Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 8-13)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ } - إلى قوله - { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . أي : إذا مس الإنسان ضرّ في بدنه أو شدة أو ضيق استغاث بربه الذي خلقه في كَشْفِ ما نَزَلَ به ، تائباً إليه مما كان عليه قبل ذلك من الكفر والشرك . قال قتادة : منيباً إليه : مخلصاً . وقوله { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ } ، أي : أعطاه عافية وفرجاً مما نزل به . يقال لمن أعطي غيره عطية : قد خوّله كذا وكذا . وقوله : { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } ، أي : ترك دعاءه الذي كان يدعو إلى الله من قبل أن يكشف ما كان به ، و " ما " والفعل مصدر ، والمعنى : ترك كون الدعاء منه إلى الله عز وجل . ومن جعلها بمعنى " الذي " جعل " ما " لمن يعقل فيكون لله سبحانه . والمعنى : ترك ما كان يدعو الله من قَبْلِ كَشْفِ الضُّرّ عنه . ثم قال تعالى : { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً } ، أي : شركاء . قال السدي : هذا كله في الكافر خاصة . قال السدي : الأنداد هنا من الرجال يطيعونهم في معاصي الله جلّ ذكره . وقيل : الأنداد : الأوثان . ثم قال : { لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } من ضم الياء ، فمعناه : فعل ذلك ليزيل الناس عن توحيد الله سبحانه والإقرار به والدخول في دينه ، ومن فتح الياء ، فمعناه : ليَضِلَّ في نفسه عن دين الله سبحانه . والتقدير : إنه لما كان أمره لعبادة الأوثان يؤول إلى الضلال كان كأنه إنما فعل ذلك ليصير ضالاً . وقد تقدم شرح هذا بأبين من هذا . ثم قال تعالى : { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } ، أي : قل يا محمد لهذا الكافر ( لنعم الله ) تمتع بكفرك إلى أن تستوفيَ أجلك إنك في الآخرة من الماكثين في النار . وهذا لفظ معناه التهدد والوعيد ، مثل قوله : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] . ثم قال : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً } من خفف " من " جعله نداء أو رفعه بالإبتداء ، ويكون الخبر محذوفاً . والتقدير : أهذا أفضل ( أومن ) جعل لله أنداداً . ومن شدد فـ " من " في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف على ما قدمنا في التخفيف . وقيل التقدير : أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت لأنه ذكر من جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله . ثم قال : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } ، أي : أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت ؟ ودل على ذلك قوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] . وقيل : " أم " بمعنى / الألف ، كأنه قال : أمن هو قانت ، ويكون الجواب مضمراً بعده كأنه قال : أم من هو قانت كمن مضت صفته من الكفار . قال ابن عباس : القنوت هنا : قراءة القرآن . وآناء الليل : ساعاته ، واحدة ، أني كمعي وفيه وجوه قد تقدم ذكرها . وقيل القنوت : الطاعة ، وهو أصله . وروى الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل قنوت في القرآن فهو طاعة لله عز وجل " . وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : " أي الصلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت " فتأوله جماعة من أهل العلم أنه طول القيام . وسئل ابن عمر عن القنوت ، فقال : " ما أعرف القنوت إلا طول القيام ، وقراءة القرآن . وقال مجاهد : من القنوت : طول الركوع ، وغض الطرف . ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وعن ابن عمر : إنها نزلت في عثمان رضي الله عنه . وكانوا يستحبون حسن الملبس في الصلاة . روى نافع أن ابن عمر قال له : قم فصل . قال نافع : فقمت أصلي - وكان عليّ ثوب خلق - فدعاني ابن عمر فقال لي : أرأيتك لو وجهتك في حاجة وراء الجدار ، أكنت تمضي هكذا ؟ ! قال : فقلت : كنت أتزين ! قال : فالله جل وعز أجل أن يتزين له ! ! . قوله : { سَاجِداً وَقَآئِماً } ، أي : يقنت ساجداً أحياناً وقائماً أحياناً { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } . أي : عذاب الآخرة . { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } ، أي : يرجو أن يرحمه ربه فيدخله الجنة . ثم قال تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } . أي : قل يا محمد لقومك : هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعة الله عز وجل من الثواب وما عليهم في معصيته من العقاب ، والذين لا يعلمون ذلك . يعني : من يؤمن بالبعث والحساب والجزاء والذين لا يؤمنون بذلك . فالمعنى : لا يستوي المطيع والعاصي . وقيل : الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ، والذين لا يعلمون هو من لا ينتفع بعلمه ، ومن لا علم عنده . ثم قال : { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } ، أي : إنما يعتبر حجج الله عز وجل فيتعظ بها ويتدبرها أصحاب العقول والبصائر . ويقف القارئ على " رحمة ربه " إن شدّد الميم ، لأن الخبر المحذوف مقدر قبل " قل هل " . ومن خفف وجعل " من " مرفوعة بالابتداء وقف أيضاً على " ربه " ويقدر الخبر أيضاً محذوفاً قبل " قل هل " . ومن جعله نداء لم يقف على " ربه " ، لأن " قل هل " متصل بالمنادي . والمعنى : يا من هو قانت قل هل ، فإن قدرت محذوفاً تتم به فائدة النداء ، وقفت على " ربه " . والتقدير : " يا من هو قانت أبشر ، ثم تبتدئ " قل هل " . ثم قال تعالى : { قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } . روى الشموني عن الأعمش عن أبي بكر : " يا عبادي " بياء مفتوحة . والمعنى : قل يا محمد لعبادي المؤمنين : يا عباد الذين آمنوا ، أي : صدقوا بالله ورسوله . { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } ، أي : اتقوه بطاعته واجتناب معاصيه . ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب ( الطيّار في الجنة ) وأصحابه من المؤمنين لما قيل لهم : { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } ، خرجوا مهاجرين من مكة إلى أرض الحبشة ، وقيل لهم : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، يعني : الصابرين على دينهم يفرّون به من بلد إلى بلد . ثم قال : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ } ، أي : للذين أطاعوا الله في الدنيا ، حسنة في الدنيا وهي العافية والصحة ، قاله السدي . وقيل : الحسنة التي لهم في الدنيا : موالاة الله إياهم وثناؤه عليهم . وقيل : المعنى : للذين أطاعوا الله في الدنيا حسنة في الآخرة ، وهي الجنة . وقوله : { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } ، يعني : أرض الجنة . وقيل : المعنى : أرض الدنيا واسعة ، فهاجروا من أرض الشرك إلى أرض السلام . قال مجاهد في قوله تعالى : { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } أي : أرض الدنيا واسعة فهاجروا واعتزلوا الأوثان . وقيل : المعنى : أرض الجنة واسعة لمن طلبها وعمل لها . ثم قال تعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، أي : إنما يعطي الله أهل الصبر على طاعته أجرهم في الآخرة بغير حساب . قال قتادة : ما هناكم مكيال ولا ميزان ، وقال السدي : ذلك في الجنة . قال مالك ، " هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها ، وقد بلغني أن الصبر من / الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد " . " وروى نافع عن ابن عمر أنه قال : لما نزلت { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ } الآية : قال النبي صلى الله عليه وسلم : رب زد أمتي . فنزلت : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا رب زد أمتي ، فنزلت : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } " . وقيل " بغير حساب " : بغير تقدير . وقيل : المعنى ، يزاد في أجره بغير مطالبة على ما أعطي كما يطالب بالشكر على نعيم الدنيا . ويقال : ( فلان صابر ) : إذا صبر عن المعاصي ، فإن أردت أنه صابر على المصيبة ، قلت : صابر على كذا . ثم قال تعالى : { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } ، أي قل يا محمد لقومك : إن الله أمرني أن أخلص له العبادة والطاعة ، ولا نشرك في عبادته أحداً من أوثانكم وآلهتكم ولا من غيرها . { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } ، أي : وأمرني الله لأن أكون أول من أسلم منكم ، وأخضع له بالتوحيد ، وأخلص له العبادة . واللام في " لأن " تدل على محذوف تقديره : وأمرت بذلك لأن أكون أول من أسلم . ثم قال تعالى : { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } ، يعني : يوم القيامة - أي ، إن عصيته فيما أمرني به عذبني .