Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 38-48)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } إلى قوله : { عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } . أي : والذين سعوا في إبطال حجج الله وأدلته معاجزين ، أي : يظنون أنهم يفوتون الله ويعجزونه فلا يجازيهم على فعلهم . { أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } أي : في عذاب جهنم يوم القيامة . ثم قال تعالى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : يوسع في الرزق لمن يشاء ويضيق على من يشاء ، وليس ذلك لفضل في أحد ولا لنقص ولا لمحبة ولا لبغض . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } أي : ما أنفقتم في طاعة الله فإن الله يخلفه عليكم . قال ابن جبير : ما كان في غير إسراف ولا تقتير . قال ابن عباس : في غير إسراف ولا تقتير . وقال الضحاك : يعني النفقة على العيال وعلى نفسه ، وليس النفقة في سبيل الله . قال مجاهد في قوله { فَهُوَ يُخْلِفُهُ } : أي : إن كان خالفاً فمنه ، وربما أنفق الرجل ماله كله ولم يخلف حتى يموت . قال مجاهد : إذا كان بيد الرجل ما يقيمه فليقتصد في النفقة ، ولا تؤوَّلُ هذه الآية فإن الرزق مقسوم ، ولا يدري لعل رزقه قليل . يعني : وأجله قريب . ثم قال تعالى : { وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } أي : خير من يرزق . وجاز ذلك لأن من الناس من يسمى برازق على المجاز ، أي : رزق غيره مما رزقه الله ، والله يرزق عباده لا من رزق رزقه غيره ، فليس رازق مرزوق كرازق غير مرزوق . ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ } الآية أي : واذكر يا محمد يوم نحشر هؤلاء الكفار ، ثم نقول للملائكة : أهؤلاء الكفار كانوا يعبدونكم من دوني ؟ فتبرأ منهم الملائكة ، فقالوا : { سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } أي : تنزيهاً لك وبراءة من السوء الذي أضافه هؤلاء إليك ، " أنت ولينا من دونهم " أي : لا نتخذ ولياً من دونك . { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم } أي : بالجن . { مُّؤْمِنُونَ } أي : مصدقون ، أي بعبادتهم . وقيل : المعنى : أكثر هؤلاء الكفار بالملائكة مصدقون أنهم بنات الله . قال قتادة في قوله تعالى للملائكة : { أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } هو كقوله لعيسى : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 116 ] . ثم قال تعالى / : { فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً } أي : لا تملك الملائكة للذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ضراً ولا نفعاً . ثم قال : { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي : عبدوا غير الله . { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } أي : في الدنيا . ثم قال تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي : وإذا تقرأ على هؤلاء الكفار آيات القرآن ظاهرات الدلائل والحجج في توحيد الله وأنهن من عنده . { قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ } أي : قالوا لا تتبعوا محمداً فما هو إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان آباؤكم يعبدون من الأوثان ويغير دينكم . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } أي : وقال بعضهم ما هذا الذي أتانا به محمد إلا كذب مختلف متخرص . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم وما جاء به : هذا سحر مبين ، أي : ما جاء إلا بسحر ظاهر . ثم قال تعالى : { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا } أي : لم يعط هؤلاء الكفار كتباً قبل كتابك يا محمد يقرؤونها وفيها ما يقولون لك من البهتان . { وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } أي : لم نبعث إليهم قبلك من ينذرهم من عذاب الله . قال قتادة : ما أنزل الله جل ذكره على العرب كتاباً من قبل القرآن ولا بعث إليهم رسولاً قبل محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } يعني من الأمم الماضية كعاد وثمود كذبت رسلها ، ولم يبلغوا هؤلاء معشار ما أوتي إليك من القوة والبطش والنعم أي عشر ذلك . وقيل عشر عشر ذلك . والمِعْشَارُ قيل هو عشر العشر جزء من مائة . أي : لم يبلغ قومك يا محمد في القوة والبطش والأموال عشر عشر من كان قبلهم ، فقد أهلك من كان قبلهم بكفرهم ، فكيف تكون حال هؤلاء الذين هم أقل قوة وبطشاً من أولئك . وهذا كله تهديد ووعيد وتنبيه لقريش ، فالمعنى : فلم ينفع أولئك ذلك وأهلكهم الله بكفرهم وتكذيبهم الرسل . فإذا كان أولئك الأمم على ما فضلهم الله به من القوة والبطش والأموال والدنيا قد أهلكوا لما كذبوا الرسل ، فكيف تكون حال هؤلاء على ضعفهم وقلة أموالهم وَوَهَنِهِمْ إذا كذبوا الرسل . وقوله : { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي : كيف كان إنكاري لهم بالهلاك والاستئصال . ثم قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار من قومك : إنما أعظكم بواحدة . قال مجاهد : " " بواحدة " بطاعة الله . وروى ليث عنه " بواحدة " : بلا إله إلا الله . وقيل : المعنى : إنما أعظكم بخصلة واحدة ، وهي : " أن تقوموا لله مثنى وفرادى " أي : اثنين اثنين وواحداً واحداً ، فأن بدل من واحدة ، وهو قول قتادة واختيار الطبري . قال قتادة : الواحدة التي أعظكم بها أن تقوموا لله . وقيل : " أنْ " في موضع رفع على معنى : وتلك الواحدة أن تقوموا لله بالنصيحة وترك الهوى اثنين اثنين وواحداً واحداً ، أي : يقوم الرجل منكم مع صاحبه ، ويقوم الرجل وحده فيتصادقوا في المناظرة فيقولوا : هل علمتم بمحمد صلى الله عليه جنوناً قط ؟ [ هل علمتموه ساحراً قط ؟ ] ، هل علمتموه كاذباً قط ؟ وقيل : " مثنى " ، أي : يقوم كل واحدة مع صاحبه فيعتبرا هل علما بمحمد جنوناً أو سحراً أو كذباً ؟ . ومعنى " فرادى " : أي ينفرد كل واحد بعد قيامه مع صاحبه فيقول في نفسه هل علمت بمحمد شيئاً من جنون أو سحر أو كذب ؟ فإنكم إذا فعلتم ذلك وتصادقتم علمتم أن الذي ترمونه به من الجنون والسحر والكذب باطل ، وأن الذي أتى به حق ، فاعتبروا ذلك وتفكروا فيه فتعلموا حينئذ أنه نذير لكم لا جنون به . وقوله : { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ } أي : تفكروا فيه في أنفسكم فتعلموا - إذا أعطيتم الحق من أنفسكم - أنه ليس به جنون ، وأنكم مبطلون في قولكم إنه مجنون . ثم قال : { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } أي : ما محمد إلا ينذركم على كفركم بالله عقابه . وروي عن نافع أنه وقف " بواحدة " . وهو جائز على معنى : وتلك الواحدة أن تقوموا ، أو هو أن تقوموا ، ولا يجوز على غير هذا التقدير / . والوقف عند أبي حاتم " ثم تتفكروا " . وخولف في ذلك لأن المعنى : ثم تفكروا هل جربتم على محمد كذباً أو رأيتم به جنة ، فتعلمون أنه نبي . ثم قال تعالى : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ } أي : قل يا محمد لهؤلاء الذين ردوا إنذارك : الذي سألتكم - على إنذاري لكم عذاب الله - هو لكم لا حاجة بي إليه ، إني لم أسألكم جُعْلاً على ذلك فتتهموني وتظنوا أني إنما أنذركم لِمَا آخذه منكم من الجُعْل . قال قتادة : المعنى : لم أسألكم على الإسلام جُعْلاً . ثم قال تعالى : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } أي : ما ثوابي على إنذاري لكم إلا على الله . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي : والله على حقيقة ما أقول لكم شهيد ، شهد به لِي وعليَّ غير ذلك من الأشياء كلها . ثم قال تعالى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ } أي : يأتي بالحق وهو الوحي ينزله من السماء فيقذفه إلى نبيه . { عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } أي : ما غاب عن الأبصار .