Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 65-83)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله ( تعالى ذكره ) : { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ } إلى آخر السورة . أي : نطبع ( على ) أفواه المشركين . { وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ } أي : بما عملوا في الدنيا . { وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ } أي : بما سعت فيه من المعاصي . روي أن الذي ينطق ( من ) أرجلهم أفخاذهم من الرجل اليسرى . قال أبو موسى : يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة ، فيعرض عليه ربه عمله فيما بينه وبينه ، فيعترف فيقول : نعم إني عملته ، قال : فيغفر الله ( منه ) ذنوبه ويستره منها . ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربه عمله ، فيجحده فيقول : أي : ربي وعزتك لقد كتب عَليَّ هذا المَلَكُ ما لم أعمل ، فيقول له المَلَكُ : أما عملت كذا يوم كذا ؟ فيقول : ( لا ) وعزتك ، ( أي ) : رب ما عملته ، فإذا فعل ذلك ختم الله على فِيهِ . قال أبو موسى : فإني أحسب أول ما ينطق منه لفخذه اليمنى ثم تلى الآية : { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ … } . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أَوَّلُ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ مِنَ الإنْسَانِ يَوْمَ يُخْتَمُ عَلَى الأَفْوَاهِ فَخِذُهُ مِنْ رِجْلِهِ اليُسْرَى " ، رواه عقبة بن عامر عنه . ثم قال ( تعالى ) : { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } أي : لأعميناهم عن الهدى فلا يهتدون إلى طريق الحق أبداً . قاله ابن عباس . وقال الحسن : ( معناه ) : لو شاء لتركهم عمياً يترددون . وكذلك قال قتادة . وهو اختيار الطبري ، لأن القوم كانوا كفاراً ، فلا معنى لعماهم ( عن ) الهدى وهم كذلك كانوا ، والمعنى عنده : لو نشاء لعاقبناهم على كفرهم فأعميناهم فلا يبصرون طريقاً في تصرفهم إلى منازلهم ولا إلى غيرها . وقيل معنى : { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ } أي : فبادروا إذا حدث بهم العمى إلى منازلهم / ليلحقوا بأهلهم . والأَطْمَسُ هو الذي لا يكون بين عينه شق . وحكى الكسائي طَمَسَ يَطْمِسُ وَيَطْمُسُ . ثم قال ( تعالى ) : { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ } أي : لأفقدناهم جزاء على كفرهم ، فلا يستطيعون أن يمضوا إلى أمامهم ولا يرجعون إلى ورائهم ، هذا قول الحسن وقتادة . وقال ابن عباس : معناه : لأهلكناهم في منازلهم . وقيل : المعنى : لو شاء الله لمسخهم في الموضع الذي اجترؤوا فيه على معصية الله ، فلا يقدرون على المضي ولا على الرجوع . وقال ابن سلام : هذا كله في القيامة ، قال إذا كان يوم القيامة مُدَّ الصِّرَاطُ ، ونادى مُنادٍ لِيَقُمْ محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، فيقومون بَرُّهم وفَاجِرُهُمْ يتبعونه فيتجاوزوا الصراط فإذا صاروا عليها ، طمس الله أعين فُجَّارهم ، فاستبقوا الصراط فمن / أين يبصرونه حتى يجاوزوه ، ( قال ) : ثم ينادي مناد ليقم عيسى وأمته فيقومون فيتبعونه بَرُّهُمْ وفاجِرُهُم فيكون سبيلهم تلك السبيل ، وكذلك سائر الأنبياء . والعرب تقول مَكَانٌ وَمَكَانَةٌ ، وَدَارٌ وَدَارَةٌ . وحتى ابن الأعرابي : أن العرب تجمع مكاناً على أمكنة ومكنات . ثم قال ( تعالى ) : { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ } أي : نرده إلى مثل حاله الأولى من الضعف وقلة العلم والفهم ، بمنزلة قوله : { لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً } [ النحل : 70 ] . ثم قال : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ } أي : لم نُعَلِّمَ محمداً الشعر ، بل علمناه القرآن ، وليس هو شعر كما قال المشركون . { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } أي : ما ينبغي له أن يكون شاعراً . وقيل : معناه : ما يسهل له قول الشعر . وقالت عائشة : " لَمْ يَتَمَثَّلْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِبَيْتِ شِعْرٍ قَطُّ إِلاَّ بِبَيْتِ طَرَفة فَجَعَلَ آخِرَهُ أَوَّلَهُ وأَوَّلَهُ آخِرَهْ ، وهو قول طرفة : " سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً " البيت . فكان يقول : وَيَأْتِيكَ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ بِالأَخْبَارِ . فأما ما روي عنه من قوله صلى الله عليه وسلم : " " أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ * أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ " " . فإنه فيما ذُكِرَ أنه كان يعرب : ( كذباً ) و ( المطلب ) ، وإذا أعربها لم يكن شعراً . ثم قال : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } أي : ما هذا القرآن إلا ذكر وليس بشعر ، أنزله على محمد لينذر من كان حياً ، وهو المؤمن ، مثل قوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } [ يس : 11 ] . وقال الضحاك : مَنْ كَانَ حَيَّاً هو العاقل . ثم قال : { وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } أي : ويجب عليهم العذاب الذي تقدم لهم في علم الله أنهم صائرون إليه بكفرهم . ثم قال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً } أي : أو لم ير هؤلاء المشركون أنا خلقنا لهم من خَلْقِنَا أنعاماً ، وهي المواشي والإبل ، ومعنى { أَيْدِينَآ } أي : بقوتنا وقدرتنا كان خَلْقُنَا لَهُمْ . [ ثم قال : { فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } أي : مصرفون لهم كيف شاؤوا ] . ثم قالوا : { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ } ( أي ) : سهلناها لهم فلا تعدو عليهم . { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ } أي : ما يركبون . وقرأت عائشة " رَكُوبَتُهُمْ " . قال أبو عبيدة : الرَّكُوبَة تكون للواحدة والجماعة ، والركوب لا يكون إلا للجماعة . قال البصريون : حذفت الهاء من " ركوبهم " على النسب ، والأصل الهاء . قال الكوفيون : العرب تفرق في فَعُول بين ماله الفعل ، وبين ما الفعل واقع عليه ، فيقولون : امرأة صبور وشكور ، بغير هاء ، ويقولون : شاة حَلُوبَةٌ ونَاقَةٌ رَكُوبَةٌ . ثم قال ( تعالى ) : { وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } ( أي ) : لحوم الإبل والمواشي . ( ثم قال تعالى ) : { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } يعني في أصوافها وأوبارها وجلودها وغير ذلك . ثم قال : { وَمَشَارِبُ } يعني ألبانها . { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } أي : يشكرون الله على هذه النعم التي خلق ( لهم ) . ثم قال [ تعالى : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً } ] يعني : هؤلاء المشركين اتخذوا الأصنام آلهة . { لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } ، ( أي ) : طمعاً أن ينصروهم من عقاب الله . { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ } أي : من عقاب الله ، أي لا تستطيع الآلهة نصر هؤلاء المشركين ولا غيرهم . ثم قال : { وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } [ أي : هؤلاء المشركون ] لآلهتهم جند محضرون عند الحساب ، قاله مجاهد . وقال قتادة : معناه محضرون في الدنيا يغضبون إذا ذكرت / آلهتهم بسوء . وقيل : المعنى : أنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدون يوم القيامة فيتبعونه إلى النار ، فهم جند لهم محضرون معهم في النار . ثم قال ( تعالى ) : { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : لا تحزن من قولهم : إنك شاعر ، ولا من تكذيبهم لك . { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } أي : نعلم إنما يدعوهم إلى ذلك الحسد وأنهم يعلمون أنك جئتهم بالحق ، ونعلم ما يعلنون من كفرهم وجحودهم لما جئتهم به . ثم قال ( تعالى ذكره ) : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ } قيل : عني به أمية بن خلف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ، ففته ثم ذراه في الريح ، فقال : مَنْ يُحِيِي العظام وهي رميم ، قاله قتادة ومجاهد . وروى قتادة " أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابه ، فقال له : " الله يُحْيِيْكَ ، ثُمَّ يُمِيتُكَ ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ النَّارَ " ، فَقَتَلَهُ رَسُولُ الله يَوْمَ أُحُدٍ " . وقال ابن جبير : وهو العَاصِي بنُ وائِل السَّهْمِي . وقيل : عني به عبد الله بن أُبَيّ . قاله ابن عباس . وفي هذا نزلت : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } إلى آخر السورة . قال ابن عباس : " جاء أُبي بن خلف إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل بَالٍ فكسره وفته بيده ، ثم قال : يا محمد ، كيف يبعث الله هذا ( وهو رميم ) ؟ ( فقال له ) ( النبي صلى الله عليه وسلم ) : " يَبْعَثُ الله هَذَا ثُمَّ يُمِيتُكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ جَهَنَّمَ " " . وكذلك ذكر ابن جبير في العاصي بن وائل . وروى ابن وهب : أن الذي قال ذلك هو أبي بن خلف الجمحي . وهو الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده فمات من طعنة رسول الله بالحربة بعد أن رجع إلى مكة . وعن ابن عباس : أنه عبد الله بن أبي . والسورة مكية وعبد الله بن أبي لم [ يكن بمكة إنما كان بالمدينة ، فأُبي بن خلف أشبه به لأنه بمكة ] كان معانداً للنبي صلى الله عليه وسلم . فالمعنى : ألم يَرَ هذا الذي قال : من يحيي العظام وهي رميم ، أنا خلقناه من نطفة ، وهي أضعف من العظم ، فسويناه بشراً سوياً ، فيعلم أن من فعل هذا قادر على إحياء العظام بعد كونها رميماً . وقوله : { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } أي : ذو خصومة لربه ، يخاصمه فيما قال له ربه : إني فاعله ، فينكره . ثم قال : [ تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } ] . أي : ضرب مثلاً بالعظم الرميم ، فقال من يحييه ؟ وأنكر إحياءه ، ونسي أنه خلق من نطفة من ماء معين حقير ، فجعله الله بشراً سوياً ناطقاً . ثم قال ( تعالى ) : { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي : قل له يا محمد : الذي خلق هذه العظام من ماء حقير مهين ، هو الذي يحييها بعدما تكون رميماً . ثم قال ( تعالى ) : { وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } أي : ذو علم بجميع خلقه ، يُحيي ويُميت ، ويُبدئ ويُعيد ، لا يخفى عليه شيء . يعلم ما تنقص الأرض ( من ) لحومهم وعظامهم وسائر جثمانهم ، فيعيدها كما كانت أول مرة . ثم قال ( تعالى ذكره ) : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً } يعني : المَرَخُ والعُفَّارُ ، يستعمل منه الأعراب الزنود . فالذي خلق النار واستخرجه لكم من شجر أخضر مائي - والماء ضد النار بِحَرِّهِ وَيُبْسِهِ - هو الذي يقدر على أن يحيي العظام وهي رميم . وهذه الآية تدل على جواز القياس لأنه جَعَلَ خلق الشيء دليلاً على خلق غيره . ثم قال ( تعالى ) : { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } . هذا كله تنبيه للمُنْكِرِ للبعث ، والمعنى : أوليس الذي خلق السماوات والأرضين على عظمهن وسعتهم ، وما في السماوات من الآيات كالشمس والقمر والنجوم ، وما في الأرض من الآيات كالبحار والجبال والشجر بقادر على أن يعيد مثل هؤلاء الذين قد صاروا رميماً ، فليس إعادة الخلق بعد الموت بأعظم من ( خلق ) السماوات والأرض وما فيهن من الآيات ، فمن لم يتعذر عليه خلق العظيم كيف يتعذر عليه خلق اليسير ؟ ! ثم قال ( تعالى ) : { بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } أي : بل يخلق مثلهم ، وهو الخلاق لما يشاء ، العليم بكل ( ما ) خلق . ثم قال تعالى : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } قال قتادة : ليس من كلام العرب شيء هو أخف من كُنْ ولا أهون ، فأمر الله كذلك . ثم قال تعالى : { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : فتنزيه للذي بيده ملك / كل شيء وخزائنه ( يفعل ) ما يشاء وإليه تردون بعد مماتكم وتصيرون . قال قتادة : ملكوت كل شيء : مفاتيح كل شيء . وملكوت وملكوتي في كلام العرب بمعنى مِلْك . قال نافع : " بَلَى " تمام . وكذلك قال محمد بن عيسى والقتبي . وقيل : " مِثْلَهُمْ " التمام ، والأول أحسن . ( و ) " فيكون " تمام .