Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 45-57)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله ( تعالى ذكره ) : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } إلى قوله : { مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } . أي : يطوف عليهم الخدم بكأس من خمر جارية ، قاله قتادة وغيره . وحكى أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر : كأس ، فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح . وقال بعضهم : كل إناء فيه شراب فهو كأس ، فإذا لم يكن فيه شراب فهو إناء . كذلك الخِوَانُ إذا كان عليه طعام قيل له مائدة ، فإذا لم يكن عليه طعام قيل له خوان . ومثله الهودج يقال له : ظعينه ، إذا كانت فيه امرأة ، فإذا لم تكن / فيه قيل له هودج . قال الضحاك : / كل كأس في القرآن فهو خمر . وهو قول السدي . وقال ابن عباس : هو الخمر . وقال مجاهد : هي خمر بيضاء . قال الزجاج : " من معين " أي : تجري كما تجري العيون على وجه الأرض . وقوله : { بَيْضَآءَ } : يعني به الكأس ، وهو مؤنثة ، { لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } أي : ذات لذة ، والمعنى : يلتذ بها شاربها . ثم قال ( تعالى ذكره ) : { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } أي : لا تغتال هذه الخمر عقل شاربها كما تفعل خمر الدنيا . وقال ابن عباس : " لا فيها غول " ( أي ) : ليس في الخمر صداع . وعنه : ليس فيها وجع بطن . وكذلك قال مجاهد . وقال ابن زيد : ليس فيها وجع البطون ، وشارب الخمر يشتكي بطنه . وقال السدي : لا تغتال عقولهم . وقال ابن جبير : لا فيها أذى ولا مكروه . وقيل معناه : لا فيها إثم . وذكر الليث : أن ابن عباس أشكل عليه تفسير الغَوْل حتى سمع إعرابياً يقول لصاحبه : إني لأجِدُ في بطني غَوْلاً فقال ابن عباس : جاءت والله ( الغَوْل ) : الوجع يجده في بطنه . ثم قال ( تعالى ) : { هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } من فتح الزاي فمعناه لا تذهب عقولهم . قاله ابن عباس ومجاهد والسدي . وقال قتادة : لا تغلبهم على عقولهم . تقول العرب : نُزِفَ الرَّجُلُ فهو مَنْزُوف إذا ذهب عقله ، ( ونزف دم فلان إذا ذهب ) . فنفى الله جل ذكره عن خمر الجنة الآفات من الصداع والسكر اللذين يحدثان من خمر الدنيا . فأمّا من قرأ بكسر الزاي ، فمعناه : لا يفنى شرابهم . يقال أَنْزَف الرجل إذا نفد شرابه . وحكى الفراء : أنزف الرجل إذا نفد شرابه ، وأَنْزَفَ إذا ذهب عقله . فيكون على هذا القول الأخير كقراءة من فتح الزاي . ثم قال ( تعالى ذكره ) : { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } أي : وعندهم حور قصرن طرفهن على الأزواج فلا يبغين غيرهم ، قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي . قال عكرمة : " قاصرات الطرف " أي : محبوسات على أزواجهن . وقال ابن زيد : " قاصرات الطرف " ( لا ينظرن إلا ) إلى أزواجهن ، ليس كما يكون نساء أهل الدنيا . وقوله : { عِينٌ } : يعني به النُّجْل العيون لعظامها ، وهو جمع عَيْناء ، والعيناء المرأة الواسعة العين العظيمة العين ، ( وهي ) أحسن ما يكون من العيون . وسألت أم سلمة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : " يَا رَسُولَ اللهِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ : " وَعْنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ " ، ( قال ) : العِينُ : الضِّخَامُ العُيُونِ ( شَفَرُ ) الحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ " . وقال ( تعالى ) : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } . قال ابن جبير : كأنهن بطن البيض . يريد : أنه شبههن في بياضهن ببطن البيض . وقال السدي : كأنهن البيض حين يقشر قبل أن تمسه الأيدي . وهو قول قتادة . وهو اختيار الطبري ، شبهن ببياض البيضة قبل أن تمسه الأيدي ، إذ هن لم يمسسهن قبل أزواجهن إنس ولا جان ، فَشُبِّهْن في صفاء اللون ( وبياضه ) ( و ) في صيانتهن ببياض البيضة في قشره ، وبياض البيض عند الطبري هو القشر الرقيق الذي على البيضة من داخل القشر . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة ، إذ سألته عن ذلك : " رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الجِلْدَةِ التِي رَأيتَهَا فِي دَاخِلِ البَيْضَةِ التِي تَلِي القِشْرَةَ وَهِيَ الغِرْقِىءُ " . وقال ابن زيد : كأنهن البيض الذي يكنه الريش مثل بيض النعام ، فهي إلى الصفرة تبرق . وقال ابن عباس : " كأنهن بيض مكنون " يعني : اللؤلؤ المكنون في الصدف . ثم قال ( تعالى ) : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } أي : أقبل أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً ، قاله قتادة وابن زيد . ثم قال تعالى عنهم : إنهم قالوا في مساءلتهم : { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ * أَءِذَا مِتْنَا [ وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } ] . [ فقوله : " إنا لمدينون " جواب للاستفهامين في قوله : " أ . نَّكَ لمن المصدقين أ إذا متناً " ] . أي : قال قائل من أهل الجنة إني كان لي صاحب ينكر البعث بعد الموت ويقول لي : أتُصَدِّقُ بأنك تبعث بعد أن تكون عظاماً ورفاتاً ، وتجزى بعملك ؟ هذا معنى قول ابن عباس . وقال مجاهد : القرين كان شيطاناً / . قال ابن عباس : لما صار المؤمن إلى الجنة ذكر ذلك فرأى صاحبه في سواء الجحيم ، أي : في وسطه ، قال : { تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } . أي : والله إنك قاربت أن تهلكني لو قبلت / منك ، ولولا نعمة ربي إذ ثبتني على الإيمان لكنت من المحضرين معك في النار . وروي أنه كان شريكان ، وكان أحدهما له حرفة والآخر ليس له حرفة ، فقال الذي له حرفة للآخر : ليس عندك حرفة ولا أراني ، إِلا مفارقك ومقاسمك ، فقاسمه وفارقه . ثم إن الرجل صاحب الحرفة اشترى داراً بألف دينار كانت لِمَلِكٍ مَاتَ ، فدعا صاحبه الذي لا حرفة له فأراه الدار ، وقال : كيف ترى هذه الدار ابتعتها بألف دينار ؟ قال : ما أحسنها . فلما خرج قال : اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار وإني أسألك داراً من دور الجنة ، فَتَصَدَّقَ بألف دينار ، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم تزوج امرأة بألف دينار ، ثم دعا الذي لا حرفة معه وصنع له ( طعاماً ) فلما أتاه قال : إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار ، ( فقال : ما أحسن هذا ! فلما انصرف قال : يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار وإني أسألك امرأة من الحور العين ، فَتَصَدَّق بألف دينار ، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم اشترى بستانين بألفي دينار ، ثم دعاه ) فأراه ذلك ، وقال : إني ابتعت هذين البستانين بألفي دينار ، ( قال : ما أحسن هذا ! فلما خرج قال : يا رب إن صاحبي هذا اشترى بستانين بألفي دينار ) ، وإني أسألك بستانين من الجنة ، فتصَدَّقَ بألفي دينار ، ثم إن المَلَك أتاهما فتوفاهما ، ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله داراً مُعْجبة فإذا امرأة تطلع يضيء منها ما تحتها من حُسْنَها ثم أدخله بستانين وشيئاً الله ( به ) عليم ، فقال المتصدق عند ذلك : ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا ، قال : فأنت ذلك ولك هذان البستانان والمرأة . قال : فإنه كان لي صاحب يقول : أئنك لمن المصدقين ؟ قيل له : فإنه في الجحيم ، فقال : هل أنتم مطلعون ؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم ، فقال عند ذلك : " تَاللهِ إِنْ كِدتَّ لَـتُرْدِينِ ، وَلَوْلاَ نَعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مَنَ المُحْضَرِينَ " أي : من المحضرين في النار معك . ذكر هذه الحكاية بن ثعلبة البهراني . وهو تأويل يوجب أن تكون القراءة : من " المُصَّدِقينَ " بالتشديد للصاد من الصدقة . وقراءة الجماعة إنما هي من التصديق بالحساب والبعث والمجازاة بالأعمال . قال ابن عباس : " لمدينون " لمجازون بالعمل . وقال مجاهد : لمحاسبون . قال قتادة : سأل ربه أن يطلعه ( فأطلعه ) فأطلع فرأى صاحبه في وسط النار . قال مطرف بن عبد الله : لولا أن الله عَرَّفه به ما عرفه لتغير حبره وسبره بعده . وروي أنه أطلع فرأى جماجم القوم تغلي . وروى ابن المبارك عن معمر عن عطاء الخرساني مثل الحكاية بعينها إلا أن فيها اختلاف ألفاظ ، قال : كان رجلان شريكان بينهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها ، فعمد أحدهما فاشترى داراً بألف دينار وأرضاً بألف دينار ، وتزوج امرأة بألف دينار واشترى أثاثاً بألف ، فقال الآخر : اللهم إني أشتري منك في الجنة داراً وأرضاً وامرأة وأثاثاً بأربعة آلاف دينار ، ثم تصدق بها كلها ، ثم احتاج فتعرض لشريكه أن ينيله مما عنده ، فقال له : أين مالك ؟ فأخبره بما فعل ، فقال له : وإنك لمن المصدقين بهذا ، اذهب فوالله لا أعطيك شيئاً . وطرده فنزلت فيهما ( هذه ) الآيات ، فتذكر المتصدق أمر شريكه وهو في الجنة فاطلع ليراه في وسط الجحيم . قال قتادة : رأى جماجم ( القوم ) تغلي . قال ابن المبارك : وبلغنا أنه سأل ربه أن يطلعه عليه . قال أبو محمد مؤلفه ( نضر الله وجهه ) نقلت معنى الحكاية واختصرت بعض لفظها . ويروى أن الله جل ذكره جعل بين أهل الجنة وأهل النار كِوىً ينظر إليهم أهل الجنة إذا أحبوا ليعلموا قدر ما أنجاهم الله منه وقدر ما أعطاهم ، ودل على ذلك قوله ( تعالى ) : { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أي : أطلع من الكوى فرآه في وسط الجحيم .