Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } - إلى قوله - { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } . روي أن ابن المسيب كان لا يدع كل ليلة قراءة صاد . وسئل ولده عن ذلك فقال : بلغني : أنه ما من عبد يقرأها كل ليلة إلا اهتز العرش لها . وقرأ الحسن بكسر الدال لالتقاء الساكنين على نية الوصل . وقيل : هو فعل للأمر من صادى يصادي إذا عارض ، ومنه " { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } [ عبس : 6 ] والمعنى : صاد القرآن بعملك ، أي : قابله به . وقد روي هذا التفسير عن الحسن أنه فسّر قراءته به . وقرأ عيسى بن عمر بفتح الدال على معنى : اتل صاد . فنصب بالإغراء ولم ينصرف لأنه اسم للسورة . وكل مؤنث سميته بمذكر - قلّت حروفه أو كثرت - لا ينصرف . ويجوز أن يكون فُتح لالتقاء الساكنين على نية الوصل ، واختار الفتح للإتباع . ويجوز أن يكون منصوباً على القسم ، إذ قد حذف حرف الجر ، كما تقول : الله لأفعلن . وقرأ ابن أبي إسحاق بالخفض والتنوين على إضمار حرف القسم ، وإعماله على مذهب سيبويه . وقيل : إنه كسر لالتقاء الساكنين ، وشبهه بما لا يتمكن من الأصوات فَنَوَّنَهُ . قال ابن عباس : صَ قسم أقسم الله جلّ ذكره به ، وهو من أسماء الله عز وجل . فعلى هذا القول يكون ، والقرآن عطف على صاد ، أي : اقسم بصاد ، وبالقرآن . وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن أقسم به . وقال الضحاك : صاد : " صدق الله سبحانه " . وعن ابن عباس أيضاً : صاد صدق محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ذي الذكر . فتكون صاد : جواب القسم قبله ، أقسم الله جل ذكره أن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم صدق من عنده . وقوله : { ذِي ٱلذِّكْرِ } ، أي : " ذي الشرف " قاله ابن عباس وابن جبير والسدي . ( وقيل معناه : ذي التذكير لكم . وهو اختيار الطبري ) . وقيل معناه : ذكركم الله فيه ، مثل قوله : " فيه ذكرهم " . وقيل : ذي الذكر : فيه ذكر الأمم وغيرها . ثم قال تعالى : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } ، أي : في تكبر وامتناع عن قبول الحق ، مثل / قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } [ البقرة : 206 ] . ومعنى : " وشقاق " : ومخالفة ، كأنهم في شق والمسلمون في شق . وجواب القسم : " بل الذين كفروا " ، قاله قتادة . فعلى هذا القول يكون : والقرآن عطف على صاد ، أي : اقسم بصاد وبالقرآن وقال قتادة : هو اسم من اسماء القرآن اقسم به وقال الضحاك : صاد صدق الله سبحانه . عن ابن عباس أيضاً : صاد صدق محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ذي الذكر فتكون صاد جواب القسم قبله ، أقسم الله جل ذكره أن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم صدق من عنده . صدق الله والقرآن ، وهو قول الضحاك . وقيل : الجواب محذوف ، والتقدير : صاد والقرآن ذي الذكر ، ما الأمر كما يقول هؤلاء الكفار ، ودل عليه قوله : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } . وهذا اختيار الطبري وهو مستخرج من قول قتادة . ثم قال : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } ، أي كثير من القرون أهلكنا قبل هؤلاء المشركين الذين كذبوا رسلهم . { فَنَادَواْ } ، أي : فضجوا إلى ربهم وَعَجُّوا واستغاثوا بالتوبة حين نزل بهم العذاب . { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } ، أي : وليس ذلك الوقت حين فرار ولا هرب من العذاب بالتوبة لأنه أوان لا تنفع فيه التوبة . " ولات " حرف مشبه بليس ، والاسم في الجملة مضمر . ( أي : ليس ) حينكم حين مناص . هذا مذهب سيبويه . والتاء دخلت لتأنيث الكلمة ، وحكُي أن من العرب من يرفع بها . وهو قليل على حذف الخبر . والوقف عليها عند سيبويه والفراء وابن كيسان وأبي إسحاق بالتاء لشبهها بليس ، ولأنها كذلك في المصاحف ، وهو مذهب الفراء . والوقف عليها عند الكسائي والمبرد بالهاء كرُبَّه وثَمه . ومناص : مَفْعَلٌ من ناص ينصوص إذا تأخر . فالنوص التأخر ، والبوص التقدم . ثم قال تعالى ذكره : { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } ، أي : عجب مشركو قريش أن جاءهم منذر منهم ينذرهم بأس الله على كفرهم ولم يأتهم ملكه . ثم قال : { وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ } ، أي : المنكرون توحيد الله عز وجل { هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } . " هذا " إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى عنهم : إنهم قالوا : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } أي : أجعل محمد المعبود معبوداً واحداً ؟ ! { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } ، أي : عجيب . قال قتادة : عجب المشركون أن دُعُوا إلى الله وحده وقالوا : يسمع لحاجاتنا جميعاً إله واحد ، ما سمعنا بهذا ( في الملة الآخرة ) . رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمشركين : " أسألكم أن تجيبوني إلى واحدة تدين بها لكم العرب ، وتعطيكم بها الخرج العجم . فقالو : ما هي ؟ ! قال : تقولون لاَ إله إلا الله . فعند ذلك قالو : أجعل الآلهة إلها واحداً ، تعجباً من ذلك " . وذكر ابن عباس أنه " لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل ، فقالوا إنّ ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ، ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته . فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل ، فخشي أبو جهل إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس إلى جنب أبي طالب . فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمّه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب . أي ابن أخي ، ما بال قومك يشكونك ويزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول . قال : فأكثروا عليه القول . وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا عمّي إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية . ففزعوا لكلمته ولقوله . وقال القوم كلمة واحدة : نعم ، وأبيك عشراً ، قالوا : فما هي ؟ ! قال أبو طالب : أيُّ كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : لا إله إلا الله " قال : فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } . فنزلت هذه الآية إلى قوله : { لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } [ ص : 8 ] . وفرّق الخليل بين العَجيب والعُجاب ، فالعجيب ، العَجَب ، والعُجاب : الذي قد تجاوز حد العَجَب ، وكذلك عنده الطَّويل الذي فيه طول ، والطُّوال الذي قد تجاوز حد الطول . وقيل : هما بمعنى ، يقول : طَويل وطُوال ، وجَسيم وجُسام ، وخَفيف وخُفاف ، وسَريع وسُراع ، ورَقيق ورُقاق ، بمعنى .