Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-12)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله ( تعالى ذكره ) : { وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } الى قوله : { ( بَلْ عَجِبْتَ ) وَيَسْخَرُونَ } . أي : ورب الصافات ، وهي الملائكة بإجماع . وهو جمع صافة ، كأنها جماعات مصطفة لذكر الله وتسبيحه . قال ابن عباس : الملائكة صفوف ، لا يعرف كل منهم مَنْ إلى جانبه لم يلتفت منذ خلقه الله . يسبحون ويهللون ويحمدون الله ( ويمجدونه ) . والزاجرات : جمع زاجرة ، أي : تزجر عن معاصي الله ، وهي الملائكة ، قال ذلك ابن مسعود والسدي . وقيل : الزاجرات : الملائكة تزجر السحاب ، تسوقه إلى المواضع التي يريد الله سقيها ، قاله مجاهد والسدي أيضاً . وقال قتادة : الزاجرات : ما زجر الله ( عنه ) في القرآن . فهي أي القرآن التي زجرنا الله بها . قال قتادة : الزاجرات كل ما زجر عنه . ثم قال ( تعالى ) : { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } . يعني : الملائكة تتلو ذكر الله وكلامه ، قاله مجاهد والسدي . وقال قتادة : هو يُتْلَى عليكم في القرآن من أخبار الأمم قبلكم . ثم قال : { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } أي : إن معبودكم واحد . وإن جواب القسم . ثم قال : { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي : مالك ذلك ومدبره . { وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } أي : ومَالِكُ مشارق الشمس ، ومدبرها في الشتاء والصيف ، وحذف ذكر المغارب لدلالة الكلام عليه لأن ذكر المشارق يدل على أن ثم مغارب . قال السدي : المشارق ستون وثلاث مائة مشرق ، والمغارب مثلها عدد أيام السنة . قال ابن عباس : للشمس كل يوم مشرق ، وكل يوم مغرب ، فتلك المشارق والمغارب ، وللصيف مشرق ومغرب ، وللشتاء مشرق ومغرب ، فذلك كقوله : { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [ الرحمن : 17 ] . ثم قال تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } من أضاف زينة فمعناه تتزين الكواكب ، أي بحسنها . ومن نوّن زينة وخفض " الكواكب " ، جعل الكواكب بدلاً من زينة . ومن نون زينة ونصب " الكواكب " أعمل زينة في الكواكب ، وإن شئت جعلت " الكواكب " بدلاً ( من زينة ) على الموضع . وإن شئت نصبت على إضمار : أعني . وقرئت بتنوين " زينة " ورفع " الكواكب " ، على تقدير بأن زينتها الكواكب . ثم قال : { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } أي : وحفظناها حِفْظاً . فحِفْظٌ نصب على المصدر . وقال بعض الكوفيين : هو مفعول من أجله ، والواو زائدة . والتقدير عنده : إنا زينا السماء الدنيا حفظاً لها ، أي للحفظ . ومعنى : { ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا } السماء التي تليكم ، وهي أدنى إليكم من غيرها من السماوات ، ودل ذلك على أن سائر السماوات ليس فيها من الكواكب ما في هذه السماء القريبة منا . والمارد : العاتي الخبيث . ثم قال ( تعالى ) : { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } أي : لا يميلون بسمعهم إلى ما تقول الملائكة ( في ) السماء للحفيظ الذي في السماء . تقول : سَمِعْتُ إليه يقول كذا ، أي أملت بسمعي إليه . قال ابن عباس : ( هم ) لا يسمعون وهم ( لا ) يتسمعون . فهذا شاهد للتخفيف . ويدل على قوة قراءة التخفيف قوله تعالى : { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [ الشعراء : 212 ] ولم يقل عن التسمع . ومن قرأ بالتشديد فمعناه : أنهم مُنِعُوا من السَّمع ومن التَّسَمُّعِ ، وإذا مُنِعوا من السمع فهم عن التَّسَمُّعِ أعظم منعاً . فالتسمع في النفي أبلغ . قال ابن عباس : " كانت للشياطين مقاعد في السماء ، وكانوا يسمعون الوحي ، وكانت النجوم لا تجري وكانت الشياطين لا تُرْمَى . قال : فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض فزادوا في الكلمة تسعاً . قال : فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاءه شهاب فلم / يُخْطِئه حتى يحرقه . قال : فَشَكواْ ذلك إلى إبليس فقال : ما هو إلا من حَدَثٍ . قال : " فَبَثَّ جُنودَه فإذا رسول الله قائم يصلي . قال : فرجعوا إلى إبليس فأخبروه ، فقال : هذا الذي حدث " . ثم قال ( تعالى ) : { وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً } أي : ويُرْمون من كل جانب من السماء دحوراً ، ودحوراً مصدر دحرته ( أي ) دفعته وأبعدته ، يقال اللّهمَّ ادْحَرْ ( عَنَّا ) الشَّيْطَانَ ، أي : ادفعه عنّا وأبعِده . قال قتادة : " دحوراً " قذفاً بالشّهب . وقال مجاهد : من كل مكان مطرودين . فيقذفون مستأنف ، وليس بمعطوف على يسمعون ، لأنه نفي ويقذفون أيجاب . ثم قال : { وَلَهُمْ عَذابٌ / وَاصِبٌ } أي : وللشيطان من الله عذاب دائم ، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن زيد . وقال أبو صالح والسدي : " واصب " موجع . وعلى القول الأول أهل اللغة . ثم قال : { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } مَنْ في موضع رفع على البدل من المضمر في " يسمعون " ، أو في موضع نصب على الاستثناء من المنفي عنه السمع ، والبدل أحسن . وقيل : هو في موضع نصب على الإستثناء من قوله : " ويقذفون " ، لأنه إيجاب . ويجوز أن تكون في موضع ( رفع ) على معنى : لكن من خطف . ومعنى الآية : من استرق السمع من الشياطين . { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } أي : مضيء متوقد . قال ابن عباس : تحرقهم الشهب من غير موت ولا قتل . قال السدي : يحرقه حين يرمى به . قال الضحاك : للشياطين أجنحة بها يطيرون إلى السماء . يقال : إذا أخذ الإنسان الشيء بسرعة خَطَفَه وخَطِفَهُ واخْتَطَفَهُ وتَخَطَّفَه . وأصله : اختطفه ، ثم أدغمت التاء في الطاء ( وأُلْقِيَت حركتها على الخاء فاستغني عن ألف الوصل ، ويقال : خطفه وأصله أيضاً اختطفه وأُدْغِمت التاء في الطاء ) وحُذِفَتْ حركتها . ثم حُرِّكَت الخاء إلى الكسر لإلتقاء الساكنين واستغني عن ألف الوصل أيضاً ، ويقال : خطفه على هذا التقدير ، إلا أنه كسر الطاء اتباعاً لكسرة الخاء . أجاز يعقوب ( أن نقف على : ) " من كل جانب " . ومنعه غيره لأنه قام مقام العامل في دحوراً . والتمام " دحوراً " . والشهب التي يرمون بها ليست من الكواكب الثابتة ، لأنا نراها ونرى حركتها ، فهي أقرب إلينا من الكواكب الثابتة ، ولذلك لا نرى حركات الكواكب الثابتة ، وهي تجري بلا شك ، لكن لا يُرى جريها لبعدها منا . ثم قال ( تعالى ) : { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً [ أَم مَّنْ خَلَقْنَآ ] } أي : سل يا محمد هؤلاء المشركين المنكرين للبعث ، أهم أشد خلقاً أم من تقدم ذكره من الملائكة والسماوات والأرضين والجن ؟ . وفي قراءة ابن مسعود " ( أَمْ ) مَنْ عَدَدْنَا " . ثم قال ( تعالى ) : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } أي : لاحق علك ، يعني آدم لأنه خُلِق من ماء وتراب و ( نار ) وهواء . والعرب تقول للذين يلزق هو لازب ، ولازم ، ولابث . قال ابن عباس : اللازب الحر الجيد اللازق . وقال ابن جبير : اللازب الجيد . وقال قتادة : اللازب اللزق الذي يلتزق باليد . وهو قول ابن زيد . ثم قال ( تعالى ذكره ) : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } أي : عجبت يا محمد مما يأتون به من إنكارهم للتوحيد وللبعث ، وهم يسخرون . ودليل إضافة العجب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله : { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } [ الرعد : 5 ] . فأما من ضم التاء فإنه أضاف العجب إلى الله جل ذكره ، والعجب منه تعالى ذكره مخالف للعجب من عباده ، لأن العجب من الخلق إنما هو أن يطرأ عليهم ما لم يكونوا يظنون فيعجبون منه ، وهذا لا يضاف إلى الله لأنه تعالى عالم بجميع الأشياء ، ولكن معناه ( من الله ) جل ذكره ، بل جعلته عجباً ورأيت من أفعالهم ما يُتَعَجَّبُ منه وظهر منه عجب ، ودليله قوله : { فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } [ الرعد : 5 ] ، أي : فقولهم مما يجب أن يعجب منه . وقيل : المعنى : قل يا محمد : بل عَجِبْتُ . فيكون مضافاً إلى النبي كفتح التاء . والمعنى على قول قتادة : عجب محمد من هذا القرآن حين أعطيه ، وسخر منه الكفار .