Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 57-73)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } إلى آخر السورة . أي : إن الذين يؤذون أولياء الله ، قاله الشعبي . روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : " شَتَمَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي ، وَكَذَّبَني عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي فَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ : إِنِّي اتَّخَذْتُ وَلَداً ، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ . وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنْ لَنْ يُبْعَثَ - يَعْنِي بَعدَ المَوْتِ - " وقال عكرمة : هم أصحاب التصاوير . وقيل : إنهم يعصون الله ويركبون ما حرم عليهم فذلك أذاهم . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ } . قال مجاهد : يَقْفُونَ فيهم بغير ما عملوا . وقيل : إنها نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم حين نكح صفية بنت حُيي . ثم قال : { لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي : أبعدهم من رحمته . ثم قال : { فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } أي : وزر كذب وفرية شنيعة ، { وَإِثْماً مُّبِيناً } أي : بَيِّنٌ لسامعه أنه إثم وزور . والبهتان أفحش الكذب . ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الآية . أي : قل لهن يرخين عليهن أرديتهن لئلا يشتبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن فيكشفن شعورهن ووجوههن ، ولكن يدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق . قال ابن عباس في معناها : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عيناً واحدة . وعنه أيضاً أنه قال : كانت الحرة تلبس لباس الأمة ، فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن ، وإدناء الجلباب أن تقنع به وتشده على جبينها . وقال أبو مالك والحسن : كان النساء يخرجن بالليل في حاجاتهن فيؤذيهن المنافقون ويتوهمون أنهن إماء فأنزل الله الآية . وكان عمر رضي الله إذا رأى أمة قد تقنعت علاَهَا بالدِّرَة . وقال ابن سيرين : سألت عبيدة عن قوله : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } فقال : تغطي حاجبها بالرداء أو ترده على أنفها حتى يغطي رأسها ووجهها وإحدى عينيها . وقال مجاهد : يتجلببن حتى يعرفن فلا يؤذين بالقول . وقال الحسن : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } أي : يعرفن حرائر فلا يؤذين . قال ابن عباس وابن مسعود : الجلباب الرداء . وقال المبرد : الجلباب كل ملحفة تستر من ثوب أو ملحفة . ثم قال : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لما سلف منهن من ترك إدنائهن جلابيبهن عليهن ، { رَّحِيماً } بهن أن يعاقبهن بعد موتهن . ثم قال تعالى : { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } أي : لئن لم ينته الذين يسرون الكفر . { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } أي : شهوة من الزنى من المنافقين . { وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } أي : أهل الإرجاف في المدينة بالكذب والباطل يشيعون ما يخوفون به المؤمنين ، وهم من المنافقين ، أيضاً هم أجناس قد جمعوا هذه الأسماء كلها . قال قتادة : أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق فتوعدهم الله بهذه الآية فكتموا نفاقهم وستروه . ثم قال تعالى : { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي لنسلطنك عليهم ، وقد أغراه بهم بقوله جل ذكره : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } [ التوبة : 84 ] وأمره بلعنهم . وقال المبرد : قد أغراه بهم في قوله : { أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } قال : وهذا فيه معنى الأمر بقتلهم وأخذهم ، أي : هذا حكمهم إذ قاموا على النفاق والإرجاف في المدينة . وهو مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " خَمسٌ يُقتَلْنَ فِي الحَرَمِ " ففيه معنى الأمر ولفظه خبر . وقيل : إنهم انتهوا عن الإرجاف / . وقيل : إنه لقوم بأعيانهم . قال ابن عباس : " لنغرينك " لنسلطنك . وقال قتادة : لنحرشنك . وقد استشهد من قال بجواز ترك إنفاذ الوعيد بهذه الآية ، وقال : قد تواعدهم الله بأن يغري نبيه عليهم ولم يفعل . وقال من يخالفه : قد أغراه بهم ، وأنفذ وعيده فيهم . وبقاء المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة إلى أن توفي يدل على أن الله لم ينفذ الوعيد فيهم لأن من تمام وعيده فيهم : قوله : { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } وهو مذهب أهل السنة . إذ المعروف من عادات الكرماء وأهل الفضل والشرف إتمام وعدهم وتأخير إنفاذ وعيدهم بالعفو والمعروف بالإحسان ، ولا أحد أكرم من الله ولا أبين فضلاً وشرفاً منه فهو أولى بالعفو والإحسان وترك إنفاذ وعيده في المؤمنين . ثم قال : { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : إن لم ينتهوا عن الإرجاف سلطتك عليهم ولا يقيموا معك في المدينة إلا وقتاً قليلاً . وهذا وقف إن جعلت { مَّلْعُونِينَ } نصباً على الذم . فإن جعلته حالاً وقفت على { مَّلْعُونِينَ } . وهو قول الأخفش وغيره وهو حال من المضمر في { يُجَاوِرُونَكَ } . وأجاز بعض النحويين أن يكون حالاً من المضمر في { أُخِذُواْ } ، وذلك لا يجوز لأن ما بعد حرف الشرط لا يعمل فيما قبله . ولا يحسن الوقف على " تقتيلاً " ، لأن " سُنَّةَ " انتصبت على فعل دل عليه ما قبله ، فما قبله يقوم له مقام العامل . ومعنى { مَّلْعُونِينَ } أي : مطرودين ومبعدين . { أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ } أي : وجدوا ، { أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ } لكفرهم بالله . ثم قال تعالى : { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } أي : سن الله ذلك سنة في الذين ينافقون على الأنبياء ويرجفون بهم أن يُقَتَّلوا حيث ما وجدوا . ثم قال : { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } أي : ولا تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييراً . ثم قال تعالى : { يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } أي : عن قيامها ومتى تكون . { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } أي : علم وقت قيامها عند الله لا يعلمها إلا هو . ثم قال : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } أي : وما يشعرك يا محمد ، لعل قيام الساعة يكون منك قريباً قد دنا وحان . وذكر قريباً على معنى الوقت والقيام . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } أي : أبعدهم من كل خير وأعدَّ لهم في الآخرة ناراً ماكثين فيها أبداً ، لا يجدون ولياً يمنعهم منها ، ولا نصيراً ينصرهم فيخرجهم من عذابها . ثم قال : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } أي : لا يجدون ولياً ولا نصيراً في هذا اليوم الذي تقلب فيه وجوههم في النار . قائلين : { يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ } أي : في الدنيا ، ندامة وحسرة على ما فات . ثم قال : { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا } أي : وقال هؤلاء الذين تقدمت صفتهم في النار : يا ربنا إنا أطعنا في الكفر سادتنا ، أي أئمتنا وكبراءنا . { فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } أي : أزالونا عن محجة الحق وطريق الهدى . { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } أي : عذّبهم مثلي عذابنا . { وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } أي : أخزهم خزياً كبيراً . ففي هذه الآية زجر عن التقليد لأنهم لو نظروا لظهر لهم أنهم على ضلال ، ولكنهم قلدوا ضلالاً فضلوا . ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ } أي : لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول يكرهه ، فتكونوا أمثال بني إسرائيل الذين رموا موسى بعيب كذب ، فبراءة الله مما رموه به . { وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } أي : ذا منزلة ودرجة رفيعة كلمه تكليماً . روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كانَ مُوسَى رَجُلاً حَيِيّاً فَكَانَ لا يُرَى مُتَجَرِّداً ، فقالَ بَنُو إِسرائيلَ : إنَّه آدرُ ، فذَهَبَ مُوسَى يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ فَمَرَّ الحَجَرُ يَسْعَى بِثِيَابِهِ فَتَبِعَهُ مُوسَى فقالَ : ثِيابي حَجرٌ ! ومرَّ بمجلسِ بني إسرائيل فَرَأَوْهُ فبرَّأه الله مما قالوا " وكذلك ذكر ابن عباس وابن زيد وغيرهما . وعن أبي هريرة أنه رموه بالبرص فبرأه الله من ذلك . وروي عن النبي عليه السلام أنه قال : " إنَّ موسى كانَ رجلاً حَيِياً سِتِّيراً لا يكاد يُرى من جِلدِهِ شَيءٌ استحياءً منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل / ، وقالوا : ما استَتَرَ هذا إلاَّ من عَيبٍ بِجلدِه ، إِمَّا أَدْرَة وإِمَّا بَرَصٌ ، وإمَّا آفة ، فبرَّأه الله مما قالوا بِالحَجَرِ " . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون ، فقالت بنو إسرائيل : أنت قتلته وكان أشد حُبّاً لنا منك وأَلْيَنَ لنا منك ، فآذوه بذلك فأمر الله الملائكة فحملته ، حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد مات ، فبرأه الله من ذلك فانطلقوا به فدفنوه فلم يطلع أحد من خلق الله على قبره إلا الرَّخم فجعله الله أصَمَّ أَبْكَمَ " . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي : لا تعصوه . { وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } أي : قولوا في رسول الله قولاً عدلاً حقاً . قاله مجاهد . وقال عكرمة : " قولاً سديداً " لا إله إلا الله وما أشبهها من الصدق . ثم قال : { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أي : يوفقكم لصالح الأعمال . { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أي : لا يعذبكم عليها بعد توبتكم منها . { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : فيما أمر به ونهى عنه . { فَقَدْ فَازَ } أي : نجا وظفر بالكرامة . { فَوْزاً عَظِيماً } أي : نجا نجاة عظيمة . { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } الآية . قال ابن جبير والحسن الأمانة : الفرائض التي افترضها الله على عباده ، فلم تقدر على حملها ، وعرضت على آدم فحملها . { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً } أي لنفسه ، { جَهُولاً } . أي جاهلاً بالذي له فيه الحظ . قال جويبر : فلما عرضت على آدم ، قال : أي رب [ وما الأمانة ] ؟ فقيل له : إن أدّيتَها جُزِيتَ وإن أضَعتَها عُوقِبْتَ ، قال أي رب ، حملتها بما فيها ، قال : فما مكث في الجنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس حتى عمل بالمعصية فأُخْرِجَ منها . وروي هذا القول عن ابن عباس ، قال ابن عباس : عرضت الفرائض على السماوات والأرض والجبال فكرهن ذلك وأشفقن من غير معصية ، ولكن تعظيماً لدين الله ألا يقمن به ، ثم عرضها على آدم فقبلها . والحمل ها هنا من الحمالة والضمان ، وليس من الحمل على الظهر ولا في الصدر . وقيل : الأمانة ها هنا أمانات الناس والصلاة والصوم والوضوء . وهذا القول كالأول لأنه كله فروض وأداء أمانات الناس فرض فهو القول الأول بعينه . وقيل : هو ائتمان آدم ولده قابيل على أخيه هابيل فقتله ، رواه السدي عن ابن عباس في حديث مرسل . وقيل : المعنى : إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة والجن والإنس ، فأبين أن يحملنها ، أي يحملن وزرها ، وحملها الإنسان ، يعني الكافر والمنافق . وذكر القتبي : أن الله جل ذكره عهد إلى آدم وأمره وحرم عليه وأحل له فعمل بذلك ، فلما حضرته الوفاة سأل الله أن يعلمه من سيخلفه بعده ويقلده من الأمانة ما قلد ، فأمره أن يعرض ذلك على السماوات والأرض والجبال بالشرط الذي شرطه الله عليه من الثواب إن وفى والعقاب إن عصى ، فأبين أن يقبلن ذلك شفقاً من عقاب الله ، ثم أمره أن يعرض ذلك على ولده فقبله بالشرط لجهله لعاقبة ما تقلد . ولذلك ظهر إيمان المؤمن ونفاق المنافق وكفر الكافر ، ولذلك قال تعالى بعد ذلك : { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ } إلى آخر السورة . فقال أبو إسحاق في الأمانة : إن الله جل ذكره ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته ، وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له ، فأما السماوات والأرض والجبال فأعلمتا بطاعتهن له ، قال تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [ فصلت : 11 ] الآية ، { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] . وأعلمنا أن من الحجارة ما يهبط من خشية الله ، وأن الشمس والقمر والنجوم ( والملائكة ) يسبحون لله ، فأعلمنا أن السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملن الأمانة وتأديتها ، - وأداؤها طاعة الله فيما أمر به وترك المعصية - وحملها الإنسان . قال الحسن : الكافر والمنافق حملا الأمانة ، أي : خاناها ولم يطيقاها . وتصديق ذلك قوله : { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ } الآية . وقيل : المعنى : أن الله جل ذكره عرض على السماوات أن ينزل قطرها في إبَّانِه بلا ملائكة يوكلون بها ، وعلى أن لها الثواب وعليها العقاب فأبت ، وعرض على الأرض أن يخرج نباتها وأنهارها وما يكون / منها في آجاله بلا ملائكة يوكلون بها ، وعلى أن لها الثواب وعليها العقاب فأبت ، وعرض على الجبال أن تفجر أنهارها وتخرج ثمارها وأشجارها على أن لها الثواب وعليها العقاب فأبت وأشفقت الجميع من العقاب ، وعَرض على آدم أداء الفرائض على أن له الثواب وعليه العقاب ، فقال : بين أذني وعاتقي فوكل معه ملائكة يسددونه ويوفقونه . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } . قال الضحاك : ظلوماً لنفسه ، جاهلاً فيما احتمل بينه وبين ربه . وقال قتادة : ظلوماً لها - يعني الأمانة - جهولاً عن حقها . ثم قال : { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ } إلى آخر السورة ، أي : حملها الإنسان كي يعذب الله هؤلاء ، ويتوب على هؤلاء . وقرأ الحسن : " وَيَتُوبُ " بالرفع . ثم قال : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } أي : ساتراً لذنوب المؤمنين والمؤمنات . { رَّحِيماً } أن يعذبهم عليها بعد توبتهم منها . قال قتادة : " ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات " : هما اللذان خاناها اللذان ظلماها - يعني الأمانة - هما المنافق والكافر " ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات " هما اللذان أدياها . وكذلك كان الحسن يقول .