Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 53-56)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ } إلى قوله : { وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } . المعنى : أن الله جل ذكره أمر أصحاب النبي عليه السلام ألا يدخلوا عليه إلا أن يأذن لهم إلى طعام لم يكونوا منتظرين وقته وإدراكه . وإنّاه مصدر أنَّى يَأْتِي إِنّاً وَإِنْياً وَأَنًّا ممدود ، وفيه لغة أخرى ، يقال : أن يَئين أنْياً ، ويقال في معناه : نَالَ لكَ وأنَالَ لكَ . ومعنى آن : حان . " وغير " منصوب على الحال من الكاف والميم في " لكم " ، ولا يحسن خفضه على النعت لطعام لأنه لا يلزم منه إظهار الضمير ، فتقول : غير ناظرين أنتم إناه ، لأن اسم الفاعل إذا جرى صفة على غير من هو له ، أو خبراً لم يكن بد من إظهار الضمير الذي فيه . والمعنى غير منتظرين حينه ونضجه . ثم قال : { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ } أي : إذا دعاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته لطعام فادخلوا . { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ } أي : فتفرقوا إذا أكلتم من بيته . { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } أي : لا متحدثين بعد فراغكم من أكلكم . وكان نزول هذه الآية في قول أكلوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وليمة زينب بنت جحش ، ثم جلسوا يتحدثون في مجلس رسول الله ، ولرسول الله إلى أهله حاجة ، فمنعه الحياء أن يأمرهم بالخروج من منزله . روى معنى ذلك أنس بن مالك ، قال أنس : وكان قد أَوْلَمَ رسول الله بتمر وسَوِيقٍ . وكان أنس ذلك اليوم ابن عشر سنين . وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب ، فقالت زينب : يا ابن الخطاب إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا ، فأنزل الله جل ذكره : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } . وهذا أدب لأصحاب النبي عليه السلام ولمن بعدهم . وقال قتادة : كان هذا في بيت أم سلمة أكلوا وأطالوا الحديث ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ويخرج ، ويستحي منهم والله لا يستحي من الحق . ثم قال : { إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ } أي : دخولكم في بيت النبي من غير أن يؤذن لكم ، وجلوسكم فيها مستأنسين لحديث بعد فراغكم من أكل الطعام الذي دعيتم له كان يؤذي النبي فيستحي منكم أن يخرجكم منها . وأن يمنعكم من الدخول إذا دخلتم بغير إذن مع كراهته لذلك منكم . { وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ } أن يبينه لكم . ثم قال : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } أي : وإذا سألتم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً أو غيره فخاطبوهن من وراء حجاب ، أي : من وراء ستر / ولا تدخلوا عليهن بيوتهن . ثم قال جل ذكره : { ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } أي : مخاطبتكم لهن من وراء حجاب أطهر لقلوبكم ، وقلوبهن من عوارض الفتن . وذكر مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه فأصابت يد رجل منهم يد عائشة فكره ذلك النبي ، فنزلت آية الحجاب . وروى أنس أن عمر قال : " قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ إنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ، قال فنزلت آية الحجاب " وروي : " أنَّ سُودَة خرجَت ليلاً لِلبِرازِ عشاءً ، وكانت طويلة فناداها عُمَر بِصَوْتِهِ الأَعلى : " قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سُودَة حِرْصاً على أن يَنْزِلَ الحِجَابُ فنزلَت آيةُ الحِجَابِ " . ثم قال تعالى : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } أي : ما ينبغي ولا يصلح لكم أذى نبيكم ولا نكاح أزواجه من بعده لأنهن أمهاتكم ، فلهن حرمة الأمهات . روى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال : لما نزلت آية الحجاب قال رجل من أصحاب رسول الله : أينهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندخل على بنات عمنا ، أما والله لئن مات رسول الله وأنا حَيٌّ لأتزوجن عائشة ، فأنزل الله تعالى وجل ذكره : { وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } إلى : { عَلِيماً } . فأعلمهم أنه يعلم ما يخفون في أنفسهم وما يبدون . قال قتادة : قال رجل من أصحاب رسول الله عليه السلام : إن مات رسول الله تزوجت فلانة ، امرأة من أزواج النبي . قال معمر : الذي قال هذا طلحة لعائشة . ثم قال : { إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } أي : إن أذاكم نبيكم ونكاحكم أزواجه من بعده عند الله عظيماً من الإثم . ثم قال تعالى : { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي : إن تظهروا شيئاً بألسنتكم من جميع الأمور أو تخفوه في قلوبكم فلا تظهروه ، فإن الله كان بكل شيء ذا علم لا يخفى عليه شيء . ثم قال تعالى : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ } أي : لا إثم على أزواج النبي في الظهور إلى آبائهن ولا إلى من ذكر بعد ذلك من ذوي المحارم . قال مجاهد : معناه : لا إثم عليهن في أن تضع الجلباب ومعها من ذكر . وقال قتادة : رخص لهؤلاء أن لا يحتجبن منهم . وهذا القول أليق بسياق الآية . والآية عامة في أزواج النبي عليه السلام وأزواج المؤمنين ألا يحتجب من الآباء ولا من الأبناء ولا من الإخوة ولا من أبناء الإخوة . قال الشعبي : ولم يذكر في ذلك العم حذاراً من أن يصفهن لأبنائه . وكره الشعبي وعكرمة أن تضع خمارها عند عمها وخالها ، لأنهما يصفانها إلى ابنيهما ، ونكاحها إلى كل واحد من ابنيهما يحل . وقيل : إنما لم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين . وقوله : { وَلاَ نِسَآئِهِنَّ } أي : ولا يحتجبن من نساء المؤمنين . وقال ابن زيد : هذا كله في الزينة ، وقوله : { وَلاَ نِسَآئِهِنَّ } يعني المؤمنات الحرائر ، قال : ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى شيء من عورات المرأة . ثم قال تعالى : { وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } يعني المماليك . قال ابن زيد : كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من المماليك . قيل : إن ذلك في النساء من المماليك خاصة . وقيل : في النساء والرجال من المماليك . ثم قال تعالى : { وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ } أي : وخفنَ الله أن تتحدَّيْنَ في ما حدّ الله لكن في الحجاب . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } هو شاهد على ما تفعلنه من حجابكن وغير ذلك من أموركن . ثم قال تعالى ذكره : { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ } . أجاز الكسائي رفع الملائكة . وأجاز : إن زيداً وعمرو متطلقان . ومنعه جميع النحويين في البسملة . وأجازه بعضهم في الآية على حذف ، والتقدير : إن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون على النبي ، ثم حذف من الأول لدلالة الثاني وقد قدر بعض النحويين هذا التقدير في الآية مع النصب ، وقال : يبعد أن يجتمع ضمير الله جل ذكره مع غيره إجلالاً له وتعظيماً ، ثم استدل على ذلك بإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على الذي قال : ما شاء الله وشئت فقال : " ما شاء اللهُ ، ثُمَّ شِئْتَ " فالواو كالجمع . فالمعنى / : إن الله وملائكته يباركون على النبي ، قاله ابن عباس . وقيل : التقدير : إن الله يرحم على النبي وملائكته يدعون له ، فهذا التقدير أيضاً مما يقوي تقدير الحذف من الأول ، ويكون يصلون للملائكة خاصاً لأن الصلاة من غير الله دعاء ، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نصلي عليه ، فقال : " قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى محَمد وعلَى آلِ مُحَمَدٍ كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ ، وبَارك عَلَى مُحَمدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمدٍ كَمَا بَارَكتَ عَلَى إبْراهيم في العَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجيدٌ ، والسَّلاَمُ كَمَا قَد عَلمتُم " .