Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 38-49)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : ذكره { مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ } إلى قوله : { سَرَاحاً جَمِيلاً } . أي ليس على محمد صلى الله عليه وسلم إثم في نكاح امرأة من تبناه بعد فراقه إياها . قال قتادة : ما فرض الله له ، أي ما أحل الله . وفي الكلام معنى المدح كقوله : { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [ التوبة : 91 ] ثم قال : { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } . انتصبت " سُنَّة " على المصدر ، والفاعل فيه ما قبله لأنه بمعنى سن الله له ذلك سنَّة ، والمعنى لا إثم عليه في ذلك كما لا إثم فيه على من خلا قبله من النبيئين فيما أحل الله لهم . قال الطبري في معناه : لم يكن الله لِيُؤُثِمَ نبيه فيما أحل الله له مثالَ فِعْلِه بمن قَبْلَهُ مِنَ الرسل . ثم قال : { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } أي : قضاء مقضياً . [ وقيل : قَدَرُ أحَدٍ قَدَّرَهُ وَكَتَبَهُ قبل خلق الأشياء كلها مقدوراً ] أي أنه ستكون الأشياء على ما تقدّم في علمه . ولا تقف على : { فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ } لأن " سنة " انتصبت على عامل قام ما قبلها مقامه . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ } أي : سنة الله في الذين خلوا من قبل محمد من الرسل الذين يبلغون رسالات الله إلى من أُرْسِلوا إليه . { وَيَخْشَوْنَهُ } : أي : يخافون الله . { وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ } أي : لا يخافون غيره ، فَمِن هؤلاء فَكُن يا محمد ، فإن الله يمنع منك وينصرك كما فعل بمن قبلك من الرسل . " الذين " بدل من " الدين " في قوله : { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ } أو نعت لهم أو عطف بيان . ثم قال : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } أي : وكفاك يا محمد حافظاً لأعمال خلقه ومحاسباً لهم عليها . ويجوز أن يكون ( حسيب ) بمعنى محاسب ، كما تقول آكِيلٌ وشَرِيب ، معنى مُواكِل وُمَشَارِب . ويجوز أن يكون بمعنى محسب ، أي مكف كما قالوا السميع بمعنى المسمع وأليم بمعنى مؤلم . يقال : أحسبني الشيء بمعنى كفاني . ثم قال تعالى : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } أي : لم يكن محمد أبا زيد ابن حارثة ، ولا أباً لغيره لأنه لم يكن له ابن وقت نزول هذه الآية . قال قتادة : نزلت في زيد بن حارثة أنه لم يكن بابنه ، ولعمري لقد ولد له ذكور وإنه لأبو القاسم وإبراهيم والمطهر . فالمعنى على هذا : لم يكن محمد أباً لِمَنْ تَبَنَّى من رجالكم ، ولكنه أبو أمته في التبجيل والتعظيم . ثم قال تعالى : { وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ } أي : ولكن كان رسول الله . { وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ } أي : آخرهم . هذا على قراءة من فتح التاء . ومن كسرها فمعناها : أي طبع على النبوة فلا تفتح لأحد بعده . روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أَنَا خَاتِمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ " والخاتم الذي يلبس ، فيه أربع لغات : خَاتَمٌ وخَاتِمٌ وخَاتَامٌ وخَيْتَامٌ . ثم قال تعالى ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } أي : اذكروه بقلوبكم وجوارحكم ولا تخلوا أنفسكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم . ثم قال : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي : صلوا له غدوة وعشياً ، يعني صلاة الصبح وصلاة العصر ، والأصيل العَشِيُّ وجمعه أصائل . والأصيل بمعنى الأُصُل وجمعه آصال ، هذا لفظ المبرد . وقال غيره : أُصُل عنده جمع أَصِيل كرغيف ورغف . ثم قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ } أي : ربكم الذي أمرتم بذكره كثيراً هو الذي يرحمكم ويثني عليكم فيشيع عنكم الذكر الجميل وملائكته تدعو لكم . روي أنه لما نزل / : { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ } [ الأحزاب : 56 ] أتاه المؤمنون يهنؤونه بذلك ، فقال أبو بكر يا رسول الله : هذا لك خاصة فَمَا لَنا ؟ فأنزل الله جل ذكره : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ } ، أي : يدعون لكم بالرحمة . وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل : " إِنَّ الله قَالَ لمُوسَى : أَخْبِرْ بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّ صَلاَتِي عَلى عِبَادِي لَتَسْبِقُ رَحْمَتِي غَضَبِي وَلَوْلاَ ذَلِكَ لأَهْلَكْتُهُمْ " . وقال عطاء بن أبي رباح : " صلاته على عباده : سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ لَتَسْبِقُ رَحْمَتِي غَضَبِي " . وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي " . ثم قال : { لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } أي : تدعو ملائكة الله ليخرجكم الله من الكفر إلى الإيمان . وأصل الصلاة في اللغة : الدعاء . وسمي الركوع والسجود صلاة للدعاء الذي يكون في ذلك . وقال المبرد : أصل الصلاة الترحم ، فالصلاة من الله رحمة لعباده ، ومن الملائكة رقة لهم واستدعاء للرحمة من الله لهم ، والصلاة من الناس سميت صلاة لطلب الرحمة بها . قال أبو عبيدة : الأصِيلُ ما بين العصر إلى الليل : وقال : { يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ } أي : يبارك عليكم . قال ابن عباس : لا يقضي الله على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً ، ثم عذر أهلها في حال العذر ، غَيرَ الذِّكر ، فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه ، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله . ثم قال : { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } أي : ذا رحمة أن يعذبهم وهم له مطيعون . { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } أي : تحية بعض هؤلاء المؤمنين في الجنة سلام ، أي أمنة لنا ولكم من عذاب الله . قال البراء بن عازب : معناه يوم يلقون ملك الموت يسلم عليهم لا يقبض روح مؤمن حتى يسلم عليه . قال قتادة : تحية أهل الجنة السلام . وقال البراء بن عازب في معناه : إن ( ملك ) الموت لا يقبض روح المؤمن / حتى يسلم عليه . قال الزجاج : هذا في الجنة ، واستشهد عليه بقوله تعالى : وَ { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [ إبراهيم : 23 ] ودليله أيضاً قوله جل ذكره : { يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23 - 24 ] . وفرق المبرد بين التحية والسلام ، فقال : التحية تكون لكل دعاء ، والسلام مخصوص ، ومنه { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } [ الفرقان : 75 ] . ثم قال تعالى ذكره : { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } أي : أعد لهم الجنة على طاعتهم له في الدنيا . ثم قال تعالى ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } أي : أرسلناك يا محمد شاهداً على أمتك بإبلاغك إياهم ما أرسلت به ، ومبشراً لمن أطاعك بالجنة ، ونذيراً لمن عصاك بالنار ، قاله قتادة وغيره . ثم قال : { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ } أي : إلى توحيد الله ، وطاعته . قال قتادة : " ودَاعِياً اِلَى الله " إلى شهادة أن لا إله إلا الله . { بِإِذْنِهِ } أي : بأمره إياك بذلك . { وَسِرَاجاً مُّنِيراً } أي : مضيئاً للخلق يبين لهم أمر دينهم ويهتدون به كما يُهْتَدَى بالسرج المضيء . ثم قال تعالى : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } أي : من ثواب الله أضعافاً كثيرة . وقيل : المعنى : وذا سراج : أي ذا كتاب بين مضيء . قال ابن عباس : " لما نزلت هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً } الآية ، دعا النبي صلى الله عليه وسلم علياً ومُعاذاً فقال : " انْطلِقَا فَيَسِّرا وَلاَ تُعَسِّرَا فَإِنَّهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيَّ : { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً } الآية وقرأ الآية " . ثم قال : { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } أي : لا تسمع دعاءهما إليك على التقصير في تبليغ رسالات الله . { وَدَعْ أَذَاهُمْ } . قال مجاهد أعرض عنهم . وقال مجاهد : دع الأذى لا تجازهم عليه حتى تؤمر فيه بشيء . وقيل : المعنى لا تؤذيهم ، وكان هذا قبل أن يؤمر بالقتال ، ثم نسخ ذلك بالقتال . قال قتادة : معناه : اصبر على أذاهم . ثم قال تعالى : { وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي : فوِّض إلى الله أمرك وثق به ، فإن الله كافيك . { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِـيلاً } أي : وحسبك بالله فيما يأمرك به حافظاً لك وكَالِئاً . ثم قال تعالى ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } الآية ، أي إذا تزوجتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل الدخول بهن والمجامعة - والنكاح هنا العقد - فلا عدة لكم عليهن / { فَمَتِّعُوهُنَّ } أي : أعطوهن ما يستمتعن به من عرض أو عين . { وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } أي : خلوا سبيلهن تخلية بمعروف . قال ابن عباس : إذا طلق التي لم يدخل بها واحدة بانت منه ولا عدة عليها ، تتزوج من شاءت ، فإن كان سمى لها صداقاً فلها نصفه ، وإن كان لم يسم متعها على قدر عسره ويسره . وقيل : المتعة منسوخة بقوله جل ذكره : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقرة : 237 ] ، قاله ابن المسيب وقتادة : وهذه الآية خصصت آية البقرة وبينتها وهي قوله تعالى : { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } [ البقرة : 228 ] فظاهر الآية أن ذلك في كل مطلقة . فبينت آية الأحزاب أن آية البقرة في المدخول بها . وكذلك آية الأحزاب خصصت وبينت آية الطلاق ، وهي قوله : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } [ الطلاق : 4 ] فبينت آية الأحزاب أن الثلاثة الأشهر لهذين الصنفين ، إنما ذلك للمدخول بها ، كذلك أيضاً آية الطلاق خصصت وبينت أن آية البقرة في غير الصنفين المذكورين في سورة الطلاق فصار في آية البقرة تخصيصان وبيانان من سورتين . وصارت آية الأحزاب مخصصة ومبينة لآيتين من سورتين فآية الأحزاب أحكم إذ لا تخصيص فيها . فالإعتداد للرجال ، أي : هم يستوفون من النساء ما عليهن من العدة . فالعدة على النساء ، والاعتداد للرجال لأن العدة التي على النساء حق للأزواج ليستبْرِءوا أرحامهن لئلا يلحق أولادهم بغيرهم ، أو يلحق بهم غير أولادهم .