Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 155-158)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ } الآية . المعنى : وينقض هؤلاء الذين تقدمت صفتهم : الميثاق - وهو كتمانهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أخذ عليهم { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } [ آل عمران : 187 ] وكفرهم بآيات الله أي : بإعلامه وأدلته وبـ { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } وبـ { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } أي : عليها غشاوة وأغطية عما يقول ، فلا نفهمه عنك ، فأخبر الله عز وجل بكذبهم في قولهم ، وقال { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } أي : ليست بغلف ، ولكن طبع الله عليها طابعاً من أجل كفرهم بالله { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } لأنهم إنما صدقوا ببعض الأنبياء ، فإيمانهم قليل لأنهم قد كذبوا بأكثر الأنبياء فيما جاءوا به ، ومن كذب بالبعض ، فهو مكذب بالكل من جهة أن الذي صدق به من نبي وكتاب يصدق ما كذب به هو ويقرب بصحته وهذا كلام متصل بما قبله . والمعنى : فبنقضهم ميثاقهم وبكفرهم ، وبكذا وبكذا أخذتهم الصعقة . قال الطبري : هذا غلط لأن الذين أخذتهم الصاعقة قوم موسى صلى الله عليه وسلم ، والذين رموا مريم بالبهتان بعدهم بدهر طويل ، فهؤلاء غير هؤلاء . والذي قال الطبري لا يلزم ، لأن اليهود قد تأخروا ، وهم الذين طالبوا عيسى صلى الله عليه وسلم بالصاعقة ، وإن لم تأخذهم بأعيانهم ، فقد أخذت آباءهم . فالمراد آباؤهم على ما مضى في البقرة وفي غيرها لأنهم راضون بما كان عليه آباؤهم من الكفر فلهم من الحكم ما لآبائهم إذ هم على مذهبهم . وقال قتادة : { لَعنَّاهُمْ } محذوف من الكلام كأنه : فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا وكذا لعناهم وهو اختيار الطبري . قال : ودل على المحذوف قوله : { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } لأن من طبع الله على قلبه فقد لعنه الله وغضب عليه . وقيل : المعنى : فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا ( وقولهم كذا ) . طبع الله عليها . وقال الزجاج : المعنى : فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم . قوله : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } { وَبِكُفْرِهِمْ } أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم { وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ } هو أنهم رموها بالزنا { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ } أي : بدعواهم ذلك ، فأكذبهم الله في ذلك ، فقال : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } . قيل : إن اليهود أحاطوا بعيسى ومن معه وهم لا يشبهون عيسى بعينه فحولوا جميعاً في صورة عيسى ، فأشكل عليهم أمر عيسى ، فخرج إليهم بعض من كان في البيت مع عيسى ، فقتلوه وهم يحسبون أنه عيسى . قال وهب بن منبه : أتى عيسى ومن معه سبعة عشر من الحواريين في بيت ، فأحاط بهم اليهود ، فكلما دخلوا عليهم صورهم الله كلهم على صورة عيسى ، فقالوا لهم : سحرتمونا لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعاً ، قال عيسى لأصحابه : من يشتري اليوم نفسه بالجنة ؟ قال رجل منهم : أنا فخرج إليهم . فقال : أنا عيسى ، فأخذوه وقتلوه ، وهو على صورة عيسى ، وصلبوه وظنوا أنه عيسى ، وظنت النصارى مثل ذلك ، إذا الصورة مشبهة ، ورفع الله عيسى من يومه ذلك . وقيل : إنه كان محبوساً عند خليفة قيصر ، فاجتمعت اليهود إليه فتوهم يريدون خلاصه ، فقال : أنا أخليه لكم ، فقالوا : بل نريد قتله ، فرفعه الله إليه ، فأخذ خليفة قيصر رجلاً فقتله ، وقال لهم : قد قتلته ، خوفاً منهم ، وهو الذي شبه لهم . قوله : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } يعني اليهود الذين أحاطوا بعيسى ، ومن معه وأرادوا قتله ، وذلك أنهم كانوا عرفوا عدد من كان في البيت ، قبل دخولهم فيما ذكر بعض أهل التأويل : فلما دخلوا فقدوا واحداً من العدد ، ووجدوا الشبه فالتبس عليهم أمر عيسى بفقدهم واحداً من العدد ، فقتلوا الذي عليه الشبه على شك . وقيل : إن شكهم فيه هو أن بعضهم زعم أنه الله وما قتل . وزعم بعضهم أنه ما قتل ، فهم شاكون فيه . ودل على صحة شكهم قوله تعالى : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } فقتلوا من قتلوا على شك لا على يقين وعلم . { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أي : ما قتلوا لظنهم في المقتول أنه عيسى يقيناً ، ولكنهم قتلوه على شك ، فالهاء عائدة على الظن . قال ابن عباس : المعنى ما قتلوه ظنهم به يقيناً . وقال السدي : وما قتلوا أمره يقيناً أنه هو عيسى . وقال الفراء : المعنى : ما قتلوا العلم به يقيناً . وقيل المعنى : الذي شبه لهم إنه عيسى يقيناً ، بل قتلوه على شك { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } أي عيسى . " ومن جعل الهاء تعود على العلم أو الظن أو النفس أو المشبه بعيسى وقف على يقيناً " . " ومن جعلها تعود على عيسى وقف على قتلوه على النفي ، ويكون يقيناً نعت لمصدر محذوف المعنى : قال هذا قولاً يقيناً " . قال النحاس : إن قدرت أن يكون المعنى : " بل رفعه الله إليه يقيناً " فهو خطأ لأنه لا يعمل ما بعد بل فيما قبلها لضعف بل ، … وكون الهاء تعود على عيسى قول خارج عن قول أهل التأويل . وقال بعض أصحاب حمزة " : عيسى ابن مريم تمام . لأنهم لم يقروا بأنه رسول فليس بمتصل بما قبله . وقال نافع : { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } تمام . وأجاز ابن الأنباري الوقف على " قتلوه " على أن ينصب " يقيناً بإضمار فعل هو جواب القسم ، تقديره : ولقد صدقتم يقيناً ، ولقد أوضح لكم يقينه إيضاحاً يقيناً ، ثم تبتدئ { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } مستأنفاً . قوله : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أدخله بعضهم في باب الاستعارة لأنه أريد به تحقيق الأمر واستيقانه . والاستعارة في كلام العرب باب ، وهذا فصل نبين فيه نُبَذاً من معاني الاستعارة [ فالاستعارة ] معناها : أن نضع الكلمة في موضع ما هو قريب منها أو ما هو سببها ، أو ما يشبه الآخر أي مقارب له بمعنى كقولك " النبات نوء " لأنه [ عنه ] يكون ، والمطر سماء ، لأنه منها ينزل ، ويقولون " ضحكت الأرض " لأنها تبدي عن حسن النبات . وتفتر عنه كما يفتر الضاحك عن الثغر . ويقولون " لقيت من فلان عرق القربة " أي : شدة ، وأصل هذا أن حامل القربة يتعب في نقلها حتى يعرق جبينه ، فاستعير عرقه في موضع . ومن ذلك قول الله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } [ القلم : 42 ] أي : عن شدة الأمر ، وذلك أن الرجل إذا وقع في أمر يحتاج إلى معاناة ، شمر عن ساقه ، فاستعير الساق في موضع الشدة ، وهو كثير في القرآن ، وإنما هذا في أصل كلام العرب ثم خاطبهم الله على ما يعقلون في كلامهم وما اعتادوا منه . ومنه قوله : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } [ النساء : 49 ] { وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } [ النساء : 124 ] إذ لم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه ، إنما أراد مقدار هذين الحقيرين والعرب تقول : ما رزانه ، زبالاً ، فالزبال ما تحمله النملة بفيها . ومنه قوله : { مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } [ فاطر : 13 ] يريد به التقليل أي ما يملكون من شيء . ومنه { فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] أراد به أبطلناه ، كما أن الهباء المنثور مبطل لا فائدة فيه ، وهو ما سطع في شعاع الشمس من كوة البيت ، والمنبث ما سطع من سنابك الخيل . ومنه : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [ إبراهيم : 43 ] أي : لا تغني خيراً ، لأن المكان إذا كان خالياً فهو هواء لا شيء فيه . ومنه : { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } [ الكهف : 21 ] أي أطلعنا ، وأصله من عثر بشيء وهو غافل ثم نظر إليه فاطلع عليه فصار العثار سبباً للتبين فاستعير مكان التبيين والاطلاع . ومنه : { حُبَّ ٱلْخَيْرِ } [ ص : 32 ] يريد الخيل سميت خيراً لما فيها من الخير وهو منافعها . ومنه : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ } [ الأنعام : 122 ] أي كافراً فهديناه { وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً } أي إيماناً { كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ } أي في الكفر فاستعير الموت مكان الكفر ، والحياة مكان الهدى والنور مكان الإيمان . ومنه : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [ الشرح : 2 ] أي : إثمك وأصل الوزر ما حمل على الظهر فشبه الإثم بالحمل ، وشبه بالثقل ، لأن الحمل والثقل سواء فقال : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] أي آثاماً مع آثامهم . ومنه : { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } [ البقرة : 235 ] أي نكاحاً لأن النكاح يكون سراً ، ولا يظهر فاستعير له السر . ومنه : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 223 ] كما تزرع الأرض ، فشبه الولد بالزرع والبطن بالأرض . ومنه : { إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } [ البقرة : 267 ] أي ترخصوا وأصله أن يصرف المرء ، بصره عن الشيء ويغمضه فسمي الترخيص إغماضاً . ومنه : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } [ البقرة : 187 ] جعل كل واحد لصاحبه كالثوب للإنسان يتضامان ، ويلتصقان كالثوب في تضامه ، والتصاقه على الإنسان ، وقد قيل معنى { لِبَاساً } سكناً ، كما قال { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [ الأعراف : 189 ] { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [ يونس : 67 ، القصص : 73 ] . ومنه : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [ المدثر : 4 ] أي : نفسك من الذنوب ، فجعل موضع النفس ، لأنه يشتمل عليها ، وشبه ذلك كثير .