Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 10-12)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } إلى قوله : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . أي : من كان يريد العزّة بعبادة الأوثان والأصنام فإن لله العزّة جميعاً ، قاله مجاهد . وقال قتادة : معناه : من كان يريد أن يتعزز فليتعزز بطاعة الله . وقال الفراء : معناه من كان يريد علم العزة فإنها لله جميعاً ، أي : كلها له . وقيل المعنى : من كان يريد العزّة التي لا ذلة تعقبها فهي لله ، لأنّ العزّة إذا أعقبتها ذلة فهي ذلة إذ قصاراها للذلة . و " جميعاً " منصوب على الحال . أي : إن العزة في حال اجتماعها ، له في الدنيا والآخرة . ثم قال تعالى ذكره : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } أي : إلى الله يصعد ذكر العبد ربّه ، ويرفع ذكر العبد ربَّه العمل الصالح ، وهو العمل بطاعة الله . ويُقال : الكلم الطيب هو لا إله إلاّ الله ، يرفعه عمل الفرائض ، فإذا قال العبد لا إله إلاّ الله نظرت الملائكة إلى عمله ، فإن كان عمله موافقاً لقوله صعدا جميعاً ولهما دوي كدوي النحل حتى يقف بين يدي الله تعالى ، فينظر إلى قائلها نظرة لا يَبْؤُسُ بعدها أبداً ، وإذا كان عمله مخالفاً لقوله ، وقف حتى يموت من عمله . قال عبد الله : إنّا إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله عز وجل ، إن العبد المسلم إذا قال : سبحان الله وبحمده الحمد لله لا إله إلاّ الله والله أكبر تبارك الله ، أخذهن ملك فجعلهنّ تحت جناحه ثم يصعد بهنّ إلى السماء فلا يَمُرُّ بِهِنَّ على جَمْعٍ من الملائكة إلاّ استغفروا لقائلهنّ ، ثم قرأ عبد الله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } . وقال كعب : إن لسبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر لدويًّا حول العرش كدويّ النحل يذكرن بصاحبهنّ . والعمل في الخزائن . قال ابن عباس : { ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } ذكر الله ، و { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ } أداء فرائضه فمن ذكر الله في أداء فرائضه ، حمل عمله ذكر الله فصعد به إلى الله سبحانه . ومن ذكر الله ولم يؤدّ فرائضه رُدَّ كلامه على عمله فكان أولى به . وكذلك قال الحسن وابن جبير ومجاهد وأبو العالية والضحاك وقال شهر بن حوشب : " الكلم الطيب " القرآن ، و " العمل الصالح " يرفع القرآن . أي التوحيد يرفع القرآن . روي عن ابن مسعود أنه قال : إذا حدثناكم بحديث آتيناكم بتصديقه من كتاب الله عز وجل : خمس ما قالهنّ عبد مسلم إلاّ قبض عليهن ملكٌ فجعلهنّ تحت جناحه فيصعد بهن لا يمر بهنّ على جمع من الملائكة إلاّ استغفروا لقائلهن حتى يجيء بها الرحمن : الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وتبارك وتعالى ، ثم قرأ : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } . وعن قتادة أنه قال : العمل الصالح يرفعه الله . ويجب على هذا القول أن يكون الاختيار نصب " والعملَ الصالحَ " . وقيل : إن المعنى : والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب . ويجب أيضاً على هذا التأويل أن يكون الاختيار نصب " العمل الصالح " ، ولم يقرأ به أحد غير عيسى بن عمر . وما تقدم عند هذين من التأويلات لا يلزم فيها نصب " العمل " لأن الضمير لا يعود على العمل . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي يكتسبونها . { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } يعني عذاب جهنم . ثم قال : { وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي : وعمل هؤلاء المشركين هو يبطل ويهلك لأنه لم يكن لله . قال قتادة : يبور : يفسد . يقال بار ، يبور إذا هلك . وقال شهر بن حوشب : هم أصحاب الرياء . وقال أبو اسحاق : وقد بيّن الله مكرهم في سورة الأنفال فقال : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } [ الأنفال : 30 ] . " الكلم الطيب " وَقْفٌ إلاّ على قراءة من نصب " والعمل " . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } أي : خلق آدم الذي هو أبوكم من تراب ، ثم خلقكم يا ذرّيته من نطفة الرجل والمرأة { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً } أي أجناساً . / وقيل : معناه : زوج الأنثى للذكر . قاله قتادة وغيره . ثم قال تعالى : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } أي : هو عالم بوقت حمله ووقت وضعه وما هو أذكر أم انثى . ثم قال : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } أي : ما يطول في عمر أحد ولا ينقص غيره من مثل ما عمره إلاّ في كتاب قبل أن تحمل به أمه ، وقبل أن تضعه ، يجعل عمر هذا طويلاً وعمر هذا أنقص منه ، فلا يزاد في ذلك ولا ينقص منه . وقال ابن عباس قولاً معناه : ليس أحد قضى الله له طول عمر ببالغ دون ذلك ، ولا أحد قضى الله له قصر عمر ببالغ أطول من ذلك ، كل في كتاب مبين . يعني اللوح المحفوظ ، وهذا هو القول الأول بعينه . وكذلك قال الضحاك وابن زيد . قال ابن زيد : ألا ترى أن الإنسان يعيش مائة سنة ، والآخر يموت حين يولد . وهو مذهب الفراء ، فالهاء تعود على غير المعمر ، والمعنى : وما يعمر من إنسان تعمر ولا ينقص من ذلك العمر من عمر إنسان آخر إلاّ وهو في كتاب مبين . ويجوز أن تكون تعود على المعمر على حذف ، والتقدير : وما يعمر من معمّر ولا ينقص آخر من مثل عمر المعمر الأول إلاّ في كتاب . وقال ابن عباس وابن جبير : المعنى : ما يعمر من إنسان ولا ينقص من عمر ذلك الإنسان إلاّ في كتاب ، أي كلّما نقص من عمر ابن آدم فهو في كتاب ، أي يكتب نقص من عمره يوم ، نقص شهر ، نقص سنة ، في كتاب آخر إلى أن يستوفي أجله فيموت . قال ابن جبير : ما مضى من عمره فهو النقصان ، وما يستقبل فهو الذي يعمره ، وهذا اختيار أبي إسحاق وقوله . وكان كعب الأحبار يذهب إلى أن الإنسان يجوز أن يزاد في عمره ما لم يحضر الأجل . وروي أنه لما طُعِنَ عُمر رضي الله عنه قال : لو شاء الله لزاد في أجله فأنكر عليه ذلك المسلمون ، وقالوا : إن الله جلّ ذكره يقول : { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ النحل : 61 ] ، فقال : وإن الله يقول : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } . وقيل : إن معنى الآية : لن يكون بحكم أن عمرَ الإنسان مائة سنة إن أطاع الله وتسعون إن عصاه فأيّهما بلغ فهو في كتاب . ثم قال تعالى : { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي : إحصاء أعمار خلقه عليه يسير سهل . ثم قال تعالى ذكره : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } . أي ما يعتدلان . والفرات : أعذب العذب ، والملح الأجاج : ماء البحر . والأجاج : المر وهو أشد المياه ملوحة في مرارة . ثم قال : { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } أي : ومن كل البحار ، يعني لحم الحوت وغيره من صيد البحرين . ثم قال تعالى : { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } يعني اللؤلؤ والمرجان . فقال : { وَمِن كُلٍّ } ، فَعَمَّ ، وهما إنما يخرجان من الملح ، كما قال : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] أي من أحدهما ، هذا قول أبي اسحاق . وقيل : إن الأصداف التي منها الدُّرُّ وغيره إنما تستخرج من المواضع التي فيها الماء العذب والملح نحو العيون . وقال المبرد : قوله : { وَمِن كُلٍّ } يراد بها الملح خاصة كما قال تعالى : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [ القصص : 73 ] ، وكما تقول : لو رأيت الحسن والحجاج لرأيت خيراً كثيراً تريد به الحسن خاصة . والمعنى على قول المبرد : ومن كل الملح تستخرجون . ثم قال تعالى : { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ } . قال قتادة : تجري مقبلة ومدبرة . يقال : مخَرَتِ السفينة مَخْراً إذا خرقت الماء . قال ابن عباس : " مواخر " جواري ، يعني في الملح خاصة ، فلذلك قال " فيه " . والفُلْكُ جمع فَلَك كأسَدٍ وأُسُدٍ ، وَوَثَنٍ وَوُثْنٍ . ثم قال تعالى : { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي : في السفن يطلبون الرزق بالأسفار فيها . { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تشكرون على تسخيره إياها لكم وعلى غير ذلك .