Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 36-44)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } - إلى قوله - { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ، أي أليس الله بكاف محمداً صلى الله عليه وسلم أمر أعداء المشركين . قال مجاهد : بكافيه الأوثان . وروي أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لئن لم تنته عن سب آلهتنا لنأمرنها فتخبلك . فالمعنى : يخوفك يا محمد هؤلاء المشركون بالأوثان أن تصيبك بسوء ، أليس الله بكافيك ؟ ! أي : هو كافيك ذلك . ومن قرأ " عباده " بالجمع أدخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ومن تقدمه من الأنبياء صلوات الله عليهم الذين توعدتهم أممهم بمثل ما توعدت به أمة محمد محمداً صلى الله عليه وسلم . قال مجاهد : نزلت هذه الآية حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة " والنجم " عند باب الكعبة . ثم قال تعالى { وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ * وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } ، أي : من يخذل الله فيضله عن طريق الحق فما له سواه من مرشد ، ومن يوفقه الله إلى طريق الحق فما له من مضل . ثم قال تعالى { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ } ، أي : أليس الله يا محمد بعزيز في انتقامه ممن / كفر به ، ذي انتقام منهم . ثم قال : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } ، ( أي : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين منْ خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) خلقهن ، فإذا أقروا بذلك فقل لهم يا محمد : أفرأيتم هذه الآلهة التي تدعون من دون الله إن أرادني الله بضرّ ، أي : سقم أو شدة في معيشتي هل هن كاشفات عني ما أصابني ، وإن أرادني الله عز وجل برحمة ، أي بصحة وَسَعَةٍ في الرزق هل هن ممسكات عني ما أعطاني . والجواب في هذا محذوف لعلم السامع بالمعنى . والتقدير : فإنهم سيقولون لا نقدر على شيء من ذلك ، فإذا قالوا ذلك فقل يا محمد حسبي الله ، أي : كافِيي الله مما سواه من الأشياء . { عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } ، أي : من هو متوكل فليتوكل عليه لا بغيره . وقال قتادة : ولئن سألتهم من خلق السماوات ، يعني : الأصنام فيكون المسؤول في هذا القول : الأصنام . والقول الأول عليه أكثر المفسرين . ثم قال تعالى ذكره : { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } معنى الكلام التهدد والوعيد ، أي : اعملوا على تمكنكم من العمل الذي تعملونه مثل قوله : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] . وقال مجاهد : معناه اعملوا على ناحيتكم ، ( أي : على ) ناحيتكم التي اخترتموها وتمكنت عندكم ، إني عامل على ناحيتي . وقيل : المعنى إنى عامل على عمل من سلف من الأنبياء عليهم السلام قبلي . { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي سوف تعلمون من يهان ويذل ممن يكرم وينعم إذا جاءكم بأس الله عز وجل فيظهر لكم المحق منا من المبطل وهو معنى قوله : { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } . ثم قال تعالى { إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ } ، أي : أنزلناه تبياناً بالحق . { فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ } ، أي من آمن به واتبعه فلنفسه عمل ، لأنه أكسب نفسه باتباعه الحق وإيمانه الفوز والرضى من الله عز وجل والخلود في النعيم المقيم . ثم قال : { وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } ، أي : ومن جار عن ما أنزل إليك فإنما يجُورُ على نفسه ، لأنه أكسبها بكفره وجوره عن الحق العطب والخزي الدائم ، والخلود في نار جهنم . ثم قال : { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ } ، أي : ما أنت يا محمد على من أرسلناك إليهم برقيب ترقب أعمالهم وتحفظ أفعالهم ، إنما أنت رسول وما عليك غير البلاغ المبين وحسابهم علينا ، قال قتادة ، والسدي : بوكيل : بحفيظ . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } ( أي يقبض الأرواح عند فناء آجالها وانقضاء مدة حياتها ويقبض أيضاً التي لم تمت في منامها ) كما يتوفى التي ماتت عند مماتها فيرسل نفس النائم ويمسك نفس الميت ، فإذا جاء وقت أجل النائم قبض نفسه ولم يردها إليه . قال ابن جبير : يقبض الله عز وجل أرواح الأحياء النائمين وأرواح الموتى فتلتقي أرواح الأحياء وأرواح الموتى ، ثم يرسل الله أرواح الأحياء النائمين ، ويمسك أرواح الموتى . وعن ابن عباس أنه قال : يلتقي أرواح الموتى وأرواح النائمين فيتساءلون بينهم ، ثم يمسك الله عز وجل أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها إلى أجل مسمى ، وهو الموت . قال الفراء : المعنى : ويقبض التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها ، قال : وقد يكون توفيها نومها ، فالتقدير عنده : والتي لم تمت ، نومها : وفاتها . وقال ابن جبير : معناه أن الله جل ذكره يجمع بين أرواح الأحياء والموتى ، فيتعارف منهما ما شاء الله أن يتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها . وقال السدي : يقبض الله عز وجل روح النائم في منامه فتلقى الأرواح بعضها بعضاً أرواح الموتى وأرواح النيام ( فتلتقي فتسأل ) . قال فيخلي الله عز وجل عن أرواح الأحياء فترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمى - أي : إلى بقية آجالها - وتريد الأخرى أن ترجع فيحبس التي قضى عليها الموت ، وهو قول ابن زيد . وقال بعض أهل اللغة : النفس على معنيين : نفس التمييز ، ونفس الحياة . ونفس التمييز هي من نفس الحياة وليس / نفس الحياة هي نفس التمييز لوجودنا النائم معه نفس الحياة ولا تمييز له . فنفس التمييز ترتبط بنفس الحياة في حال وتفارقها في حال . فتنفرد نفس الحياة ، وليس تنفرد نفس التمييز بالبقاء البتة في الجسد ، وتنفرد نفس الحياة بالبقاء في البدن . فالتي تقبض عند النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة ، والتي تقبض عند الموت هي نفس الحياة ، ( فذهاب نفس الحياة ) لا عودة بعده في الدنيا ، وذهاب نفس التمييز له رجعة في الدنيا . ونفس الحياة بها يكون التمييز والحركة والنفس ، ونفس التمييز لا تكون إلا تابعة لنفس الحياة فهي جزء منها . ألا ترى أن التمييز يذهب والحياة والنفس والحركة باقية ، ولو ذهبت نفس الحياة لم يبق ( تمييز ولا نفس ) ولا حركة . فالجملة نفس واحدة إلا أنها تنقسم في المنافع . فصاحب هذا القول ينحو إلى أن النفس التي هي التمييز هي العقل ، كأن التمييز هو العقل الذي تميز به الأشياء فهو مرتبط بالحياة ، فسمي نفساً لارتباطه بالنفس والحياة . وقيل : إن المعنى على هذا التأويل : الله يتوفى الأنفس حين موتها بإزاله أرواحها وتمييزها ويتوفى التي لم تمت في منامها بإزالة تمييزها دون حياتها ، وهذا هو القول الذي قبله مختصراً . ثم قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ، أي : في قبض الله عز وجل نفس النائم وردّها عليه ، وقبضه نفس الميت ومنها من الرد عليه ، لَعِبَراً وعظات لمن تفكر وتدبر ، وبياناً أن من فعل هذا يقدر على أن يحيى الموت إذا شاء . ثم قال تعالى ذكره وجل ثناءه : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ } ، أي اتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهتهم التي يعبدون ( شفعاء ) تشفع لهم عند الله . ثم قال : { قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } ، أي : قل لهم يا محمد : أتتخذونهم آلهة وإن كانوا لا يملكون لكم ضراً ولا نفعاً ولا يعقلون عنكم شيئاً . ثم قال تعالى : { قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي : قل يا محمد : لله الشفاعة جميعاً فاعبدوه ولا تعبدوا ما لا يملك لكم شفاعة ولا غيرها . { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي : له سلطان ذلك وملكه ، فما تعبدون أيها المشركون داخل في ملكه وسلطانه فاعبدوا المالك دون المملوك ، فإليه ترجعون بعد موتكم فيجازيكم على أعمالهم . قال قتادة : أم اتخذوا من دون الله شفعاء ، يعني : الآلهة . قل أو لو كانوا لا يملكون شيئاً يعني : لا يملكون الشفاعة . قال مجاهد : قل لله الشفاعة جميعاً ، أي : " لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه " .