Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 52-64)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
( قوله تعالى ذكره ) : { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } إلى / قوله : { بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } . أي : يقول ذلك المشركون إذا نُفِخَ في الصُّورِ نفخة البعث . قال أُبَيٌّ بن كعب : ناموا نومة قبل البعث . وكذلك قال قتادة . قال مجاهد : يهجع الكفار قبل يوم القيامة هجعة يذوقون فيها النوم ، فإذا قامت القيامة قالوا : { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } . ثم قال : { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ } . قال قتادة : قال لهم أهل الهدى : { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } . وقال مجاهد : قال ذلك لهم المؤمنون ( المرسلون ) . وقال ابن زيد : هو من قول بعضهم لبعض ، صدقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به من البعث بعد الموت . وقال الفراء : هو من قول الملائكة لهم . وهذا القول موافق لقول قتادة ، لأن الملائكة أهل هدى . وكذلك يتأول قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ / وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } [ البينة : 7 ] . وكذلك الحديث : " المُؤْمِنُ عِنْدَ الله خَيْرٌ مِنْ كُلِّ مَا خَلَقَ " وهو قول القتبي . والوقف على " مَرْقَدِنَا " إجماع إلا ما حكى أحمد بن جعفر أنه يوقف على " هذا " ، ثم يبتدئ : { مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ } ، أي : بعثكم ما وعد الرحمن . وقرأ ابن عباس : " مِنْ بَعْثِنَا " بكسر الميم وخفض البعث . فالوقف على { يٰوَيْلَنَا } جائز إلا على هذه القراءة لأن من متعلقة بما قبلها . ثم قال ( تعالى ) : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } أي : قد حضروا للعرض على الله . وقد تقدم ذكر هذا . ثم قال ( تعالى ) : { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ } لا يُنْقَصُ من أجرها ولا يُحْمَل عليها وزر غيرها . { وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ولا تكافؤون إلا مكافأة أعمالكم في الدنيا . ثم قال ( تعالى ) : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } . قال مجاهد : شغلهم افتضاض ( الأبكار ) . [ وقال ابن مسعود : افتضاض العذارى ] . وهو قول ابن المسيب . وقال أبو قِلابة : بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له تحول إلى أهلك . وقيل : " فِي شُغْلٍ " في نعمة . وقيل : في شغل عما فيه أهل النار . والشُّغْلُ والشُّغُلُ لغتان كالبُخْلُ والبُخُلُ . وقرأ أبو جعفر : ( فَكِهُونَ ) . وهو عند الفراء مثل فاكهين في المعنى كَحَذِرٍ وحَاذِرٍ . وقال أبو زيد : رجل فَكِهٌ إذا كان طيب النفس ضَحُوكاً . وقال قتادة : " فكهون " معجبون . قال ابن عباس : " فاكهون " فرحون . وقال بعض أهل اللغة : الفاكه الكثير الفاكهة ، وكذلك تَامِرٌ وَلاَحِمٌ وَشَاحِمٌ إذا كثر ذلك عنده . وقرأ طلحة بن مُصَرِّف : " فَاكِهِينَ " بالنصب على الحال ، وجعل في شغل الخبر . ثم قال : { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ } يعني أزواجهم من أهل الجنة . وظلال جمع ظُلَّةٍ كقُلَّةٍ وَقِلاَلٍ ، ويجوز أن يكون جمع ظِل . ومن قرأ " ظُلَلٍ " جعله أيضاً جمع ظُلَّة . كغُرفة وغُرَف ، وظلْمَةٍ وظُلَمٍ ، وَحُلَّةٍ وَحُلَلٍ . وقوله : { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } أي : على السُّرُرِ في الحجال ، واحدها أريكة . وقيل : ( كل ) فراش أريكة . والقول الأول هو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة . قال أبو إسحاق : { ٱلأَرَآئِكِ } الفرش في الحجال ، ( وقيل الفرش ) ، وقيل : الأسرة . واختار أن تكون الفرش كانت في حجال أو في غير حجال . وقيل : الأرائك أسرة الذهب مكللة بالزَّبَرْجَدِ والدُّرِّ واليَاقُوتِ . والأريكة الواحدة مثل ما بين صَنْعَاءَ إلى أَيْلَةَ ، وليس في الجنة نوم ، إنما هو الاتكاء عليها . ثم قال : { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } أي : يتمنون ، ويدعون : يفتعلون من دعا ، و " ما " في موضع رفع بالابتداء ، و " لهم " الخبر . ثم قال : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } سلام بدل من " ما " ، ومعناه : ولهم أن يسلم الله عليهم ، وذلك غاية أمنيتهم . ويجوز أن تكون " ما " نكرة ، " وسلام " نعت لها ، بمعنى مسلم لهم . ويجوز أن يكون " سلام " خبراً عن " ما " . وفي حرف ابن مسعود : " سَلاَماً " ، نصب على المصدر أو في موضع الحال بمعنى مسلماً لهم . " وقولاً " مصدر ، أي : يقولونه قولاً يوم القيامة ، أو يقوله الله لهم قولاً . قال محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبد العزيز : إذا فَرَغَ الله ( من ) أهل الجنة وأهل النار ، أقبل في ظل من الغمام والملائكة إلى أول درجة ، فيسلم عليهم فيردون السلام / ، وهو في القرآن { سَلاَمٌ ( قَوْلاً ) مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } ، فيقول : اسألوا ، فيقولون : ما نسألك وعزتك وجلالك لو أنك قسمت بيننا أرزاق الثقلين لأطعمناهم وسقيناهم وكسوناهم ، ( فيقول : سلوني ) ، فيقولون : نسألك رضاك ، فيقول : رضائي أَحَلَّكُمْ دَارَ كَرَامَتِي . فيفعل ذلك بأهل كل درجة . قال : ولو أن امرأة من الحُورِ تَطَلَّعَتْ لأَهْلِ الأرض لأطفأ ضوء سِوَارِهَا الشمس والقمر ، فكيف بِالمُسَوَّرَةِ . وأجاز أبو حاتم الوقف على : " سلام " ، وهو لا يجوز ، لأن الجملة التي قبل قَوْلٍ عملت فيه فقامت مقام العامل . ثم قال ( تعالى ) : { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } ( أي ) : اعتزلوا وانفردوا أيها الكافرون عن المؤمنين . قال قتادة : عزلوا عن كل خير . وروى محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أَمَرَ الله جَلَّ ذِكْرُهُ جَهَنّمَ ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ ، ثُمَّ يَقُولُ / : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } إلى [ قوله : { كُنتُمْ ] تُوعَدُونَ } ثم يقول : { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } ، فَيَتَميَّزُ النَّاسُ ويَجْثُونَ ، وهو قوله ( تعالى ذكره ) : { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } ( كُلُّ أُمَّةٍ ) { تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } " . وقوله : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ } أي : ( ثم قال ) : ألم أوصيكم وآمركم في الدنيا ألا تطيعوا الشيطان في المعاصي ، وأعلمتكم أنه لكم عدو مبين ، وأنه أخرج أبويكم من الجنة لِعَدَاوَتِهِ لَهُمَا . ثم قال : { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي } أي : ألم أعهد إليكم أن اعبدوني وأخلصوا العبادة لي . { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي : عبادتكم إياي خالصاً هو الصراط المستقيم . ثم قال ( تعالى ) : { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } أي : أضل الشيطان منكم خلقاً كثيراً فأطاعوه ، وجِبِلاًّ بكسر الجيم ، والتشديد جمع جِبِلَّة . و ( من ) قرأ بضم الجيم والباء والتخفيف جعله جمع جَبِيلٍ كَسَبِيلٍ وَسُبُلٍ . وَجَبيلٍ معدول عن مَجْبُولٍ كَجَريحٍ بمعنى مَجْرُوحٍ . وكذلك قراءة من أسكن الباء وضم الجيم وخفف ، إنما أراد الضم ولكن أسكن استخفافاً . ثم قال : { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } أي : تفهمون أنه لا ينبغي أن يطاع من هو عدو ، والكلام كله بمعنى التوبيخ والتقرير ، أي قد عهدت إليكم ذلك . ثم قال : { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } أي : في الدنيا ، فتكذبون ( بها ) . ( و ) جهنم أول باب من أبواب النار . ثم قال : { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ } ( أي ) : احترقوا فيها ، وَرَدُوهَا جزاء بكفرهم في الدنيا بها وبالله ورسله .