Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 83-101)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله ( تعالى ذكره ) : { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } إلى قوله : { بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } . أي : وإن من تُبَّاع نوح وعلى منهاجه لإبراهيم . قال ابن عباس : { مِن شِيعَتِهِ } : من أهل دينه . وهو معنى قول قتادة ومجاهد . فالهاء تعود على نوح . وقال الفراء : الهاء لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أي : وإن من شيعة محمد لإبراهيم ، وهو عنده مثل : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ } [ يس : 41 ] يعني ذرية من سبقهم . ثم قال : { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } . أي : من الشركة ، قاله مجاهد وقتادة . وقال عروة بن الزبير : لم يلعن شيئاً قط . وقال ابن سيرين : القلب السليم الناصح لله في خلقه . وقيل : / القلب السليم الذي يحب للناس ما يحبه لنفسه / ، قد سلم جميع الناس من غشه وظلمه وأسلم لله بقلبه ولسانه ولا يعدل به غيره . ثم قال : { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } أي : أَيّ شيء تعبدون . { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } أي : أكذباً معبوداً غير الله تعبدون ، والإفك منصوب بـ " تريدون " ، و " آلهة " بدل منه . قال المبرد : ( الإفك ) أسوأ الكذب . ثم قال : { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : أَيّ شيء تظنون بربكم أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره ، قاله قتادة . ثم قال : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } . ذُكِرَ أن قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم كانوا أهل نجوم وكانوا يهربون من الطاعون ، فطمع أن يتركوا بيت آلهتهم ويخرجوا فيخالفهم إليها فيكسرها ، فرأى نجماً قد طلع فعصب رأسه ( وقال إني مطعون ) . قال ابن عباس : قالوا له وهو في بيت آلهتهم : اخرج معنا ، فقال : إني مطعون ، وتركوه مخافة الطاعون . وقال الضحاك : تركوه لما قال إني مطعون مخافة أن يعديهم . وقال ابن زيد : أرسل إليه ملكهم أن غداً عيدنا فاحضر معنا . قال : فنظر نظرة إلى النجوم ، فقال : إن ذلك النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي ، فقال : إني سقيم . قال ابن عباس : " سقيم " : مريض . وقال الحسن : " فنظر نظرة في النجوم " . أي : فكر فيما يعمل إذا كلفوه الخروج ، فالمعنى على هذا القول : فنظر نظرة فيما نجح له من الرأي ، أي : فيما طلع له . يقال نَجَمَ القول والنَّبْتُ إذا طلعا . أي : فكر فعلم أنه لا بد لكل حي أن يسقم ، فقال : إني سقيم . قال الخليل : يقال للرجل إذا فكر في الشيء كيف يدبره : نظر في النجوم . وقيل : المعنى : فنظر فيما نجم من الأشياء ، أي : طلع منها ، فعلم أن لها خلقاً ومدبراً ، ( وعلم ) أنها تتغير ، وعلم أن ذلك يلحقه ، فقال : إني سقيم . فتكون النجوم في هذين القولين مصدراً . ( و ) على القول الأول جمع نجم . وقيل : إنهم كانوا يعرفون أن نجماً إذا طلع يطلع بالطاعون ، فكان إذا طعن رجل منهم هربوا منه ، فطلع ذلك النجم ، فقال إبراهيم : إني سقيم ، أي : مطعون ، فهربوا منه ، وكان غلاماً أمرد ، فهو معنى قوله : { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } . وقيل : إنه كان يُحَمُّ في ساعة قد اعتاده ذلك ، فنظر في الأوقات ، ( وقت ) الساعة التي تأتيه الحُمى فيها ، فوجدها تلك الساعة التي دُعِي إلى الخروج معهم إلى جمعهم فقال : إني سقيم . أي : إن هذه الساعة أسقم فيها بالحمى التي اعتادتني ، فجعل ذلك علة لتخلفه عنهم ، وكان فيما قال صادقاً ، لأن الحمى كانت تأتيه في ذلك الوقت ، فكان قد أضمر كسر أصنامهم إذا تخلف بعدهم وغابوا ففعل ذلك . وقيل : معنى قوله : " إني سقيم " أي : سأسقم لأن من كان في عقبه الموت سقيم ، وإن لم يكن في وقته ذلك سقيماً كما قال تعالى ذكره لنبيه : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] . أي : ستموت ويموتون . وقيل : إن ذلك ( من ) إبراهيم كان تحيلاً عليهم في ذات الله . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام غَيْرَ ثَلاَثِ كَذبَاتٍ ، اثْنَتَيْنِ فِي ذَاتِ الله " : قوله : " إِنّي سَقِيمٌ " ، وقوله : " بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا " ، وقوله في سارة : " هِيَ أُخْتِي " " . ثم قال : { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } أي : مضوا عنه خوفاً أن يعديهم السقم الذي ذكر أنه به ، وذلك أنهم كانوا يفرون من الطاعون . ثم قال : { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } أي : مال إليها بعدما خرجوا عنه ، { فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } . في الكلام معنى التعجب ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : فقرب إليها طعاماً فلم تأكل ، فقال لها : ألا تأكلون ، فلم تجاوبه ، فقال : ما لكم لا تنطقون ؟ مستخفاً بها مستهزئاً . وقيل : إنهم جعلوا لآلهتهم الطعام قبل أن ينصرفوا عنه ، فلما انصرفوا ورآها لا تأكل قال : ألا تأكلون ، فلما لم تكلمه قال : ما لكم لا تنطقون ؟ وإنما خاطبها مخاطبة من يعقل ، لأنهم أجروها في العبادة وجعل الطعام لها مجرى من يعقل . ثم قال : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } . روي أنه أخذ فأساً / فضرب بها حافتيها ثم علقها في عنق [ أكبرها / . و { بِٱلْيَمِينِ } : بالقوة . وقيل : باليمين : بقسمه في قوله : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } [ الأنبياء : 57 ] بعد أن تولوا مدبرين ، فبر بيمينه بفعله . وقال ( ابن ) عباس : جعل يضربها بيمينه ، ليقيم عليهم الحجة بأن الأصنام إذا كانت لا تنفع أنفسها فتدفع الضر عن أنفسها فهي أبعد من ألا تنفع غيرها ، فعبادة من لا ينفع نفسه ولا غيره من أعظم الخطأ وأبينه . ثم قال : { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } أي : يمشون سراعاً . يقال : زَفَّ يَزِفُّ زَفِيفاً ، إذا أسرع ، وأصله من زفيف النعام ، وذلك أول عدوه . قال ابن زيد : " يزفون " : يستعجلون . ومن قرأ بضم الياء فمعناه : جعلوا أنفسهم يسرعون . يقال : أطردت الرجل أي : صيرته إلى ذلك ، وطردته : نحيته . فيكون المعنى : وجاء على هذه الهيئة بمنزلة المزفوفة على هذه الحال . وقد أنكر أبو حاتم هذه القراءة ، وأجازها غيره على هذا التأويل . ( وقرئت ) " يَزِفُونَ " بالتخفيف ، لغة بمعنى يسرعون ، يقال : وَزَفَ يَزِفُ إذا أسرع . ولم يقرأ بها الفراء ولا الكسائي . وقيل : معنى يزفون : يمشون بجمعهم في رجوعهم مشياً على مهل ، لأنهم كانوا آمنين أن يصيب أحد آلهتهم بضر . ثم قال ( تعالى ) : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } . في ( هذا ) الكلام حذف ، والتقدير : قالوا له : لِمَ كسرتها ؟ قال : أتعبدون ، أي : قال إبراهيم لقومه : أتعبدون ما تنحتون بأيديكم من الأصنام ، والله خلقكم وعملكم . وأجاز النحويون أن تكون ما بمعنى الذي ، وأن تكون وما بعدها مصدراً ، وهو أحسن . وأجازوا أن تكون نافية بمعنى : وما تعملون شيئاً ولكن الله خالقه . ثم قال ( تعالى ) : { قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } . الجحيم عند العرب جمر النار بعضه على بعض ، والنار على النار . يقال رأيت جحمة النار ، أي تلهبها . والمعنى : أنه لما أقام عليهم الحجة في عبادتهم ما لا ينفع ولا يضر لم يجدوا لحجته مدفعاً ، فتركوا جوابه ، وقالوا : ابنو له بنياناً فألقوه في الجحيم ، فعملوا ناراً عظيمة لا يقدر أحد أن يتقرب منها لشدة حرها ، فاحتالوا ( له ) في رميه فيها فعملوا المنجنيق ورموه فيها ، فجعلها الله برداً وسلاماً على إبراهيم . وقد مضى تفسير هذا في " سورة الأنبياء " بأشبع من هذا . ثم قال ( تعالى ) : { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً } أي أراد قوم إبراهيم عليه السلام به كيداً ، وهو طرحهم إياه في النار . قال الله جل ذكره : { فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ } أي : الأذلين حجة ، فلم يضره ما فعلوا به . ثم قال ( تعالى ) : { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } أي : وقال إبراهيم بعد أن نجاه الله من كيد قومه وأعلى حجته عليهم ، إني مهاجر إلى ربي من بلد قومي إلى الأرض المقدسة . وقال قتادة : معناه : ذاهب إلى ربه بعقله وقلبه ونيته . وقيل : إنما قال ذلك حين أرادوا أن يلقوه في النار . وروي أن النار ( لما ) لم تضره قال ابن لوط أو ابن أخي لوط : إن النار لم تحرقه من أجلي ، وكان بينهما قرابة ، فأرسل الله عز وجل ( عنقاً من النار ) فأحرقته . ثم قال : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : هب لي ولداً صالحاً من الصالحين . قال الله جل ذكره : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } . أي : حليم إذا كبر ، وهو إسحاق في قول عكرمة وقتادة . وهو قول ابن مسعود وكعب . وقال أبو هريرة وابن عمر والشعبي وابن جبير ومجاهد : هو إسماعيل ، واختلف في ذلك عن ابن عباس . قال قتادة : لم يثن الله على أحد بالحِلْم غير إبراهيم وإسحاق . وذكر ابن وهب عن عطاء بن أبي رباح : أن عبد الله بن عباس قال : المُفْدَى إسماعيل . وزعمت اليهود أنه إسحاق ، وكذبت اليهود ، وقد ذكرنا الاختلاف في الذبيح بحجج كل فريق في كتاب مفرد فلم نعده هنا لطوله .