا ذكروا ووعظوا خروا لله سجداً تذللاً واستكانة لعظمته وإقراراً له بالعبودية . { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أي : سبحوا لله في سجودهم بحمده وبَرَؤَّوه مما وصفه به الكافرون . { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } : أي : عن السجود له والتسبيح . وروي أن هذه الآية / نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم لأن قوماً من المنافقين كانوا يخرجون من المسجد إذا أقيمت الصلاة . ثم قال تعالى : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } أي : ترتفع وتنبوا جنوب هؤلاء الذين تقدم ذكرهم من المؤمنين عن مضاجعهم . { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } أي : خوفاً من عذابه وطمعاً في رحمته . قاله قتادة . و { تَتَجَافَىٰ } : تتفاعل من الجفاء [ وهو ] النَّبْؤ . { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي : يزكون ما يجب عليهم في أموالهم . قال أنس في قوله : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } [ الذاريات : 17 ] . قال : كانوا يصلون بين المغرب والعشاء . وكذلك { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } . وقال عطاء بن أبي سلمة : عني بذلك صلاة العتمة . وقال الحسن : عني بذلك قيام الليل . وقاله الأوزاعي . وهو قول مالك بن أنس . وعن أنس : أنه عني بذلك أيضاً صلاة العتمة . وقال ابن عباس : عني بذلك ملازمة ذكر الله ، فكلما انتبهوا ذكروا الله ، إما في صلاة ، وإما في قيام ، وإما في قعود ، أو على جنوبهم لا يزالون يذكرون الله . وهو قول الضحاك . وروى معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " ألاَ أدُلُّكَ عَلَى أبْوَابَ الْخيرِ ؟ [ قال ] : الصَّوْمُ جنَّةٌ ، والصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ ، وَقِيَّامُ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، وتَلاَ هذِهِ الآية : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ } " . ثم قال تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } . أي : ما خبئ لهؤلاء الذين تقدمت صفتهم في الآيتين مما تَقِرُّ به أعينهم في الجنة جزاء بأعمالهم . وقرأ ابن مسعود : " ما نُخْفِيَ لَهُمْ " بالنون . فهذا شاهد لقراءة حمزة بإسكان الياء ، فالقراءتان جرتا على الإخبار عن الله جلَّ ذكره ، و " ما " في موضع نصب بـ " تعلم " إن جعلتها بمعنى الذي في جميع القراءات وإن جعلتها استفهاماً كانت في موضع رفع على قراءة الجماعة ، وفي موضع نصب على قراءة حمزة وابن مسعود بأخفي . وروى أبو هريرة : أن النبي صلى الله عليه [ وسلّم ] " قرأ " ( مِنْ قرَّاتِ أعيْنٍ ) بالجمع " . وروى أيضاً عن النبي عليه السلام أنه قال : " قَالَ رَبُّكُمْ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالحِينَ مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ . بَشَرٍ ، فاقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ : فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أخْفِيَ ( لَهُمْ ) الآية " . وقال ابن مسعود : " مَكْتُوبٌ فِي التَّورَاةِ : لَقَدْ أعدَّ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمُ عَنِ المَضَاجِع مَا لَمْ تَرَ / عَيْنٌ ، وَلَم يَخْطُر عَلَى قَلْبِ بَشرٍ ، وَلَمْ تَسْمعْ أٌُذُنُ وَمَا لاَ يُعْلَمُه ملَكٌ مُقَرَّبٌ . قَالَ : وَنَحْنُ نَقْرَؤهَا : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } . وروى الشعبي عن المغيرة بن شعبة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سَأَلَ موسَى ربَّه فَقالَ : أيّ ربِّ أخبِرْنِي بِأدْنَى أهل الجنة مَنْزِلةً فَقَالَ : رجُلٌ أَتى بَعدمَا أُنْزِلَ ، أهل الجَنَّةِ مَنَازِلَهُم وأخَذُوا أخَذَاتِهِم ، فَقِيلَ له : ادخل الجنة ، فقال : أيْ رَبّ ، وقد نَزَل النَّاسُ مَنَازِلَهُم وأخَذُوا أخَذَاتِهُم ، فقيل له : أترضى مثل مُلْكِ مَلِكٍ من مُلُوك الدنيا ؟ قال : رَضِيتُ أيْ رَبِّ ، فَقَالَ : فَإِنَّ لَكَ ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَمِثْلُه [ معه ] ، ومِثْلُهُ وَمِثْلُهُ إنْ رَضيتَ ، فقال : رَضيتُ أيْ ربِّ ، قال : فإن لَكَ ما اشتهت نفسك وَلَذَّت عينك ، قال : أي رب ، فأخْبِرنِي بأعْلَى أهل الجنة مَنزِلَةً ، فقال : أولئك الذِينَ أَرَدْتُ وَسَوفَ أخْبِرُكَ عَنْهُم ، إنّي غَرَسْتُ كَرَامَتَهُم بِيَدي وَخَتَمْتُ عليها ، وَلَمْ تَدْرِ نفسٌ وَلَمْ تَرَ عَينٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أذْنٌ وَلَم يَخْطُر عَلَى قَلْب بَشَرٍ وَمِصْداقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم } الآية " . وقيل : إن معنى الآية في ثواب الجهاد ، أي : لا تعلم نفس ما أخفي لها من ثواب الجهاد في سبيل الله ، ذكره ابن وهب عن رجاله . قال سليمان بن عامر : الجنة مائة درجة فأولها درجة من فضة ، أرضها فضة ومساكنها فضة ، وآنيتُها فضة ، وترابها مسك ، والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب وآنيَّتُها ذهب وترابها مسك ، والثالثة لؤلؤ ( و ) أرضها لؤلؤ ومساكنها لؤلؤ وآنيَّتُها لؤلؤ وترابها مسك ، وسبعة وتسعون درجة بعد ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، قال الله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم } الآية . وعن ابن سيرين أنه قال في الآية : إنه النظر إلى الله عز وجل .