Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 13-44)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله ( تعالى ذكره ) : { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ } إلى قوله { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } . أي : وإذا ذُكِّرَ هؤلاء / الكفار بالله وأياته وخُوِّفوا عذابه ، لا يذكرون ولا يخافون ، وإذا رأوا آية من آيات القرآن يهزؤون . ثم قال : { وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي : وقال المشركون ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر مبين لمن تأمله ورآه أنه سحر . ثم قال : { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } أي : قالوا : أَنُبْعَث إذا كنا تراباً ، وعظاماً في التراب . { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } أي : أَوَ يبعث آباؤنا الماضون ، أَنْكَروا البعث فقال ( الله ) جل ذكره لنبيه . { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } أي : قل يا محمد لهم : نعم تبعثون من قبوركم وأنتم صاغرون . ثم قال ( تعالى ) : { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } أي : صيحة واحدة ، وذلك هو النفخ في الصور . { فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } أي : شاخصة أبصارهم / ينظرون إلى ما كانوا يوعدونه من قيام الساعة . وقيل : " ينظرون " معناه : ينظر بعضهم بعضاً . وقيل : معناه ينتظرون ما يفعل بهم . ثم قال : { وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } أي : وقال هؤلاء المكذبون بالبعث لما عاينوا ما كانوا يوعدون : يا ويلنا هذا يوم الجزاء والحساب - وقد تقدم ذكر معنى الويل - ، فقالت لهم الملائكة : { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي : يوم القضاء بين الخلق . والوقف على : " الدين " حسن لأن ما بعده من قول الملائكة لهم . وأجاز أبو حاتم أن نقف على " يا ويلنا " ، على أن يكون " هذا يوم الدين " وما بعده قول الملائكة لهم . ثم قال : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } أي : فيقال : اجمعوا الذين ظلموا في الدنيا وأشياعهم على الكفر بالله . { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } من دون الله من الأصنام والأوثان . قال ابن عباس : " وأزواجهم " نظراؤهم وأتباعهم في الظلم . وقال قتادة وأبو العالية : ( " وأزواجهم " ) أشياعهم ، الكفار مع الكفار . وقال ابن زيد : " وأزواجهم " في الأعمال . وقال مجاهد : " وأزواجهم " أمثالهم . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الزاني مع الزاني ، وشرب الخمر مع شارب الخمر ، وصاحب السرقة مع صاحب السرقة . وقال أهل اللغة : أزواجهم قرناؤهم ، ( و ) منه زوجت الرجل ، ( أي ) قرنته بامرأة . ثم قال ( تعالى ) : { فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } أي : فأرشدوهم ودلوهم إلى طريق جهنم . والجحيم : الباب الرابع من أبواب النار . ثم قال ( تعالى ) : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } أي : واحبسوهم أيها الملائكة إنهم مسؤولون . روي عن ابن مسعود أنه قال : يقال لهم : هل يعجبكم ورود الماء ؟ فيقولون : نعم ، فيريهم جهنم وهي كهيئة السراب . وقيل : المعنى أنهم مسؤولون عما كانوا يعبدون من دون الله . ثم قال : { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } أي : لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم تعملون في الدنيا . { بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } أي : مستسلمون لأمر الله وقضائه ، فهم موقنون بعذابه . ثم قال : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } . قال قتادة : أقبل الإنس على قرنائهم من الجن يتساءلون ، قال الإنس للجن : { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } أي : من قبل الدين ( والحق ) فتخدعوننا بأقوى الوجوه . واليمين : القوة والقدرة في كلام العرب . وقيل : معنى { ( عَنِ ) ٱلْيَمِينِ } من جهة أيماننا لأن إبليس اللعين قال : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } [ الأعراف : 17 ] . فمن أتاه الشيطان ( من ) عن يمينه أتاه من قبل الذين فيلبس عليه الحق ، ومن أتاه ( من ) عن شماله أتاه من جهة الشهوات ، ومن أتاه من بين يديه أتاه من جهة التكذيب بالجزاء والبعث ، ومن أتاه من خلفه أتاه من جهة الفقر على نفسه وعلى من يخلفه بعده . وعن اليمين : من قبل الدين أيضاً . ( وهو أيضاً ) قول مجاهد والسدي وابن زيد . وقال قتادة أيضاً : " عن اليمين " : من قبل الخير فتنهوننا عنه . وقال السدي : " عن اليمين " : من قبل الدين ، به يزينون لنا بالباطل ويصدوننا عن الحق . وليس هذا بمناف لقوله : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] ، لأن معنى هذا : لا يتساءلون بالأنساب والأرحام كما كانوا في الدنيا فيقول بعضهم لبعض : أسألك بالله والرحم . وقيل : معنى قوله : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } عنى به المشركين ، يقول بعضهم لبعض : كنتم تأتوننا عن اليمين ، أي : من الجهة التي نحبها ونتفاءل بها . والعرب تتفاءل / بما جاء عن اليمين وتسميه السانح . وقيل : معناه : تأتوننا إتيان من إذا حلف لنا صدقناه . فأجابوهم فَقَالُوا ( لهم ) { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } أي : مقرين بتوحيد الله . { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي : من قدرة ولا حجة فنصدكم بها عن الحق والأيمان ، { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ } ( أي طاغين ) على الله ، متعدين إلى ما ليس لكم بحق ( من ) معصية الله . قال قتادة : هو من قول الجن للإنس . ثم قال ( تعالى ) : { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ } أي : فوجب علينا / عذاب ربنا إنا لذائقون نحن وأنتم العذاب ، هذا خبر من الله جل ذكره عن قول الجن للإنس . ثم قال : { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } أي قالت الجن للإنس : فأضللناكم عن الحق بالوسوسة والاستدعاء والتزيين ، أي كنا ضالين . قال الله جل ( ثناؤه ) وذكره : { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } أي : كما اشتركوا في الدنيا في الكفر بالله والضلال ، كذلك يشتركون في الآخرة والعذاب . قال ابن زيد : اشترك المشركون والشياطين في عذاب جهنم . ثم قال ( تعالى ) : { إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } أي : يقول الله جل ذكره : إنا هكذا نفعل بالذين اكتسبوا الكفر والمعاصي في الدنيا ، ثم بَيَّنَ أَنّ مِنْ كُفرهم أنهم كانوا إذا قيل لهم : لا إله إلا الله ، يستكبرون ، أي : إذا قيل لهم في الدنيا : قولوا لا إله إلا الله ، يستكبرون عن قولها ، أي : يتعظمون ، وحذفت قولوا لدلالة الكلام عليها . قال السدي : يعني بذلك المشركين خاصة . قال عمر بن الخطاب : احضروا موتاكم ولقنوهم : لا إله إلا الله ، فإنهم يرون ويسمعون . ثم قال ( تعالى ) : { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } أي : وكانوا في الدنيا - يعني المشركين - ( يقولون ) : أنترك عبادة الأصنام والأوثان ، لما يأمر به شاعر مجنون من أن نقول : لا إله إلا الله ، يعنون بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم . قال الله جلَّ ذكره : { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي : بل جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالحق ولم يأت بشعر ، وصَدَّقَ بما جاء به المرسلون ، أي : كتبهم ، لأن في كتب المرسلين قبله أنه سيبعث بكتاب من عند الله ، وفي ما جاء به محمد ذكر المرسلين وتصديقهم بما أتوا به من الكتب . ثم قال ( تعالى ) : { إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ } أي : إنكم أيها القائلون لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( شاعر مجنون ، والمتعظمون عن قول : لا إله إلا الله ) ، لذائقوا العذاب الموجع في الآخرة . { وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : ثواب عملكم في الدنيا . ثم قال : { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي : إلا عباد الله الذين أخلصهم يوم خلقهم لرحمته ، فإنهم لا يذوقون العذاب الأليم . ومن قرأ بكسر اللام فمعناه : إلا عباد الله الذين أخلصوا له العمل والتوحيد . ثم قال : { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } . قال قتادة : هو الجنة . وقيل : هو الفواكه التي خلقها ( الله ) لهم في الجنة . ثم قال : { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } أي : الرزق المعلوم كونهم ذوي فواكه ، وإكرام الله لهم بكرامته في جنات ( النعيم ) . قال مالك بن دينار : بلغني أن جنات النعيم بين جنان الفردوس وبين جنان عدن ، وأن فيها جواري خلقن من وَرْدِ الجنة ، وأن سكانها ( الذين ) إذا هموا بالمعاصي ذكروا عظمة الله فراقبوه ، والذين تنثني أصلابهم من خشية الله ، والذين يجوعون ويعطشون من مخافة الله ، وأنه يصرف العذاب عن الناس بهم . ثم قال : { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } أي : بعضهم يقابل بعضاً ، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض ، والسرر جمع سرير .