Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 45-56)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكر : { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ } - إلى قوله - { فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } ، أي : اذكر إبراهيم وولده إسحاق ، وولد ولد يعقوب . ومن قرأ " عِبَادَنَا " بالجمع ، أدخل الجمع في العبودية وجعل ما بعده بدلاً منه . ومن قرأ بالتوحيد خص إبراهيم بالعبودية وجعل ما بعده معطوفاً عليه . وقوله : { أُوْلِي ٱلأَيْدِي } . قال ابن عباس : يقول : أولى القوة والعبادة . والأبصار : الفقه في الدين . قال : مجاهد : أولي الأيدي : القوة في أمر الله عز وجل والأبصار : العقول . وقال قتادة : أُعطوا قوة في العبادة وبصراً في الدين . وقال السدي : الأيدي : القوة في طاعة الله ، والأبصار : البصر بعقولهم في دينهم . وقيل : الأيدي : جمع يد ، من النعمة ، أي : هم أصحاب النعم التي أنعم الله عز وجل عليهم بها . وقيل : " هم أصحاب النعم والإحسان ، لأنهم قد أحسنوا وَقَدَّمُوا خيراً " . وأصل " اليد " أن تكون للجارحة ، ولكن لما كانت القوة فيها ، سميت القوة يداً . والبصر هنا عُني به بصر القلب الذي به تنال معرفة الأشياء . وأجاز الطبري أن يكون المعنى أنهم أصحاب الأيدي عند الله عز وجل بالأعمال الصالحة التي قدموها تمثيلاً باليد تكون عند الرجل الآخر . وقرأ عبد الله : " أولي الأيدي " بغير ياء على معنى أولي التأييد والمعونة من الله لهم . ويجوز أن يكون مثل الأول لكن أسقط الياء واكتفى بالكسرة . وذكر الطبري عن السدي أنه قال : تزوج ( إسحاق بامرأة ) فحملت بغلامين في بطن ، فلما أرادت أن تضع ، اقتتل الغلامان في بطنها أيهما يخرج أولاً . فقال أحدهما للآخر : لئن خرجت قبلي لأعترضن في بطن أمي فلأقتلنها ! فتأخر الآخر وخرج القائل ذلك ، فسمي عيصا لعصيانه في بطن أمه ، وخرج الثاني فسمي يعقوب لأنه خرج آخراً بعقب عيصا . وكان يعقوب أكبرهما في البطن لكن عيصا خرج قبله . والروم من ذرية عيصا . ثم قال : { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } . من نَوَّن " خالصة " / جعل " ذكرى " بدلاً من " خالصة " . والمعنى : إنّا اخترناهم واختصصناهم بأن يذكروا معادهم ويعملوا له . ( فلا هَمَّ لهم غيره ) . هذا قول مجاهد والسدي ، وهو اختيار الطبري . والاختيار عنده على قراءة من أضاف أن يكون المعنى : بخالصة ما ذكر في الدار الآخرة . ويجوز أن يكون رفع " ذكرى الدار " على إضمار مبتدأ . وقيل : المعنى : اختصوا بأن يذكروا الناس الدار الآخرة ويدعوهم إلى طاعة الله عز وجل ، قاله قتادة . ومن قرأ بالإضافة فمعناه : إنا اختصصناهم بأفضل ما في الآخرة ؛ قاله ابن زيد . وقال مجاهد أيضا : المعنى في الإضافة : إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم . وقال الفضيل : هو الخوف الدائم في القلب . وقال ابن جبير : معناه : عقبى الدار . وعن مجاهد أيضا - في الإضافة - معناه : بخالصة أهل الدار . ثم قال تعالى : { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } ، أي : لمن الذين صَفَوْا من الذنوب ( ومن الأدانس ) واختيروا . والأخيار ، جمع خير ، على التخفيف كميْت وأموات . ثم قال تعالى ذكره : { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } ، أي : أذكرهم يا محمد وما أبلوا فيه من طاعة الله عز وجل فَتَأَسَّ بهم ، وأسلك منهاجهم في الصبر على ما نالك في الله جل ذكره . وسمي ذو الكفل بذلك ، لأنه تكفل بعمل رجل صالح يقال ، إن ذلك الرجل كان يصلي في كل يوم مائة صلاة ، فتوفي ؛ فتكفل ذو الكفل بعمله . وقيل : إنه تكفل بإمر أنبياء من أنبياء الله عز وجل فخلصهم من القتل فسمي ذا الكفل . والكفل في كلام العرب : الحَظُّ والنصيب . وقيل : تكفل لبعض الملوك بالجنة فكتب له كتاباً بذلك وقيل : لم يكن نبياً وقوله { وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } ، أي : كل هؤلاء من الأخيار المذكورين . ثم قال تعالى : { هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } ، أي : هذا القرآن ذكر لك يا محمد ولقومك . وقيل : معناه : هذا ذكر جميل لهؤلاء في الدنيا ، وإن لهم في الآخرة مع هذا لحسن مرجع . وقيل : معنى : وإن للمتقين لحسن مئاب ، أي : لمن اتقى الله فأطاعه لحسن مرجع ومنقلب . ثم بين ذلك فقال : { جَنَّاتِ عَدْنٍ } ، أي : جنات إقامة وثبات ، قال قتادة : سأل عمر كعباً : ما عدن ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، قصور في الجنة من ذهب يسكنها النبيئون والصديقون والشهداء وأئمة العدل . وقال ابن عمر : " جنة عدن : قصر في الجنة ، له خمسة آلاف باب ، على كل باب خمسة آلاف خَيْرة ، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد " . وقوله { مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } ، أي : تفتح لهم الأبواب منها بغير فَتْحِ سكانها لها بيد ، أو بمعاناة ، ولكن تنفتح بالأمر دون الفعل . قال الحسن : " تُكَلَّم ، فتتكلم ، انفتحي ، انغلقي " . و " مفتحة " : نعت لـ " جَنَّتات " ، والضمير محذوف ، والتقدير : مفتحة لهم الأبواب منها . ثم قال تعالى : { مُتَّكِئِينَ فِيهَا } ، أي : في الجنات { يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } ، أي : بفاكهة وشراب من الجنة فيأتيهم على ما يشتهون . ثم قال تعالى : { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ } ، أي : وعند هؤلاء الذين تقدم ذكرهم نساء قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يُرِدْنَ غيرهم ، ولا يَمدُدن أعينهن إلى سواهم ، قاله قتادة وغيره . وقال السدي : قُصرت أطرافهن وقلوبهن وأسماعهن على أزواجهن فلا يُرِدْنَ غيرهم . قال مجاهد : " أتراب : أمثال " . وقال السدي : مستويات . وقيل : معناه : على سن واحد . وقيل : معناه : أحباب لا يتباغضن ولا يتعادين ولا يتغايرن ولا يتحاسدن . رُوي ذلك ( أيضاً عن السدي ) . وأصله في اللغة ، أنهن أقران . { هَـٰذَا ذِكْرٌ } تام عند أبي حاتم على أن يكون " المتقون " عام لا يراد به من تقدم ذكره . فإن أردت به من تقدم ذكره من النبيين - على معنى : هذا ذكر جميل لهؤلاء الأنبياء في الدنيا ، وإن لهم لحسن مصير في الآخرة - ( لم تقف ) على ذكر " لأنه جملة واحدة في معنى واحد " . ثم قال : { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } . من قرأه بالياء ، فمعناه : هذا ما يوعد هؤلاء المتقون ليوم الجزاء . ومن قرأ بالتاء / جعله على المخاطبة ، أي : هذا الذي تقدم ذكره من النعيم هو ما توعدون ليوم تجزى كل نفس بما كسبت . ثم قال : { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } ، أي : إن ما تقدم ذكره لَرِزق الله عز وجل المتقين كرامة لهم ليس له من فراغ ولا انقطاع ، وذلك أنهم كلما أخذوا ثمرة عادت مكانتها أخرى . ثم قال : { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } ، أي : لَشَرَّ مَرجِع ومصير ومنقلب . ثم بيَّن ذلك ما هو فقال : { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } ، أي : فبيس الفراش الذي افترشوه لأنفسهم بأعمالهم السيئة . والوقف على " هذا " حسن ، ثم يبتدئ بـ : { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ } ، على معنى : الأمر هذا ، أو على معنى : هذا الذي وصفته للمتقين . ثم يستأنف خبر الطاغين وما لهم عند الله عز وجل .