Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-7)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ } - إلى قوله - { بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } . " تنزيل " رفع بالابتداء ، والخبر " من الله " . ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، أي هذا تنزيل الكتاب . وأجاز الكسائي والفراء نصبه على أنه مفعول به ، أي : اقرؤوا تنزيل واتبعوا كتاب الله تنزيل . وعلى الإغراء مثل : { كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 24 ] ، أي الزموا كتاب الله . والمعنى : الكتاب الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو : من الله العزيز في انتقامه ، الحكيم في تدبيره . ثم قال تعالى : { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } ، أي : أنزلنا إليك القرآن بالعدل . روى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال : فصل القرآن من الذكر ، يعني اللوح المحفوظ . قال : فوضع في بيت العزة في سما الدنيا ، فجعل جبريل ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم تنزيلاً . قال سفيان : خمس آيات ونحوها ، ولذلك قال تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } [ الواقعة : 75 ] ( يعني نجوم ) القرآن . قال أبو قلابة : نزل القرآن لأربع وعشرين ليلة من شهر رمضان ، والتوراة / لست ، والإنجيل لاثنتي عشرة . ثم قال : { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } أي : فاخشع لله بالطاعة وأخلص له العبادة ولا ترائي بها غير الله . روي أنه يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات ، فيقول رب العزة تبارك وتعالى : أَصَلَيْتَ يوم كذا وكذا ليقال : صلى فلان ! أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص . أتصدقت يوم كذا وكذا ليُقال تصدق فلان ! أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص . فما يزال يمحو بعد شيء حتى تبقى صحيفته ما فيها شيء فيقول ملكاه : يا فلان ، ألغير الله كنت تعمل ؟ . قال السدي : الدين هنا التوحيد . وروى أبو هريرة " أن رجلاً قال : يا رسول الله ، إني أتصدق بالشيء ، وأصنع الشيء أريد به وجه الله وثناء الناس ( ! ) فقال النبي : " وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لاَ يَقْبَلُ الله تَعَالى شَيْئاً شُورِك فِيه ، ثُمَّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } " . قال قتادة : إلا لله الدين الخالص : شهادة إلا إله ألا الله . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } ، أي : من دون الله آلهة يتولونهم ويعبدوهم من دون الله يقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي : قُرْبَة شفاعتهم لنا . وفي قراءة أبيِّ : " ما نعبدكم " . وفي قراءة ابن مسعود : " قالوا ما نعبدهم " . قال مجاهد : قريش تقوله للأوثان . قال قتادة : قالت قريش : ما نعبدهم إلا ليشفعوا لنا عند الله ، وهو قول ابن زيد . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } ، أي : يفصل بينهم فيما اختلفوا فيه من عبادة الأوثان . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } ، أي : لا يهدي إلى الحق من هو مفتر على الله الكذب كافر لنعمته . ثم قال : { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } ، أي لو أراد الله اتخاذ ولد - ولا ينبغي له ذلك - لاختار من خلقه ما يشاء . { سُبْحَانَهُ } ، أي : تنزيهاً له أن يكون له ولد . { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ } ، أي : المنفرد بالألوهية ، لا شريك له في ملكه . { ٱلْقَهَّارُ } لخلقه بقدرته . ثم قال تعالى : { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } ، أي ابتدع ذلك بالعدل . { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } قال ابن عباس : يحمل هذا على هذا ( وهذا على هذا ) . وقال قتادة : يغشي هذا على هذا . وقال السدي : يذهب هذا بهذا وهذا بهذا ، وهو قول ابن زيد . وقال أبو عبيدة : هو مثل : { " يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ " } [ الحج : 61 ] . وأصل التكوير في اللغة : اللف والجمع . ثم قال تعالى ذكره : { وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } ، أي : سخر ذلك لعباده ليعلموا عدد السنين والحساب ، ويتصرفوا في النهار لمعايشهم ومصالح أمورهم ، ويسكنون في الليل . ثم قال : { كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى } إلى قيام الساعة فتكور الشمس وتنكدر النجوم . وقيل : المعنى ، إن لكل واحد منازل لا يعدوها في جريه ولا يقصر دونها . ثم قال تعالى : { أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } : أي : ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال وأنعم على خلقه بهذه النعم هو العزيز في انتقامه ممن عاداه ، الغفار لذنوب التائبين من عباده . ثم قال تعالى : { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } ، أي : من آدم عليه السلام وخلق حواء من ضلعه . وإنما ذكر الخلق قبل حواء وهي قبلهم في الخلق ، لأن العرب ربما أخبرت عن رجل بفعلين . فترد الأول منهما على المعنى " بثم " إذا كان من خبر المتكلم يقال : قد بلغني ما كان منك اليوم ثم بما كان منك أمس أعجب . وقيل معناه : " ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جل ذكره لما خلق آدم مسح ظهره وأخرج كل نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة ثم أسكنه بعد ذلك الجنة ، ( فخلق بعد ذلك ) حواء من ضلع من أضلاعه " . وقيل المعنى : خلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها . ثم قال تعالى : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } وهي المفسرة في سورة الأنعام : الإبل والضأن والمعز والبقر كل زوجين ذكر وأنثى . وإنما أخبر عنها بالنزول ، لأنها إنما نشأت وتكونت بالنبات ، والنبات إنما نشأ وتكوّن بالمطر ، فالمطر هو المُنْزَلُ ، فأخبر عما اندرج وتكوّن منه بالإنزال . وهذا من التدريج وله نظائر كثيرة ، ومنه قوله : { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } [ الأعراف : 26 ] فاللباس لم ينزل لكنه تكوّن عما نبت بالمطر الذي هو مُنْزَلٌ ، فسمي ما تكوّن عن المطر : منزل . ثم قال { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } ، / أي : يبتدئ خلقكم في بطون أمهاتكم نطفه ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ، ثم يكسو العظام لحماً ثم ينشئه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ، هذا قول جماعة المفسرين إلا ابن زيد فإنه قال : معناه ، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد الخلق الأول في الأصلاب . وقوله : { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } ، يعني به ظُلْمَةُ البطن وظلمة الرَّحم وظلمة المَشِيمَةِ ، هذا قول جميع المفسرين إلا أبا عبيدة فإنه قال : هي ظلمة الصلب ثم ظلمة الرحم ثم ظلمة البطن . ثم قال : { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } ذا : إشارة إلى اسم الله جلّ ذكره ، والكاف والميم للمخاطبة . والمعنى : الذي فعل هذه الأشياء الله ربكم لا الأوثان التي تعبدونها لا تضر ولا تنفع . { لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ، أي : لا ينبغي أن يكون معبوداً سواه ، له ملك كل شيء . { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } ، أي : كيف تُصْرَف عقولكم عن هذا ومن أين تعدلون عن الحق بعد هذا البيان . ثم قال تعالى : { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } . قال ابن عباس : هو خاص ( عنى به الكفار الذين ) لم يرد الله أن يطهر قلوبهم . وقوله : { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } ، أي : لعباده الذين أخلصهم لطاعته وحبّب إليهم الإيمان . وقيل : هو عام للجميع , وهو الاختيار ، إذ ليس يرضى الله الكفر لأحد من خلقه . فإن جعلت " يرضى " بمعنى : يريد حسن القول الأول ، وفيه نظر . ثم قال تعالى : { وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } ، أي : إن تطيعوه يرضه لكم . ثم قال : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } ، أي لا يحمل أحد ذنباً عن أحب ، ولا يؤخذ أحد بذنب أحد . ثم قال تعالى { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ } ، أي : مصيركم إليه في الآخرة فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر فيجازيكم عليه ، ولا يخفي عليه من أمركم شيء . { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } ، أي : عليم بما أضمرتم في الصدور وغير ذلك مما ظهر وبطن ، فلا يخفي عليه شيء من أعمالكم بل يجازيكم بها : المحسن بالإحسان ، والمسيء بما يستحقه ويجب عليه .