Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 6-16)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ } - إلى قوله - { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } . أي : وانطلق الأشراف من مشركي قريش القائلين : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } ، يقولون للعوام : أمشوا واصبروا على عبادة آلهتكم ، أي : اصبروا على دين آبائكم . وكان لهم يومئذ ثلاث مائة صنم وستون صنماً / يعبدونها من دون الله سبحانه وروي أن قائل ذلك كان عقبة بن أبي معيط . وقوله : { أَنِ ٱمْشُواْ } ، معناه : تناسلوا ، كأنه دعا لهم بالنماء وهو من قول العرب : مَشَى الرجل وأُمْشَى إذا كثرت ماشيته ، وأمشت المرأة : كَثُرَ وَلَدُها . قال الشاعر : @ … * والشَّاةُ لا تُمْشَى على الهمَلَّعِ @@ أي : لا تُنْهى عن الذنب . ( والهملع : الذئب ) . ثم قال عنهم إنهم قالو : { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } ، أي : لشيء يريد بنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يطلب علينا الاستعلاء به ، وأن يكون له فينا اتباع . ثم قالو : { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ } . قال ابن عباس : يعنون النصرانية دين عيسى . أي : لم نسمع في دين عيسى صلى الله عليه وسلم أن محمداً يبعث رسولاً إلينا ولا يأتينا بكتاب . { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } ، أي : ما هذا إلا كذب . وعن ابن عباس أن المعنى : لو كان هذا القرآن حقاً لأخبرنا به النصارى . وقال مجاهد : معناه ملة قريش . وقال قتادة : معناه في زماننا وديننا . قال أبو اسحاق : { فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ } : في النصرانية ولا في اليهودية ولا فيما أدركنا عليه آباءنا . ثم قال : { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } ، أي : ما هذا الذي أتانا به محمد صلى الله عليه وسلم إلاّ كذب اختلقه وتخرصه وابتدعه حسداً منهم لمحمد صلى الله عليه وسلم . ودل على أنه حسد منهم قوله عنهم : { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } ، أي : كيف خُصَّ محمد بنزول القرآن عليه من بيننا . وهذا كقولهم : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] أي : من إحدى القريتين ، يعنون : مكة والطائف ، يعنون : الوليد بن المغيرة المخزومي من أهل مكة ، وعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف . والمعنى : على أحد رجلين من إحدى القريتين . ثم قال تعالى : { بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } ، أي : في شك من القرآن . { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } ، أي : لم يذوقوا العذاب ، ولو ذاقوه لأيقنوا حقيقة ما هم فيه وعلموا أن الذين كذَّبوا به حق . ثم قال : { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } ، أي : أم عند هؤلاء المكذبين مفاتح ربك وعطاياه ، فَيَخُصُّوا من شاءوا بالرسالة . العزيز في سلطانه ، الوهاب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من رسالته وكرامته . ثم قال جل ذكره : { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } ، أي : إن كان لهم مُلْكُ ذلك فليصعدوا في أبواب السماء أو طرفيها ، لأن من كان له ملك ذلك لم يتعذر عليه الصعود فيه ، هذا معنى قول مجاهد وقتادة وابن زيد وقال الضحاك : فليرتقوا إلى السماء السابعة . وقال الربيع بن أنس : الأسباب أَرَقُّ من الشعر وأشَدُّ من الحديد ، وهو مكان ولكن لا يُرى . والسبب هو : كل شيء يوصل به إلى المطلوب من حبل أو جبل أو ستر أو رحم أو قرابة أو طريق أو باب . يقال : رَقِيَ يَرْقَى رَقْياً إذا صعد ، كرَضِيَ يرضى . ومثله : ارتقى يرتقي إذا صعد ويقال : رقى يرقِي رقياً من الرقية مثل : رمى يرمي رمياً . ثم قال : { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } . يعني بقوله : { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ } : الذين قال فيهم : { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } وهم أشراف قريش الذين هُزِموا وقُتلوا يوم بدر . والتقدير : هم جند مهزوم هنالك . ومعنى { مِّن ٱلأَحَزَابِ } : من القرون الماضية . قال قتادة : وعد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنه سيهزم جنداً من المشركين ، فجاء يوم بدر تأويلها . وقال الفراء : معناه : هم جند مغلوب أن يصعد السماء . وقيل : هم الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا إلى المدينة فهزمهم الله عز وجل بالريح والخوف . فأعلم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين أنه سيتحزب عليهم المشركون ، وأنهم سيُهزمون . فكان في ذلك أبين دلالة لهم على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصِدْقِه في جميع ما يَعِدُهُم به ، ولذلك قال تعالى : { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } [ الأحزاب : 22 ] الآية لأنه أخبرهم بذلك وهم في مكة ثم جاءهم ما أخبرهم به وهم في المدينة . ثم قال تعالى ذكره : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } ، أي : قبل قريش ، وكذلك عاد { وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } . فرعون هو : الوليد بن مصعب . وقيل هو : مصعب بن الديان . وقيل : كان يسمى كل من مَلَكَ مصر فرعون ، كما يسمى كلُّ من ملك اليمين تُبّعاً ، ومن مَلَكَ فارس كسرى ، ومن مَلَكَ الروم قيصر وهرقل . قال المبرد : كَسرى بالفتح . وقال غيره : بالكسر . وإنما نُعِتَ فرعون بالأوتاد لأنه كانت له أوتاد يلعب له عليها ؛ قاله ابن عباس وقتادة وابن جبير . وقال السدي : كان يُعذِّب الناس بالأوتاد ؛ يعذبهم بأربعة أوتاد ، ثم يرفع ( الصخرة تمد بالحبال ) ثم تُلقى عليه فتشدخه . وقال الضحاك : { ذُو ٱلأَوْتَادِ } : ذو البُنيان . وقد تقدم ذكر الأيكة في الشعراء . وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } ، أي : الجماعة المتحزبة على معاصي الله تعالى والكفر به سبحانه وتعالى . ثم قال : { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } ، أي : ما كل هؤلاء الأمم إلا كذب الرسل فيما جاؤهم به . { فَحَقَّ عِقَابِ } ، أي : وجب عليهم عقاب الله تعالى ثم قال تعالى : { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } ، أي : وما ينتظر هؤلاء المشركون بالله سبحانه إلا صيحة واحدة - وهي النفخة الأولى في الصور - ما لها من فتور ولا انقطاع . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لَمَّا فَرَغَ الله مِنْ خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ خَلَقَ الصُّورَ وأَعْطَاهُ إسْرَافِيلَ . فَهْوَ واضِعُهُ عَلَى فِيهِ ، شَاخِصٌ بَصَرُهُ إلى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الصُّورُ ؟ قال : قَرْنٌ . قال : وكيف هو ؟ قال : قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيه ثَلاَثَ نَفَخَاتٍ : نَفْخَة الفَزَعِ ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السَّماواتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاَّ مَنْ شَاءَ اللهَ . وَيَأْمُرهُ الله فَيُدِيُمَها وَيُطَوِّلُهَا فَلاَ تَفْتُرُ . وَهِيَ التَّي يَقُولُ اللهُ جَلّ وعزّ : { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } " . وقال ابن عباس : { فَوَاقٍ } : ترداد . وعنه : من رجعة وقال مجاهد : " من رجوع " . وقال قتادة : من مثنوية ولا رجوع ( ولا ارتداد ) . وقال السدى : معناه : ما لهؤلاء المشركين بعد ذلك من إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا . وقال ابن زيد معناه : ما ينتظر هؤلاء المشركون إلا عذاباً يهلكهم . فالصيحة عنده : العذاب . { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } ، أي لا يفيقون منها كما يفيق الذي يُغشى عليه . وأصل هذا من فواق الناقة ، وهو ما بين الحلبتين من الراحة . فالمعنى : ما لها من راحة ، أي : لا يروحون حتى يتوبوا ويرجعوا عن كفرهم . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } ، أي : وقال هؤلاء المشركون من قريش : عجل لنا كتابنا قبل يوم القيامة . والقط في كلام العرب : الصحيفة المكتوبة . فإنما سألوا تعجيل حظهم من العذاب ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة . فهو مثل قولهم : " { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] " الآية . وقال السدي : إنما سألو تعجيل رؤية حظهم من الجنة ورؤية منازلهم ليعلموا حقيقة ما يعدهم به محمد صلى الله عليه وسلم . وقال ابن جبير : سألو تعجيل حظهم من الجنة يتنعمون به في الدنيا . وقيل : إنما سألو تعجيل رزقهم قبل وقته . وقيل : إنما سألو تعجيل كتبهم التي تؤخذ بالإيمان والشمائل ، لينظروا أبأيمانهم يعطونها أم بشمائلهم ، فيعلمون أمن أهل الجنة هم أم من أهل النار ، استهزاء منهم بالقرآن وبوعد الله جل ذكره .