Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 41-44)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } - إلى قوله - { إِنَّهُ أَوَّابٌ } ، أي : واذكر يا محمد أيوب إذ نادى ربه مستغيثاً به مما نزل به . { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } . قال قتادة : هو ذهاب المال والأهل ، والضر الذي أصابه في جسده ، ابتُلي سبع سنين وأشهراً ملقى على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده ، ففرج الله عنه ، وعظم له الأجر ، وأحسن عليه الثناء . قال السدي : معناه : بنصب في جسدي ، وعذاب في مالي . وروى الطبري عن وهب بن منبه أنه قال : كان أيوب صلى الله عليه وسلم رجلاً من الروم من ذرية عيصا بن إسحاق بن إبراهيم . ومن الرواة من يقول في عيصا : العيص بن إسحاق . وروي أن أيوب تزوج ابنة يعقوب واسمها ليا ؛ وهي التي أقسم أيوب ليضربها مائة ضربة ، فبَّر الله عز وجل يمينه . وكانت أم أيوب بنت لوط . وقيل : كانت زوجة أيوب : رحمة ابنة أفريق بن يوسف بن يعقوب . قال وهب : إن إبليس اللعين سمع تجاوب ملائكة السماوات بالصلاة على أيوب حين ذكر ربه وأثنى عليه ، فأدرك إبليس الحسدُ والبغيُ ، فسأل الله عز وجل أن يسلطه عليه ليفتنه عن دينه ، فسلط على ماله دون جسده وعقله ، فأذهب الله ماله كله ، فشكر أيوب ربه عز وجل ولم يغيره ذلك عن عبادة ربه سبحانه . فسأل إبليس الله عز وجل أن يُسلطه على ولده ، فأهلك ولده ، فشكر أيوب ربه ولم يغيره ذلك عن عبادة ربه تعالى . فسأل إبليس الله أن يسلطه على جسده ، فسلط عليه دون لسانه وقلبه وعقله ، فجاءه وهو ساجد فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده ؛ فصار أمره إلى أن تناثر لحمه ، فأخرجه أهل القرية من القرية إلى كناسة خارج القرية ، فلم يغيره ذلك عن ذكر ( ربه وعبادته ) . قال ابن عباس : لما أصاب أيوب البلاء ، أخذ إبليس تابوتاً وقعد على الطريق يداوي الناس . فجاءته امرأة أيوب ، فقالت له : أتداوي رجلاً به علة كذا وكذا ؟ قال : نعم ، بشرط على أني ( إن شفيته قال لي ) : أنت شفيتني لا أريد منه / أجراً غير هذا . فجاءت امرأة أيوب إلى أيوب ، فقال : ذلك الشيطان ! والله لئن بَرَأْتُ لأضربنك مائة فلما برأ أخذ شمراخاً فيه مائة عرجون فضربها به ضربة . فيكون " النُّصْبُ " على هذا ، ما ألقاه الشيطان إليه ووسوس به إلى امرأته . وقرأ الحسن : " بَنَصَبٍ " بفتح النون والصاد . وهما لغتان ، كالحُزْن والحَزَن . وقيل : من ضم النون جعله جمع نَصَب ، ( كَوَثَن وَوُثْن ) . فأما قوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [ المائدة : 3 ] " ، فهو جمع نصاب . وقوله { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } . في الكلام حذف ، والتقدير : فاستجبنا له إذ نادى ، وقلنا له اركض برجلك الأرض ، أي : حركها وادفعها برجلك . والركض : حركة الرجل . قال المبرد : الركض : التحريك ، ولهذا قال الأصمعي : يقال : رَكَضْتُ الدابة ، ولا يقال : رَكَضَتْ ( هي ، لأن الركض حركة الرِّجْلِ من راكبها ، ولا فعل لها في ذلك الوقت . وحكى سيبويه : ( ركضتُ ) الدابة فركضت ، مثل جَبَرْتُ العظم فجبر . قوله : { هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } . قال قتادة : " ضرب برجله أرضاً يقال لها الجابية ، فإذا عينان تنبعان ، فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى " . قال وهب : فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فأذهب الله عز وجل عنه كل ما كان فيه من البلاء . قال الحسن : فركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها ، ثم مشى نحواً من أربعين ذراعاً ثم ركض برجله ، فنبعت عين ، فشرب منها فذلك قوله : { هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فالموضع الذي يغتسل فيه يسمى مغتسلاً . ثم قال تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } . قال مجاهد : رَدَّ الله عليه أهله وأعطاه مثلهم معهم في الآخرة . وقال الحسن وقتادة : فأحيا الله جل وعز له أهله بأعيانهن وزاده في الدنيا مثلهم . ( وهو قول ابن مسعود ) . وقيل : إنما رد الله عليه من غاب من أهله وولده مثل من مات منهم ، وأعطي من نسلهم مثلهم . وقوله : { رَحْمَةً مِّنَّا } أي : رحمناه رحمة . وقال الزجاج : نصب رحمة على أنه مفعول له . ثم قال : { وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } ، أي : فعلنا به ذلك للرحمة وليتذكر وليتعظ به أولوا العقول إذا ابتلوا فيصبرو كما صبر أيوب . وروي أن أيوب كان نبياً في عهد يعقوب النبي صلى الله عليه وسلم . وكان عمر أيوب ثلاثاً وتسعين سنة ، وذا الكفل هو ولد أيوب ، واسمه شبر بن أيوب . وفيه اختلاف ، وقد ذكرناه في غير هذا الموضع . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشر سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه ، كانا من أخص إخوانه به ، كانا يغدوان إليه ويروحان . فقال أحدهما لصاحبه : تعلم ، والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين ! قال له صاحبه : وما ذاك ؟ ! قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به . فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له . فقال له أيوب : ما أدري ما تقول ، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله - أي : يحلفان به - فأرجع إلى بيتي ( فأكفر عنهما ) كراهية أن يذكر الله إلا في حق . قال : وكان يخرج إلى حاجته ، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، قال : فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحى الله جل ذكره إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك ، هذا مغتسل بارد وشراب . فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على خير ما كان . فلما رأته قالت : بارك الله فيك ، هل رأيت نبي الله ، هذا المبتلى ؟ فوالله - على ذلك - ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً ! قال : فإني أنا هو ! ! قال : وكان له أندران : أندر القمح ، وأندر الشعير قال : فبعث الله عز وجل سحابتين ، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض ، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض " . وقوله تعالى : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } الضغث : ما يجمع من شيء من الرطب ويحمل الكف من الحشيش أو الشماريخ ونحو ذلك . قال ابن عباس ، أُمر أن يأخذ حزمة من رطبة بقدر ما حلف عليه فيضربها به . قال الحسن مكث أيوب مطروحاً على كناسة سبع سنين وأشهراً ، ما يسأل الله أن يكشف ما به . قال : وما على الأرض أكرم على الله من أيوب . فقال بعض الناس : لو كان لرب هذا فيه حاجة ما ضيع هذا . قال : فعند ذلك / دعا أيوب ربه فكشف ما به . قال قتادة : كان إبليس قد تعرض لامرأته فقال لها : لو تكلمت كذا وكذا شفيته . فحلف أيوب لئن شفاه الله ليجلدنها مائة جلدة . فأمر أن يأخذ أصلاً فيه تسعة وتسعون قضيباً ، والأصل تكملة المائة ، فيضربها به ضربة واحدة فيبر من يمينه ويخفف الله بذلك عن امرأته . قال الضحاك : ضغثاً ، يعني : من الشجر الرطب . كان حلف على يمين فأخذ من الشجر عدد ما حلف عليه فضرب به ضربة واحدة فَبَرَّت يمينه ، وهو في الناس اليوم : يمين أيوب . من أخذ بها فهو أحسن . قال عطاء : هذا لجميع الناس ، وقال مجاهد وغيره : هو خاص لأيوب ، لا يعمل به غيره ولا يجزيه ، وهو قول مالك ، وهو قول جماعة العلماء إلا الشافعي فإنه أجاز لمن حلف على عشر ضربات فضرب بشمراخ فيه عشر قضبان مرة فأصابت المضروب أنه يبر قال ابن جبير : يعني بالضغث قبضة من المكانس . ثم قال تعالى : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } . أي : على البلاء . { نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ، أي : رجاع عن معصية الله إلى طاعته . قال ابن عباس : اتخذ إبليس تابوتاً وقعد على الطريق يداوي الناس ، فأتته امرأة أيوب ، فقالت : إن هاهنا إنساناً مبتلى من أمره كذا ، هل لك أن تداويه ؟ قال : نعم ، على أني إن شفيته أن يقول كلمة واحدة . يقول : أنت شفيتني ؛ لا أريد منه أجراً غيرها . فأخبرت بذلك أيوب . فقال : ويحك ! ذلك الشيطان ! لله عَلَيَّ إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة . فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثاً ( فيضربها به ) . فأخذ شماريخ قدر مائة فضربها به ضربة واحدة . وقال غير ابن عباس ، إنما نذر أن يضربها حين باعت شعرها بالطعام فافتقده وخافها على نفسها . ويروى أن أيوب عليه السلام لم يدع في بلائه ، وصبر حتى نال ثلاثة أشياء ، فعند ذلك دعا الله عز وجل : وذلك أن صديقين له بالشام بلغهما خبره فتزودا ومضيا لزيارته فوجداه في منزله لم يبق منه إلا عيناه ، فقالا له : أنت أيوب ! فقال : نعم فقالا له : لو كان عملك - الذي رأيناه - يُفْضَى به إلى الله عز وجل ما لقيت الذي نرى . فقال لهما : وأنتما تقولان ذلك لي ! فَبَلَغَ ذلك منه . والثانية أن امرأته قطعت ثلاثة ذوائب لها وباعتها في طعامه . فلما علم ذلك ، عَظُمَ عليه ، وبلغ ذلك منه . فهذه ثانية والثالثة : قبول امرأته من إبليس إذا أراد أن يحتال عليها ، فعند ذلك تواعدها ، وأقسم لئن شفاه الله ليضربنها مائة ضربة . وعند ذلك دعا إلى الله فشفاه الله .