Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 102-107)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله ( تعالى ذكره ) : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } إلى قوله : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } . قال ابن عباس : السعي العمل . وقال مجاهد : لما شب حتى أدرك سعيُه سَعْيَ [ على ] إبراهيم في العمل . وقال قتادة : لما مشى مع إبراهيم . وقال ابن زيد : السّعي هنا العبادة . ثم قال / : { يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } أي : سأذبحك . روي أنه أُمِرَ في المنام بذبحه . وذكر أنه حين بُشِّرَ به نذر أن يجعله إذا وُلِدَ له ذبيحاً . فلما وُلِدَ وبلغ ( معه ) السعي - مع أبيه - ، أُري في المنام فقيل له : فد لله بنذرك . ورؤيا الأنبياء يقين . قال السدي : لما قال جبريل / صلى الله عليه وسلم لسارة أبشري بولد اسمه إسحاق ، ضربت وجهها عجباً ، وقالت : أألد وأنا عجوز ، وهذا بعلي شيخاً ، إن هذا لشيء عجيب ، فقالت سارة لجبريل صلى الله عليه وسلم : ما آية ذلك ؟ فأخذ جبريل عليه السلام عوداً يابساً فلواه بين أصابعه فاهتز خضرة ، فقال إبراهيم : هو لله إذاً ذبيحاً ، فلما كبر إسحاق أتي إبراهيم في النوم ، فقيل له : أوْفِ لله بنذرك الذي نذرت ، إن الله رزقك غلاماً من سارة ، فقال لإسحاق : انطلق نقرب قرباناً إلى الله عز وجل ، وأخذ سكيناً وحبلاً ، ثم انطلق معه حتى إذا ذهب بين الجبال قال له الغلام : يا أبت أين قربانك ؟ قال : با بني إني رأيت في المنام أني أذبحك فانظر ما ترى ؟ ، { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } . ثم قال له إسحاق : يا أبت أشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك حتى لا ينضح عليها من دمي بشيء فتراه سارة فتحزن ، وأسرِع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت علي ، فإذا أتيت سارة فاقرأ عليها مني السلام ، فأقبل عليه إبراهيم يقبله وقد ربطه وهو يبكي وإسحاق يبكي ، حتى استنقع الدموع تحت خد إسحاق ، ثم إنه جر السكين على حلقه فلم تحك السكين ، وضرب الله صفحة من نحاس ( على حلق إسحاق ) ، فلما رأى ذلك صوب به على جبينه وحز في قفاه ، فذلك قوله ( تعالى ) : { فَلَمَّا أَسْلَمَا } ( أي ) : أسلما الأمر لله ورضيا بالذبح ، الذابح والمذبوح ، وتله : صرعه . والجبين : ما عن يمين الجبهة و ( عن ) شمالها . قال قتادة : تله : كبه وحول وجهه إلى قفاه . قال ابن عباس : كبه على جبهته . ( قال السدي ) : فنودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا بالحق ، فالتفت فإذا بكبش فأخذه وخلى عن ابنه ، وأكب على ابنه يقبله ، وهو يقول : اليوم يا بني وُهِبْتَ لي ، فهو قوله تعالى : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } ، فرجع إلى سارة فأخبرها الخبر فجزعت ، وقالت : يا إبراهيم أردت أن تذبح ابني ولا تعلمني . قال عكرمة في معنى { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } : قال له الغلام : ( يا أبت ) اقذفني للوجه كي لا تنظر إلى وجهي فترحمني [ وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع . قال مجاهد : " وتله للجبين " وضع وجهه على الأرض ] ، فقال له : يا أبت لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني ، فلا تحن علي ، اربط يدي إلى ( المرفقين ) ، ثم ضع وجهي في الأرض . ومن قرأ ( تَرَى ) بفتح التاء والراء ، فمعناه : ماذا عندك من الرأي فيما قلت لك ، على معنى الامتحان لإسحاق ، لا ( على ) معنى الاستشارة له في أمر الله . ومن ضم التاء ، فمعنى قراءته : ماذا ترى [ من صبرك أو جزعك . وقيل : معنى الكلام : ماذا ] تشير ، امتحاناً له . وغلط أبو عبيد وأبو حاتم في هذا فجعلاه من رؤية العين ، وليس كذلك ، إنما هو في معنى الرأي . تقول أريت فلاناً الصواب وأريته رشده . قال ابن عباس : إن الله لما أمر ابراهيم بالمناسك ، عرض له الشيطان عند المسعى ، فسابقه ، فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب به جبريل صلى الله عليه وسلم إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان فرمى بسبع حصيات حتى ذهب ، [ ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ] . ثم تلّه للجبين وعلى إسماعيل قميص أبيض ، فقال ( له ) : يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غير هذا ، فاخلعه عني فكفني فيه ، فالتفت إبراهيم صلى الله عليه وسلم فإذا بكبش أعين أبيض أقرن فذبحه . قال ابن عباس : لقد رأيتنا نتبعُ هذا الضرب من الكباش . وجواب لما محذوف ، والتقدير : فلما أسلما سُعِدَا وأجزل لهما الثواب . وقال الكوفيون : الجواب : ناديناه ، والواو زائدة . وقوله : { قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } التي أريناك في منامك أن تذبح ولدك . ثم قال : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي : كما خلصنا الذبيح والذابح من الشدة والكرب ، كذلك نخلص من أحسن بالعمل الصالح من الشدة والكرب . ثم قال : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } أي : إن أمرنا لك بذبح ابنك لهو الاختبار الظاهر . وقال ابن زيد : / البلاء في هذا الموضع الشر والمكروه . وقيل : المعنى : إن هذا الفداء الذي فديناه به من الذبح لهو النعمة الظاهرة . وقيل : لا يقال في الاختبار إلا الابتلاء . يقال أبلاه الله إذا أنعم عليه أو امتحنه وبلاه إذا اختبره . والذِّبْح بالكسر المذبوح ، والذَّبح بالفتح المصدر . وقال كعب الأحبار / : لما أري ابراهيم صلى الله عليه وسلم [ ذبح إسحاق قال الشيطان ] [ والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم ] لا أفتن منهم أحداً أبداً ( فتمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه ، فأقبل حتى خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه ، دخل على سارة ، فقال لها : ( أين أصبح ) إبراهيم غادياً بإسحاق ؟ قالت سارة : غدا لبعض حاجته . قال الشيطان : ( لا ) والله ما لذلك غدا ، قالت سارة : فَلِمَ غدا به ؟ قال : غَدَا بِهِ ليذبحه ، قالت سارة : ليس من ذلك شيء ، لم يكن ليذبح ابنه ، قال الشيطان : بلى والله . قالت سارة : فَلِمَ يذبح ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قالت : فهذا أحسن أن يطيع ربه إن كان أمره بذلك . فخرج الشيطان من عند سارة حتى أدرك إسحاق ، وهو يمشي على إثر أبيه ، فقال له : أين أصبح أبوك غادياً بك ؟ قال : غدا بي لبعض حاجته ، قال الشيطان : لا والله ما غدا بك لبعض حاجته ، ولكنه غدا بك ليذبحك ، قال إسحاق ، ما كان أبي ليذبحني ، قال : بلى ، قال : لِمَ ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قال إسحاق : فوالله لئن أمره بذلك ليطيعنه . فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم ، فقال : أين أصبحت غادياً بابنك ؟ قال : غدوت به لبعض حاجتي ، قال : أما والله ما غدوت به إلا لتذبحه ، قال : لِمَ أذبحه ؟ قال : زعمت أن ربك أمرك بذلك ، قال إبراهيم : فوالله ( إِنْ ) كان أمرني بذلك لأفعلن . قال كعب : أوحى الله إلى إسحاق أني أعطيتك دعوة استجبت لك فيها ، قال : إسحاق : اللهم إني أدعوك أن تستجيب لي ، أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة . وروي أن الكبش الذي فدي به هو الكبش الذي تُقُبِّلَ من ابن آدم حين قربه . وقال ابن عباس : " بذبح عظيم " ( بكبش قد ) رعى في الجنة أربعين سنة . وقال الحسن : ما فدي إلا بتيس من الأروي أُهْبط عليهما من ثبير . وقيل : فدي بوعل . والوعل : التيس الجبلي . وأجاز بعض العلماء نسخ الشيء قبل فعله ، واستدل بأن هذه الآية قد نسخ الله فيها الأمر بالذبح بالفداء ( له ) بالكبش قبل فعله . ومثله عنده أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بفرض خمسين صلاة ، ثم رده إلى خمس . ومثله الأمر بالصدقة قبل مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم في سورة المجادلة ، ثم نسخه بالترك . [ وقال غيره : لا يجوز في هذا نسخ لأنه بَدَاء ، لو قلت : قم ، ثم قلت لا تقم لكان ] بداء ، وذلك لا يجوز على الله جل ذكره بل فعل إبراهيم ما أمر به من أخذ السكين والإضجاع وغير ذلك . وهذا عند الحذاق من العلماء ، إنما هو من تأخير البيان . ومن قال : إنه نسخ ، فإنما فعل ذلك لأن تأخير البيان لا يجوز عنده ، وهو ( الغاساني ) . ولو جاز أن يقال : إن هذا منسوخ لجاز في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } [ البقرة : 67 ] ثم بَيَّنَهَا بعد ذلك فيكون البيان ناسخاً لما تقدم ، وهذا لم يقله أحد . ويدل على جواز تأخير البيان قوله : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [ القيامة : 19 ] . وثم تدل على التراخي . وقد بينا هذا في كتاب " الناسخ والمنسوخ " بأبين من هذا . ويروى أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لمَّا أراد أن يذبح ابنه قال له : اربطني ، فلما أسلما لأمر الله ووضع السكين على حلقه ، بعث الله نحاساً فكان على حلقه فجر على النحاس ، ثم نودي فالتفت فرأى الذبح وراءه ، فقال إبراهيم : يا بني إنك نبي وإن لك لدعوة أُعطيتَها كما أُعطي الأنبياء فاسأله ، فقال إسماعيل : وإني أسأل أن يغفر لكل عبد مات ولا يشرك به شيئاً .