Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 34-37)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ( ذكره ) : { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ } إلى قوله : { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } . أي : واذكرن نعمة الله عليكن إذ جعلكن في بيوت تتلى فيهما ( آيات ) الله والحكمة ، أي : اشكرن الله على ذلك . والحكمة هنا : ما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أمر دينه مما لم ينزل به قرآن ، وذلك السنة . قال قتادة : الحكمة السنة امتَنَّ ( الله ) عليهن بذلك . وقيل : معناه الحكمة من الآيات . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً } أي ( ذا ) لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي يتلى فيها القرآن والسنة . { خَبِيراً } بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجاً . ثم قال تعالى ( ذكره ) بعقب ( ذِكِرُ ) ما أَمَرَ به أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم . { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } الآية ، أي : ( المتذللين ) بالطاعة والمتذللات . وأصل الإسلام / التذلل والانقياد والخضوع . { وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي : المصدقين الله ورسوله والمصدقات . وأصل الإيمان التصديق . { وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ } أي : والمطيعين والمطيعات الله ورسوله ، فيما أمروا به ونهوا عنه . وأصل القنوت الطاعة . { وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ } أي صدقوه فيما عاهدوه عليه . { وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ } أي : صبروا لله في البأساء والضراء على الثبات على دينه . { وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ } أي خشعوا لله وجلاً من عقابه وتعظيماً له . { وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ } أي : تصدقوا بما افترض الله عليهم في أموالهم . { وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ } أي : صاموا شهر رمضان الذي افترضه الله عليهم . { وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ } أي : حفظوها إلا عن الأزواج أو ما ملكت أيمانهم . { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ } أي : ذكروه بألسنتهم وقلوبهم . { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } أي : ستراً لذنوبهم وثواباً في الآخرة من أعمالهم وهو الجنة . قال مجاهد : لا يكون ذاكراً لله حتى يذكره قائماً وجالساً ومضطجعاً . وقال أبو سعيد الخدري : من أيقظ أهله وصَلَّياّ أربع ركعات كُتِباَ من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات . قال قتادة : دخل نساء على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلن قد ذكركن الله في القرآن ولم نذكر بشيء ، أما فينا من يذكر ؟ فأنزل الله جل ذكره : { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ } الآية . وقال مجاهد : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، يذكر الرجال ولا يذكر النساء ؟ فنزلت الآية : " إن المسلمين " الآية . ثم قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } أي : أن يتخيروا من ( أمرهم غير ) الذي قضى الله ورسوله ، ويخالفوا ( ذلك ) فيعصونهما ، { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : فيما أُمِرَ أو نُهِيَّ . { فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } أي : جار عن قصد السبيل ، وسلك غير طريق الهدى . ويروى أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش حين خطبها رسول الله على فتاه زيد بن حارثة فامتنعت من إنكاحه ( نفسها ) . قال ابن عباس : خطبها رسول الله على فتاه زيد بن حارثة فقالت : لسْتُ بِناكِحَتِهِ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بَلَى فانْكَحِيهِ ، فقالت يا رسول الله / أؤامِرُ نفسي ؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله فقالت رَضِيتَهُ / لي يا رسول الله منكحاً ، قال : نعم ، قالت : إذاً لا أعْصِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أَنْكَحْتُه نفسي " . قال قتادة : لما خطب رسول الله زينب بنت جحش ، وهي بنت عمته ، ظنت أنه يريدها لنفسه ، فلما علمت أنه يريدها لزيد امتنعت ، فأنزل الله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } الآية ، فأطاعت وسلمت . وقيل : نزلت في [ أم كلثوم ] بنت عقبة بن أبي معيط وذلك أنها وهبت نفسها للنبي فزوجها زيد بن حارثة ، قاله ابن زيد . قال : وكانت أول من هاجر من النساء ، فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد قبلت ، فزوجها زيد بن حارثة ، فسخطت هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله فزوجنا عبده ، فنزلت الآية . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبها لزيد قالت : لا أرضى به ، وأن أَيِّمُ نساء قريش ، فقال لها النبي عليه السلام : قد رضيته لك ، فأبت عليه فنزلت الآية ، فرضيت به وجعلت أمرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكحها من زيد بن حارثة ، فمكثت عند زيد ما شاء الله ، ثم أتاه رسول الله زائراً له فأبصرها قائمة فأعجبته ، فقال : سبحان الله مقلب القلوب ، فرأى زيد أن رسول الله قد هويها ، فقال : يا رسول الله ائذن لي في طلاقها ، فإن بها كبرة وأنها تؤذيني بلسانها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتق الله وأمسك عليك زوجك " ، وفي قلبه ما في قلبه ، ثم إن زيداً طلّقها بعد ذلك ، فلما انقضت عدتها أنزل الله نكاحها من السماء على رسوله وأنزل عليه الآيات : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } إلى : { مَّقْدُوراً } . وعن عائشة أنها قالت : " لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أنزل عليه لكتم هذه الآية . قال أنس : " لما انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ مِنْ زَيدٍ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد : اذكُرْنِي لَهَا ، فَانْطَلَقَ زَيْدَ إِلى زَيْنَب فقال لها : أَبْشِرِي أَرْسَلَ رسول الله يَذْكُرُكِ ، فَقَالَتْ : مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئاً حَتَّى أُؤامِرَ رَبِّي فَقَامَتْ إلى مَسْجِدِهَا وَصَلَّتْ ، وَنَزلَ القُرآنُ عَلَى رَسُولِهِ : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } الآيتان . فجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها بغير إذنها " . وروي أنها كانت تقول لرسول الله : لست كأحد من النساء لأن الله زوجنيك . ثم قال تعالى : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } ، هذا عتاب من الله للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي : واذكر يا محمد إذ تقول للذي أنعم الله عليه بالإسلام ، وأنعمت عليه بالعتق - وهو زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أمسك عليك زوجك واتق الله في مفارقتها للفرار . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زينب بنت جحش وهي ابنة عمته بعد أن تزوجها زيد فأعجبته ، فألقى الله في نفس زيد كراهتها لما علم ما وقع في نفس النبي منها ، فأراد زيد فراقها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي : " { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } فيما عليك لها " وهو يحب لو قد بانت منه لينكحها ، وهو الذي أخفى غي نفسه ، فقد أبداه الله كما ذكره . ثم قال تعالى : { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } أي : وتخاف أن يقول الناس أمَرَ رجلاً بطلاق امرأته ثم نَكَحَها حين طَلَّقها ، والله أحق أن تخشاه مِنَ الناس ، هذا كله معنى قول قتادة وابن زيد . قال الحسن : ما أنزلت عليه آية أشد منها ، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي لكتمها . وقال علي بن الحسين : كان الله جل ذكره أَعْلَمَ نبيه عليه السلام أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما أتاه زيد يشكوها ، قال : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } ، وهو يخفي في نفسه ما قد أعلمه الله من تزويج زينب ، والله مبديه ، أي مظهره بتمام التزويج ، وطلاق زيد لزينب . ثم قال تعالى : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } أي حاجته وإربه . { زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } أي لِئَلاَّ يكون على المؤمنين ضيق / وإثم في نكاح أزواج من تبنوا بعد طلاقهم إياهن ، إذا قضوا منهن حاجتهم ، وهو قوله جل ذكره : { وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ } [ النساء : 23 ] ، فدل على أن اللاتي من الأبناء من غير الأصلاب حلال نكاحهن . وفي قوله : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } إشارة إلى إيقاع الطلاق ، وكذلك في قوله : { إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } . ثم قال : { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } أي : ما قضى الله من قضاء كائناً لا محالة ، ذلك ما قضى الله من تزويج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت عمته . وقال الشعبي : كانت زينب تقول للنبي عليه السلام : إني لأَدِلُّ عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تَدِلُّ بهن : إن جَدِّي وَجَدُّكَ وَاحِدٌ ، وإنّي أنْكَحَنِكَ الله مِنَ السَّماءِ ، وإنَّ السَّفِيرَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم . وروى أنس بن مالك أن زيداً كان مسبباً من الشام ابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد ، فوهبه لعمته خديجة زوج النبي ، فوهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم فتبناه النبي .