Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 1-9)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله : { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } . أي : الشكر الكامل والثناء الجميل لله الذي ابتدع خلق السماوات والأرض وابتدأهما . قال ابن عباس : ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم أعرابيان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي ابتدأتها . ثم قال : { جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } أي : أرسلهم إلى من شاء من خلقه وفيما شاء وبما شاء من أمره ونهيه ، والرسل هم هاهنا : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت صلى الله عليه وسلم . ومعنى { أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ } أي : أصحاب أجنحة ، منهم من له اثنان ، ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، أربعة من كل جانب ، وهو قوله / : { مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } ، قاله قتادة وغيره . وإنما تتصرف هذه الأعداد لعلتين ، وذلك أنه معدول عن اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة ، والثانية أنه عدل في حال النكرة . وقيل : العلة الثانية أنه صفة . ثم قال تعالى : { يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ } أي : يزيد في خلق الملائكة وفي عدد أجنحتها وغير ذلك ما يشاء . وقال الزهري : هو حُسْنُ الموت . فيكون { وَرُبَاعَ } وقفاً كافياً على القول الأول ، وتماماً على القول الثاني . وقال قتادة : هو مَلاحَةٌ في العينين . وروي عن ابن شهاب أنه قال : " سأل رسول الله جبريل صلى الله عليه وسلم أن يتراءَى لَهُ في صُورَته ، فقال له جبريل : لا تُطيقُ ذلك ، إِنِّي أحبُّ أَنْ تَفْعَلَ فَخَرَجَ رسول الله إلى المصلّى فأتاهُ جبريل في صورته فَغَشِيَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه . ثم أفاق وجبريل صلى الله عليه وسلم مُسْنِدُهُ واضِعٌ إِحْدَى يديه على صدره والأخرى بين كتفيه ، فقال رسول الله : سبحان الله ما كنت أرَى شَيْئاً مِنَ الخَلْقِ هَكَذا . فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : فكيف لو رأيْتَ إسرافيل صلى الله عليه وسلم ، إنَّ لهُ لاثني عشر جناحاً منها جناح في المشرق وجناح في المغرب ، وإن العرش لعلى كاهليه وأنه ليتضاءل الأحيان من عظمة الله حتى يعود مثل الوَصَعِ - وَالوَصَعُ عُصْفُورٌ صَغيرٌ - حتى ما يحمِلُ عرْشَهُ إلاّ عظمَته " ذكر هذا الحديث علي بن سعيد . وقال ابن عباس في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً } [ النبأ : 38 ] : إنّ الرّوح ملك يقوم وحده صفاً مثل جميع ملائكة السماوات ، له ألف وجه ، في كل وجه ألف لسان ، كل لسان يسبّح الله بثنتين وسبعين لغة ، ليس منها لغة تشبه الأخرى ، لو أن الله تعالى أَسْمَعَ صوته أهل الأرض لخرجت أرواحهم من أجسامهم من شدّة صوته ، ولو سُلِّطَ على السماوات السبع والأرضين السبع لأدخلهنّ في فيه من أحد شدقيه ، يذكر الله في كل يوم مرتين فإذا ذكر الله خرج من فيه من النور قطع كأمثال الجبال العظام ، لولا أن الملائكة الذين من حول العرش يذكرون الله لاحترقوا من ذلك النور الذي يخرج من فيه ، موضع قدميه مسيرة سبعة آلاف سنة ، له ألف جناح ، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفاً وقامت الملائكة صفاً واحداً فيكون مثل صفوفهم . وقد روى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ اللهَ أَذِنَ لي أنْ أتحدَّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنَ الملائِكَةِ : إنّ ما بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ وَعاتِقِهِ ليَخْفِقُ الطَّيْرُ سبعِينَ عاماً " . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : يقدر على ما يشاء من الزيادة في الخلق والنقص منه وعلى غير ذلك من الأشياء كلها . ثم قال تعالى : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } أي : ما يعطي الله للناس من خير فلا ممسك له ، وما يحبس من ذلك فلا مرسل له من بعده ، له الأمر ومفاتح الخير بيده يفعل ما يشاء . وقيل : هو في المطر يرسله متى يشاء . وقيل : هو في الدعاء . ثم قال : { ٱلْعَزِيزُ } أي : في نقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبسه رحمته عنه . { ٱلْحَكِيمُ } في تدبيره خلقه . وقيل : الرحمة هنا الغيث . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } هذا خطاب للمشركين ، أي : اذكروا تفضُّلَ الله عليكم وتدبّروا أنه لا يرزقكم من السماء والأرض أحد غيره فيجب لكم ألاّ تعبدوا غيره . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا معبود غيره ، يرزقكم المطر من السماء والنبات من الأرض . ومن رفع " غير " جعله نَعْتاً لخالِقٍ " على الموضع . وقد ذكر اليزيدي أنه على التقديم والتأخير ، وأن المعنى : هل غَيْرُ الله من خالق . ويجوز أن يرفع " غير " بفعله فيكون تقدير الكلام : هل من خالق إلاّ الله . فلما جعلت " غير " موضع إلاّ ، رفعت كإعراب الاسم الذي بعد إلاّ . ومن خفض جعله نَعْتاً لـ " خالقٍ " على اللفظ . ويجوز النصب على الاستثناء . ثم قال : { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي : فمن أي وجه تصرفون عن خالقكم ورازقكم ، أي : من أين يقع لكم التكذيب بتوحيد الله وإنكار البعث . قال حميد الطّويل : قلت للحَسَنِ : من خلق الشّر ؟ فقال : سبحان الله / هل من خالق غير الله . قال : خلق الخير والشّر . ثم قال تعالى : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي : إن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله من قومك ، فإن ذلك سنة أمثالهم من كفرةِ الأمم من قبلهم في تكذيبهم الرُّسُلَ . قال قتادة : يُعزِّي نبيّه صلى الله عليه وسلم كما تسمعون . ثم قال : { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } أي : يرجع أمرك وأمرهم فيجازيهم على فعلهم . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } أي : إن وعدَ الله لكم بالعذاب على كفركم حق فلا يغرّنكُم ما أنتم فيه من العيش والمال في الدنيا ، أي : لا يخدعنّكم ذلك . ثم قال : { وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } أي : لا يخدعنّكم بالله الشيطان فيُعَنِّيكم بأن لا حساب ولا عقاب ولا بعث ، فيحملكم ذلك على الإصرار على الكفر ، قاله ابن عباس وقتادة . وقال ابن جبير : الغرور الحياة الدنيا ونعيمها ، يشتغل الإنسان بها عن عمل الآخرة حتى يقول : { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [ الفجر : 24 ] . وقُرِئَ " الغُرورُ " بالضمّ على أنه جمع غارّ ، كما يقال جالس وجُلوس فيكون معناه كمعنى الأول . وقيل : هو جمع غرّ وغَرّ مصدر . وقيل : هو مصدر ، وفيه بُعْدٌ لأن الفعل مُتعدٍّ ولم يأتِ في مصدر المتعدّي فعومل إلاّ في أشياء مسموعة مثل لزمته لزوماً ونهكه المرض نهوكاً . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ } أي : إن الشيطان الذي نهيتكم ألاّ يخدعكم ويغرّكم لكم عدو . { فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } أي : أنزلوه منزلة العدو لكم واحذروه ولا تطيعوه ، فإنما يدعو من أطاعه وهم حزبه . { لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } أي : من المخلّدين في نار جهنّم . ويقال : السعير : الطبقة السادسة من جهنم لأنها سبع طباق ، وطبقة تحت طبقة ، لكل طبقة باب ، كما قال : لها سبعة أبواب . فكل باب تحت الباب الذي فوقه أعاذنا الله منها . وعدو هنا بمعنى معاد ، فيجوز تثنيته وجمعه وتأنيثه ، فإن جعلته بمعنى النسب لم تجمع ولم تثن ولم يؤنث . وعلى هذا قال تعالى : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } [ الشعراء : 77 ] . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } يعني عذاب النار . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الآية ، أي : آمنوا بالله ورسله وكتبه وعملوا بطاعته . { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } أي : ستر على ذنوبهم . { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } : الجنة ، قاله قتادة وغيره . ثم قال تعالى : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ [ فَرَآهُ حَسَناً } مَنْ : رُفِعَ بالابتداء ، وخبره محذوف ، والتقدير : أفمن زين له سوء عمله ] فرآه حسناً ذهبت نفسك عليهم حسرات . والمعنى : أن الله نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يغتمّ بمن كفر به وألاّ يحزن عليهم ، وهذا مثل قوله : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [ الكهف : 6 ] أي : قاتلها . وقال الأصمعي في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أَهْلُ اليَمَنِ هُمْ أَرَقُ قُلُوباً وَأَبْخَعُ طَاعَةً " إنّ معنى " أبخع " : أنصح ، قال : وباخع نفسك من هذا ، كأنه من شدّة نصحه لهم قاتل نفسه . وقيل : التقدير في خبر الابتداء : أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً كمن هداه الله ، ودلّ على هذا المحذوف قوله بعد ذلك : { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } . ويدل على المحذوف في القول الأول : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ } . فلا يحسن الوقف على هذين القولين على " حسناً " ، وتقف على القول الثاني على { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } . ولا تقف على القول الأول إلاّ على { حَسَرَاتٍ } . والمعنى زين له الشيطان سوء عمله فأراه إياه حسناً . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } أي : ذو علم بعملهم ومحصيه عليهم ومجازيهم به . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } أي : الله الذي أرسل الرياح فتجمع سحاباً وتجيء به وتخرجه ، قاله أبو عبيدة . ثم قال تعالى : { فَسُقْنَاهُ } أي نسوقه . { إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ } أي : مجدب لا نبات فيه . { فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي : فنحيي به الأرض بعد جدوبها وننبت فيها الزرع بعد المَحْلِ . { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } أي : كذلك ينشر الله الموتى بعد بلائهم في قبورهم فيحييهم . روى أبو الزعراء عن عبد الله أنه قال : يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون ، فليس من بني آدم خلق إلاّ وفي الأرض منه شيء ، قال فيرسل الله جلّ ذكره ماء من تحت العرش مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرّجلِ فتَنْبَتُ أجسادهم وَلُحمانُهُم / من ذلك ما تَنبُتُ الأرض من الثرى ، ثم قرأ : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ } [ الروم : 48 ] الآية . قال : ثم يقوم ملك الصُّورِ بين السماء والأرض فينفخ فيها فتنطلق كل نفس إلى جسدها فتدخل فيه .