Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 49-54)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ } إلى آخر السورة . أي : قل لهم يا محمد جاء الحق وهو الوحي . { وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ } أي : وما يبتدي الشيطان خلقاً ولا يعيد خلقاً بعد موته . والباطل هنا الشيطان ، وهو إبليس اللعين ، أي ما يخلق إبليس أحداً ولا يعيد خلقاً بعد موته . والوقف على " الحق " حسن إن رفعت " علم " على إضمار مبتدأ أو نصبته على المدح وهي قراءة عيسى بن عمر . فإن رفعت على أنه خبر ، أو خبر بعد خبر ، أو على النعت على الموضع ، أو على البدل من المضمر ، لم تقف على " بالحق " . ثم قال تعالى : { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي } أي : على نفسي يعود ضرره . { وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } فبالذي يوحيه إليَّ من الهدى اهتديت ، وإن شِئْتَ جَعلتَ ما والفعل مصدراً . والتقدير : وإن اهتديت إلى الحق فبوحي ربي اهتديت . { إِنَّهُ سَمِيعٌ } أي : سميع لِمَا أقول لكم ، حافظ له مجازٍ لي عليه ، { قَرِيبٌ } أي : قريب مني غير بعيد لا يتعذر عليه سماع ما أقول لكم ولا غيره . ثم قال { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ } اختلف في وقت هذا الفزع ، فقيل : ذلك في الآخرة ، وقيل : في الدنيا . فالمعنى على قول ابن عباس : أي لو ترى يا محمد إنّ فزع هؤلاء المشركون عند نزول العذاب بهم فلا فوت لهم من العذاب . { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي : من الدنيا بالعذاب . قال ابن عباس : هذا من عذاب الدنيا . قال ابن زيد : هؤلاء قتلى المشركين من أهل بدر ، وهم الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار . وقال ابن جبير : هم الجيش الذين يخسف بهم بالبيداء ، يبقى منهم رجل يخبر الناس بما لقي أصحابه . وروى حذيفة بن اليمان " أن النبي صلى الله عليه وسلم " ذكر فتنة " تكون بين أهل المشرق والمغرب ، قال : فَبَيْنَمَا هم كذلك إذْ خَرجَ عليهم السّفْيَانِيّ من الوادي اليابس في فورة ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين ، جيشاً إلى المشرق ، وجيشاً إلى المدينة ، حتى ينزلوا بابِلَ في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة ، فيقتلون أكثر من ثلاث آلاف ، ويبقرون فيها أكثر من مائة امرأة ، ويقتلون بها ثلاث مائة كبْشٍ من بني العباس ، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها ، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام ، فتخرج رَايَةُ هُدىَ من الكوفة فتلحق ذلك الجيش منها على ليلتين فيقتلونهم لا يفلت منهم مخْبِرٌ ، ويَسْتَنْفِذُونَ ما في أيديهم من السَّبْيِ والغنائم ، وَيَحُلُّ جيشه الثاني بالمدينة فَيَنْتَهِبونَهَا ثلاثة أيام ولياليها ، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبَيْداءَ بعث الله عليهم جبريل عليه السلام ، فيقول : يا جبريل اذهب فأبِدْهُمْ ، فيضربها برجله ضربة يَخْسِفُ الله بهم ، فذلك قوله تعالى ذكره : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } فلا يفلت منهم إلا رجلان ، أحدهما بشير والآخر نذير وهما من جهينة ، فذلك جاء المثل : " وَعِنْدَ جُهَيْنَةَ الخَبَرُ اليقِينُ " " . وقال الحسن وقتادة : معنى الآية : ولو ترى يا محمد إذ فزع المشركون يوم القيامة حين خرجوا من قبورهم . قال قتادة : " وأخذوا من مكان قريب " حين عاينوا العذاب . وجواب لو محذوف والتقدير : لو رأيت ذلك يا محمد لعاينت أمراً عظيماً ولرأيت عبرة . وقوله { فَلاَ فَوْتَ } / أي : فلا سبيل لهم أن يفوتوا بأنفسهم وينجوا من العذاب . قال ابن عباس " فلا فوت " فلا نجاة . وقال علي بن سعيد : " فلا فوت " قال : جالوا جولة . وقال إبراهيم بن عرفة : " فلا فوت " أي : لم يسبقوا ما أريد منهم . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : ولو ترى إذ فزعوا وأخذوا من مكان قريب فلا فوت ، أي : فلا يفوتونا . وقال الضحاك : " فلا فوت " فلا هرب . { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي : أخذوا بعذاب الله من مكان قريب لأنهم حيث كانوا فهم من الله قريب . وقال مجاهد : أخذوا من تحت أقدامهم . ثم قال : { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ } . قال مجاهد : " به " بالله . وقيل : بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك حين عاينوا العذاب . وقال ابن زيد : ذلك بعد القتل قالوه . ثم قال : { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } أي : من أي وجه لهم تناول التوبة . { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي : من الآخرة . وقيل : من بعد القتل . ومن همز " التناوش " ، أخذه من النئيش وهو الحركة في إبطاء . فيكون المعنى : ومن أين لهم الحركة فيما قد بَعُدَ ولا حيلة فيه ، ويجوز أن يكون همز الواو لانضمامها ، فيكون من ناش ينوش إذا تناول كقراءة من لم يهمز . قال أبو عبيدة : " وأني لهم " أي : كيف ومن أين . وقيل : من مكان فوتت من تحت أقدامهم . قال ابن عباس : { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } يسألون الرد وليس بحين رد . وقال مجاهد وقتادة : التناوش تناول التوبة . وقال ابن زيد : التناوش من مكان بعيد وقرأ { وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } [ النساء : 18 ] . وقال : ليس لهم توبة . وقرأ { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } [ الأنعام : 27 ] " : الآية ، وقرأ : { رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا } [ السجدة : 12 ] الآية . وقال الضحاك : التناوش : الرجعة . قال مجاهد : " من مكان بعيد " : من الآخرة . ثم قال تعالى : { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ } أي بمحمد ، من قبل في الدنيا قبل موتهم . وقيل : وقد كفروا بما يسألون ربهم عند نزول العذاب بهم . قال قتادة : " كفروا به " أي بالإيمان في الدنيا . ثم قال تعالى : { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي : يقذفون محمداً اليوم بالظنون والأوهام ، فيطعنون عليه وعلى ما جاءهم به ، فيقول بعضهم : ساحر وبعضهم : شاعر . قاله مجاهد وقتادة . وقال ابن زيد : { بِٱلْغَيْبِ } أي بالقرآن . والعرب تقول لكل من يتكلم بما لا يحقه ولا يصح عنده : هو يقذِف بالغيب ويرجم بالغيب . وقوله : { مَّكَانٍ بَعِيدٍ } مثل لمن يرجم ولا يصيب ويقول ويخطئ . ثم قال تعالى ذكره : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } أي : وحيل بين هؤلاء المشركين وبين الإيمان في الآخرة لأنها ليست بدار عمل إنما هي دار جزاء ، فلا سبيل لهم إلى توبة ولا إلى إيمان . قال ذلك الحسن . وقال مجاهد : حيل بينهم وبين الرجوع . وقال قتادة : عمل الخير . وقيل : حيل بينهم وبين أموالهم وأولادهم وزهرة الدنيا ، روي ذلك عن مجاهد أيضاً . وقيل : المعنى : وحيل بينهم وبين النجاة من العذاب . ثم قال تعالى : { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ } أي كما فعل بهؤلاء المشركين من قومك يا محمد في المنع من الرجوع والتوبة كما فعل بنظرائهم من الأمم المكذبة لرسلها من قبلهم ، فلم تقبل منهم توبة ولا رجوع عند معاينة العذاب . والأشياع جمع شِيَّع ، وشِيَّع جمع شِيعَةٍ ، فهي جمع الجمع . ثم قال : { إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ } أي : كانوا في الدنيا في شك من نزول العذاب بهم . { مَّرِيبٍ } أي : يريب صاحبه . يقال أراب الرجل إذا أتى ريبة وركب فاحشة .