Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 1-9)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } إلى قول : { لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } معناه : جميع الحمد من جميع الخلق لله الذي هو مالك السماوات السبع والأرضين السبع والذي له الحمد في الآخرة كالذي له في الدنيا . وقيل : معناه : هو قوله : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] . وقيل : هو قول أهل الجنة : { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } [ الزمر : 74 ] . ثم قال : { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } أي : الحكيم في تدبير خلقه ، الخبير بهم . ثم قال : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ } أي : ما يدخل فيها من قطر وغيره . [ { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } أي : من نبات وغيره . { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي من وحي ومطر وغيره ] . { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } أي : من أمر وملائكة وغير ذلك . ويعرج : يصعد ، ويلج : يدخل . فالمعنى في ذلك : أنه تعالى ذكره العالم بكل شيء ، لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض مما ظهر ومما بطن . ثم قال : { وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ } أي : بأهل التوبة من عباده ، لا يعذبهم بعد توبتهم . { ٱلْغَفُورُ } لذنوبهم إذا تابوا منها . ثم قال تعالى { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ } أي : لا نبعث بعد موتنا ، إنكاراً منهم للجزاء وتكذيباً . ثم قال تعالى : { قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } أي : قل لهم يا محمد : بلى وحق ربي لتأتينكم الساعة ولتبعثن للجزاء بأعمالكم . ثم قال تعالى : { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ } أي : هو عالم الغيب ، أي : ما غاب عنكم من إتيان الساعة وغيرها . ومن رفعه . فعلى إضمار مبتدأ ، أي : هو عالم الغيب . ومن خفضه . جعله نعتاً لربي . ثم قال : { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } أي : لا يغيب عنه شيء وإن قَلَّ أوْ جَلَّ ، وهو قوله : { وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ } أي : لا يغيب عنه ما هو أصغر من زنة ذرة ولا ما هو أكبر منها أين كان ذلك . ثم قال : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي : كل ذلك ( مثبت ) في كتاب بَيِّنٍ للناظر فيه أن الله قد أثبته وأحصاه وعلمه ، فلم يغب عنه منه شيء . وأجاز نافع الوقف على : قُلْ بَلى . وقال الأخفش : الوقف " لتأتِيَنَكُمْ " على قراءة من رفع " عالم " ومن قرأ بالخفض في " عالم " لم يقف على " لتأتينكم " . ثم قال : { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : لا يغيب عنه شيء من الأشياء إلا وهو في كتاب مبين ، ليجزي المؤمنين الذين عملوا الأعمال الصالحة . وقيل : التقدير : لتأتينكم ليجزي المؤمنين . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } أي : ستر على ذنوبهم التي تابوا منها . { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي : وعيش هنيء في الجنة . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } . قال قتادة : ظنوا أنهم يعجزون الله ولن يعجزوه . فالمعنى : ظنوا أنهم يفوتونه ويسبقونه فلا يجازيهم . يقال عاجزه وأعجزه إذا غلبه وسبقه . ومن قرأ " مُعَجّزِيَن " . فمعناه : مثبطين للمؤمنين ، قاله ابن الزبير . فالمعنى : أثبتَ الله ذلك في الكتاب ليثيب المؤمنين ، وليجزي الذين سعوا في آيات معاجزين ، أي : سعوا في إبطال / أدلته وحججه مفاوتين يحسبون أنهم يسبقون الله فلا يقدر عليهم . وقيل : معاندين مشاقين . قال ابن زيد : معجِزِين : جاهدين في بطلان آيات الله ، وهم المشركون ، وهو قوله تعالى عنهم : أنهم قالوا : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] . ثم قال تعالى ذكره : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } . قال قتادة : الرجز : سوء العذاب ، والأليم : الموجع . ثم قال تعالى ذكره : { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ } أي : أثبت ذلك في كتاب مبين ليجزي المؤمنين وليرى الذين أوتو العلم أن الذي أنزل إليك يا محمد هو الحق ، وهو القرآن ، وهم المسلمون من أهل الكتاب كابن سلام وأصحابه الذين قرءوا الكتب التي أنزلها الله قبل القرآن كالتوراة والإنجيل . قيل : عني بالذين أوتوا العلم : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله قتادة . ثم قال : { وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } أي : وهو يهدي إلى طريق الله ودينه . ولا يحسن أن يُعطف " يهدي " على " ويرى " ، لأنه لم يثبت ذلك ليهدي جميع الخلق إلى دين الله . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ } الآية أي : قال بعض الكفار لبعض ، متعجبين من البعث بعد الموت ، منكرين له ، هل ندلكم أيها الناس على رجل يخبركم بالبعث بعد الموت ، وكونكم ممزقين بَعْدُ قد أكلتكم الأرض وصرتم عظاماً ورفاتاً . والعامل في " إذا " فعل مضمر ، أي : إذا مزقتم تبعثون . وقيل : العامل " مُزّقتم " على أن يكون هذا للمجازاة فلا تضاف إلى ما بعدها . وإذا لم تقفْ عمل ما بعدها فيها . وأكثر ما يجازى بإذا في الشعر ، ولا يجوز أن يعمل فيها " يُنَبِئكُم " لأنه لا ينبئهم ذلك الوقت ، ولا يعمل فيها ما بعد أن ، لأن " أن " لا يتقدم عليها ما بعدها ولا معمولة . ثم قال : { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي : قال المشركون : افترى محمد في قوله : إنا نبعث . { عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي : اختلق هذا القول من عند نفسه وأضافه إلى الله { أَم بِهِ جِنَّةٌ } أي : به جنون ، فتكلم بما لا يكون ولا معنى له . ثم قال تعالى : { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ } أي : ما الأمر كما قال هؤلاء المشركون في محمد ، ولكن هم في عذاب الآخرة وفي الضلال البعيد عن الحق ، فمن أجل ذلك يقولون هذا المنكر . ثم قال تعالى : { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي : ألم ينظر هؤلاء المكذبون بالبعث إلى ما قدامهم من السماء والأرض وما خلفهم من ذلك ، فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن الأرض والسماء محيطان بهم من كل جانب ، فيرتدوا عن جهلهم وتكذيبهم بآيات الله حذاراً أن يأمر الله الأرض فتخسف بهم ، أو يسقط عليهم قطعة من السماء فتهلكهم ، وهو قوله : { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } هذا كله معنى قول قتادة . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أي : إن في إحاطة السماء والأرض لجميع الخلق لدلالة على قدرة الله لكل عبد أناب إلى الله بالتوبة . قال قتادة : المنيب : المقبل التائب . وقيل : المعنى : أو لم يتأملوا ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض من عظيم القدرة في خلق ذلك فيعلموا أن الذي خلق ذلك يقدر على بعثهم بعد موتهم ، وعلى أن يخسف بهم الأرض أو يسقط عليهم قطعة من السماء .