Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 25-25)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } الآية . قرأ الكسائي المحصنات في كل القرآن - بكسر الصاد ، إلا قوله { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } قال : لأنه أراد به ذوات الأزواج من السبايا أحلهن الله بعد استبرائهن بالحيض ، فالأزواج أحصنوهن ، قال : وغير ذلك يكون المراد به غير التزوج ، إما إحصان إسلام ، أو عفة أو بلوغ ، فتكون هي التي أحصنت نفسها بإسلامها أو بعفتها أو ببلوغها ، ولا يحتمل عنده { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } إلا إحصان التزويج ، وهو مذهب ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وابن المسيب وغيرهم . ومن فتح الصاد في جميع ذلك قال : إن الإسلام يحصنهن كما يحصنهن التزويج ، وكذلك العفاف والبلوغ والحرية وشبهه . وحكى أصحاب أبي عمرو ( أن العرب ) لا تقول : هذا قاذف محصِنة ، ولكن تفتح ، ومن ضم " أحصن " أجراه على محصنات جعلهن مفعولات في الموضعين ، فأما من فتح الهمزة ، فحجته أن التفسير ورد على إضافة الإحصان إليهن ، ولأن من قرأ بضم الهمزة يلزمه في الحكم ألا يوجب الحد على المملوكة إلا إذا كانت ذات زوج دون الأيم ، وفي إجماع الجميع على إيجاب الحد ( على ) المملوكة الأيم دليل واضح على فتح الهمزة بمعنى : فإذا أحصن أي : أحصن أنفسهن بالعفاف أو بالإسلام . والاختيار عند أهل اللغة : الضم لأنه قد تقدم ذكر إسلامهن في قوله { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ } فدل على أن الثاني غير الإسلام فيكون أحصن بمعنى تزوجن ، فالمعنى فإذا أحصنهن الأزواج ، ويكون حدها إن زنت بالكتاب ، وحَدَّ الأيم بالسنة ، ومعنى الآية : أن الطَوْل : السعة في المال عند أكثر أهل التفسير وقال ابن زيد : الطَّول أن يجد ما ينكح به حرة . وقال بعضهم : الطول الهوى قاله ربيعة ، إذا هوى أمَتَه ، وخشي على نفسه ، وهو يقدر على نكاح الحرة فأرى أن ينكح الأمة . وقال جابر : لا يتزوج الحر الأمة إلا أن يخشى على نفسه العنت ، فليتزوجها . وقال عطاء : لا يفعل ذو الطول إلا أن يخشى على نفسه البغي . وأكثر الناس على أن ذا الطول لا يتزوج الأمة وإن خشي على نفسه لأن وجود الطول إلى الحرة فيه قضاء شهوة ، ولذة وليس هو كالمضطر إلى الميتة ، والله عز وجل قد حرم نكاح الأمة إلا لمن ( لم ) يجد طولاً إلى الحرة ، فلا يخرج عن التحريم فيخلص لقضاء لذة ، فمعناها : وإن لم يقدر أن ينكح الحرائر المؤمنات لقلة ما بيده ، فلينكح الأمة المؤمنة إذا خاف العنت ، فيتعفف بها ويكفيه أهلها مؤنتها . قال الشافعي وغيره : لا ينكح الأمة حتى يعدم ما يتزوج به الحرة ويخاف الزنا ، فإن لم يجتمع الأمران عليه فلا يتزوج الأمة . وإذا نكح الأمة على الحرة فإن مالكاً قال : لا يفعل فإن فعل جاز النكاح ، وكانت الحرة مخيرة إن شاءت أقامت وإن شاءت اختارت نفسها . وقال الشافعي : النكاح باطل . وقال الزهري : يفرق بينه وبين الأمة ، ويعاقب . وقال عطاء : لا ينكح الأمة على الحرة إلا بأمرها ، فإن اجتمعا كان للحرة ثلثا النفقة . وكان مجاهد يقول : مما وسع الله به على هذه الأُمَة نكاح الأَمَة ، واليهودية والنصرانية وإن كان هو شراً ، يعني إذا خاف العنت على نفسه في الأمَّة لهوى نزل به . وقال مسروق الشعبي : نكاح الأمة لا يحل إلا لمضطر كالميتة ، فإذا تزوج حرة على أمة حرمت عليه الأمة كالرجل يجد طعاماً ومعه ميتة . والمحصنات هنا العفائف ( وقيل الحرائر ) وهو الأشبه لذكر المماليك بعدهن . والفتيات جمع فتاة وهن الشواب . وقوله { مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } يدل على أن تحريم نكاح الإماء المشركات واجب وهو محرم عند مالك وجماعة من العلماء . قال أهل العراق : ذلك على الإرشاد ، وليس بمحرم ، وإنما هو ندب . فأما نكاح الحرة على الأمة فهو جائز عند ابن المسيب وعطاء والشافعي ، وأبي ثور وأصحاب الرأي . وروي عن علي رضي الله عنه جوازه ، وقال : يفرض للحرة يومان وللأمة يوم . وقال مالك والزهري : للحرة الخيار إذا علمت بذلك إن شاءت أقامت ، وإن شاءت فارقته . وقال ابن عباس : نكاح الحرة طلاق الأمة ، وبه قال أحمد وإسحاق . وقال النخعي : يفارق الأمة إذا تزوج الحرة إلا أن يكون له من الأمة ولد ، فلا يفارقها ، ويكون للحرة يومان وللأمة يوم . وقال مالك : إذا خشي على نفسه العنت يتزوج من الإماء حتى يبلغ أربعاً ، وهو قول أصحاب الرأي . وروي عن الزهري أنه قال : يتزوج أربعاً ، ولم يذكر عنتاً . وروي عن ابن عباس أنه لا يتزوج إلا واحدة ، وبه قال قتادة والشافعي . وقال أحمد : يتزوج من الإماء اثنتين لا غير . وقوله : { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } أي : أنتم بنو آدم . وقيل : معناه أنتم مؤمنون كلكم إخوة . وقيل : نزل ذلك لما كانت العرب تعير ابن الأمة وتسميه هجيناً . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات " فلينكح بعضكم من بعض " هذا فتاة هذا ( وهذا ) فتاة هذا وعلى هذا القول مرفوعون بفعلهم في التأويل لأن المعنى { مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم } فلينكح مما ملكت فرد بعضكم على ذلك . وقوله { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } ، أي : يعلم من آمن منكم وصدق بما جاء من عند الله عز وجل ( ورسوله ) صلى الله عليه وسلم . وقوله : { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } أي تزوجوهن بإذن مواليهن ، ورضاهن { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي : أعطوهن مهورهن بالمعروف على ما تراضيتم به مما أحل الله لكم أن تجعلوه مهوراً { مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ } أي : عفائف غير زناة . { وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ } وليس ممن لهن أصدقاء على السفاح لأنهن في الجاهلية كان لهن الخليل ، والصديق يحبسن أنفسهن للفجور عليه سراً ، وكانوا في الجاهلية يحرمون الزنا ما ظهر منه ، ويسمحون فيما أسر ، يقولون : ما ظهر منه فهو لؤم ، وما خفي منه فلا بأس به ، فأنزل الله { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأنعام : 151 ] . وقال السدي وغيره : ولا مسافحات معلنات بالزنا . قوله : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } أي : صرن ممنوعات الفروج بالأزواج وهذا المعنى يدل على الضم في الهمزة . وقيل : أحصن : أسلمن قاله السدي وهذا المعنى يدل على القراءة بفتح الهمزة . وقال سالم والقاسم : إحصانها عفافها ، وإسلامها . وأكثر الناس على أن المعنى فإذا تزوجن . { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ } معنى ذلك : إذا أتت الأمة بزنى بعدما أحصنت بالزوج فعليها { نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ } أي الحرائر الأبكار . وقيل : ذوات الإسلام التي أحصنهن دينهن غير محصنات بأزواج . وقوله { مِنَ ٱلْعَذَابِ } أي : من الحد إذا زنيت . وسميت البكر محصنة لأنه يكون بها فيما يستقبل كما يقال : ضحته قبل أن يضحي بها ، وقيل : المحصنات هنا المتزوجات ، فعلى الإماء المتزوجات نصف حد الحرة وهو خمسون ، والرجم لا يتبعض لأن المرجوم قد يموت بحجر واحد ، وربما لم يمت بألف حجر ، فنصف الرجم متعذر حده ، فلا بد من الرجوع إلى نصف الجلد . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا زنت الأمة فاجلدوها " وإحصان الأمة إسلامها ، وقد يجوز أن يكون معنى قوله { نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ } يعني من الأبكار لأن إحصان الحرة قد يكون العفاف ، وقد يكون الإسلام ، وقد يكون التزويج ، ولا يحصن الأمة لا تزويج ولا غيره إلا : الإسلام . و { ٱلْعَذَابِ } الحد غير الرجم ، قال ابن عباس : على الأمة إذا زنت وهي مع حر نصف حد الحرة ، وهو خمسون والمعنى فلازم لهن نصف حد الحرة . قوله { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } معناه ذلك الذي أبيح من نكاح الأمة لمن خشي العنت ، وهو الزنا . وقيل : هو الإثم . وقيل : العقوبة . وقيل : الهلاك . وأصل العنت في اللغة المشقة يقال : أكمة عنوت إذا كانت شاقة ، فهذا يدل على جواز نكاح الإماء إنما يكون باجتماع الشرطين المذكورين ، وهما : عدم الطول ، وخوف العنت وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : لا ينبغي للحر أن يتزوج أمة وهو يجد الطول إلى الحرة ، فإن فعل فرق بينهما وعزر . قوله : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي : عن نكاح الإماء خير لكم { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } أي : غفور لكم عن نكاحهن على ما نصه لكم ، وأذن لكم فيه قال ذلك السدي وابن عباس وطاوس وغيرهم . قوله : { رَّحِيمٌ } أي : رحيم بكم إذ أذن لكم في نكاحهن عند الاقتدار وعدم الطول للحرة .