Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 42-42)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الآية . يوم يجيء من كل أمة شهيد يتمنى الكافرون { لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } أي : يصيرون تراباً مثلها كما قال : { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [ النبأ : 40 ] . ومن قرأ " تُسوى " ( بالضم ) ، فالمعنى يتمنون لو سواهم الله والأرض سواء ، ومن قرأ " تَسوى " بالفتح والتخفيف ، فهو مثل المشددة ، إلا أنه حذف إحدى التاءين . وقيل المعنى : لو انقسمت بهم الأرض فيصاروا في بطنها . وقال الحسن في قراءة الضم : إن المعنى " لو تسوى " بالتخفيف عليهم ، والباء بمعنى على ، فالمعنى تنشق فتسوى عليهم . قوله : { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } أي : لا تكتم جوارحهم حديثاً من الله . قال ابن عباس : لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام جحدوا فقالوا : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] فختم الله على أفواههم وتكلمت ( أيديهم ) ، وأرجلهم فلا يكتمون الله حديثاً ، وعنه هذا التفسير باختلاف ألفاظ . وسبب تفسيره لهذا القول من له يقول الله عن الكافرين أنهم قالوا : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] وقد كتموا ويخبر أنهم لا يكتمون الله حديثاً ففسره بما ذكرنا ، وقوله { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } على قول غير ابن عباس أنهم يودون لو استووا بهم الأرض ، ولا يكتمون الله حديثاً لما عاينوا جوارحهم تشهد عليهم . وقيل : المعنى يومئذ لا يكتمون الله حديثاً ، ويودون لو تسوى بهم الأرض ، وهو معنى تفسير ابن عباس لأن السائل سأل كيف أخبر أنهم لم يكتموا الله حديثاً ، وقد أخبر أنهم كتموا في قولهم { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } . وقيل : المعنى يتمنون لو استووا مع الأرض ، وليس يكتمون الله حديثاً أي هو عالم بهم وبما أسروا مما يودون ويتمنون بهم ، وإن لم ينطقوا به ، فليس ذلك بكتمان على الله [ تعالى - كأن الكلام قد تم على قوله - لو تسوى بهم الأرض ، ثم قال : وليس يخفى على الله ] من حديثهم شيء وهذا جواب ثالث عن الآيتين . وقيل : المعنى أنهم يتمنون إذ عصوا الرسول أن يسووا مع الأرض ويودون لا يكتمون الله حديثاً . وكتمانهم الذي ندموا عليه هو قولهم { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } وهو جواب ثالث لمن سأل عن الآيتين . وقال قتادة : هي مواطن في يوم القيامة ، فمواطن يجحدون ، ومواطن يقرون . وجاء رجل إلى ابن عباس فقال له : رأيت أشياء تختلف علي في القرآن ، فقال : ما هو ؟ أشك في القرآن ؟ فقال : ليس بشك ، ولكنه اختلاف ، فقال : هات ما اختلف عليك من ذلك ، فقال : أسمع الله عز وجل يقول : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] وقال { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } فقد كذبوا إذا ادعوا الإسلام . فقال ابن عباس : وماذا ؟ قال أسمعه يقول : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] وقال : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 50 ] . وقال : { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } [ فصلت : 9 ] . إلى قوله : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [ فصلت : 11 ] الآية . وقال في آية أخرى : { أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * [ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ] } [ النازعات : 27 - 29 ] { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] . وأسمعه يقول : { [ وَكَانَ ] ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء : 17 ] الآية . فقال ابن عباس : " أما قولهم { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام ، يغفر لهم الذنوب جميعاً ، ولا يتعاظم ذنب يغفره ، ولا يغفر شركاً ، جحدوا وقالوا : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } رجاء أن يغفر لهم ، فختم الله عز وجل على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك { يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } يريد أنهم ندموا في جحدهم وقالوا : { مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } . وأما قوله : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } فإنه ينفخ في الصور ، فيصعق من في السماوات ، ومن في الأرض إلا من شاء الله { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } . { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [ الزمر : 68 ] { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 50 ] . وأما قوله { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ … } الآية فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخاناً فسواهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض . وأما قوله : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } فإنه تعالى دحاها بعد خلق السماوات ، وجعل فيها جبالاً وأنهاراً وبحوراً . وأما قوله : { وَكَانَ ٱللَّهُ } فإن الله لم يزل كذلك عزيراً حكيماً قديراً لم يزل كذلك وما اختلف عليك من القرآن فهو شبه ما ذكرت لك . وقال مجاهد : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ } أي : مع ذلك .