Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 11-20)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ } - إلى قوله - { ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } . قال ابن عباس والضحاك : هذا مثل قوله تعالى : { وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ } [ البقرة : 28 ] الآية . وقال قتادة : كانوا أمواتاً في أصلاب أبائهم فأحياهم الله عز وجل في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ، ثم أحياهم للبعث ، فهاتان حياتان وموتتان . وقال السدي : أُميتوا في الدنيا ، ثم أُحيوا في قبورهم فسئلوا وخوطبوا ثم أميتوا في قبورهم ، ثم أحيوا في الآخرة . وقال ابن زيد : خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق ، وأماتهم ، ثم خلقهم في الأرحام ، ثم أماتهم في الدنيا ، ثم أحياهم في الأخرة . وقوله تعالى : { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } ، أي : فأقررنا بذنوبنا ، فهل إلى خروج من النار لنا سبيل ، فهل إلى كرة فنرجع إلى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل . ثم قال تعالى : { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ } . في الكلام حذف ؛ والتقدير : فأجيبوا أن لا سبيل إلى الخروج ، ذلكم العذاب بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم ، أي : إذا وحده موحد أشركتم وإن أشرك به مشرك صدقتموه . وذكر ابن وهب عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : لأهل النار خمس دعوات ، يكلمهم الله في الاربعة فإذا كانت الخامسة سكتوا : { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } . قال : فيراجعهم بهذه الآية : { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } الآية . ثم يقولون : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] قال : فيرد عليهم : { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [ السجدة : 13 ] - إلى - { أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] . ثم يقولون : { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } [ إبراهيم : 44 ] . قال : فيراجعهم بهذه الآية : { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } [ إبراهيم : 44 ] . قال : ثم يقولون : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] فيراجعهم : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ } [ فاطر : 37 ] . قال : ثم يقولون : { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } [ المؤمنون : 106 ] ، قال : فيراجعهم : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] . قال : فكان آخر كلامهم ذلك . قال أبو محمد : وفي بعض رواية هذا الحديث تقديم وتأخير فيما ذكرنا . ثم قال تعالى : { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } . أي فالقضاء لله ، لا لما تعبدونه ، العلي على كل شيء ، الخبير الذي كل شيء دونه متصاغر له . ثم قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } ، أي : الله هو الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته . { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } ، يعني : الغيث ، يخرج به أقواتكم وأقوات أنعامكم . { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } ، أي : ما يتذكر حجج الله عز وجل وأدلته على قدرته ووحدانيته فيتعظ ويعتبر إلا من يرجع إلى توحيد الله سبحانه وطاعته جلت عظمته . ثم قال : { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } ، أي : ادعوا الله أيها المؤمنون مخلصين له الطاعة ولو كره ذلك منكم الكافرون . ثم قال تعالى : { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ } ، أي : هو رفيع الصفات ذو السرير المحيط بما دونه . { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : ينزل الوحي على من يشاء ، يختص بذلك من يشاء من خلقه . وقيل : " من " بمعنى الباء . والمعنى : يلقي الروح بأمره أي : يلقي الوحي بأمره على من يشاء . وقيل : معنى { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ } ( هي الدرجات ) التي يعطيها الله عز وجل للأنبياء صلوات الله عليهم والمؤمنين في الجنة . فالمعنى : رفيع الثواب والمجازاة للأنبياء والمؤمنين . وسمي الوحي روحا لأن الناس يحيون به من الضلالة ، والمهتدي حي ، والضال ( ميت في ) التمثيل . قال مجاهد : الروح هنا : الوحي ، وقال قتادة : هو الوحي والرحمة . وقال ابن عباس : الروح : النبوة . وقال : الضحاك : الروح : الكتاب الذي ينزله على من يشاء ومثله قوله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } ، يعني : القرآن في قول جميع المفسرين . والروح : جبريل أيضاً ، وهو قوله : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [ الشعراء : 193 ] سمي روحاً لأنه ينزل من عند الله تعالى بما يحيي به من أنزل عليه . فأما قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً } فقال ابن زيد : الروح هنا القرآن . وفيه اختلاف سيذكر إن شاء الله . والضمير في " لينذر " يعود على الله جل ذكره ، وقيل : يعود على الروح وهو الوحي ، وقيل : يعود على النبي . وقد قرأ الحسن " لتنذر " بالتاء على المخاطبة . وقوله : { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } ، أي : يوم يلتقي أهل السماوات وأهل الارض ، والأولون والآخرون . ثم قال : { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } " يوم " بدل من " يوم " الأول . وقيل العامل فيه : " لا يخفى على الله منهم شيء { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } . والمعنى أن جميعهم بمرأى منه ، أي : لا يخفى عليه من أعمالهم شيء . وقيل معناه : بارزون من قبورهم . ثم قال تعالى : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } ، أي : يقول الله جل ذكره : لمن الملك اليوم ؟ . فيجيب نفسه : { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ } ، أي : المنفرد / بالوحدانية والقدرة . { ٱلْقَهَّارِ } لكل شيء سواه . وروى أبو وائل عن ابن مسعود ( أنه قال ) : يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله عز وجل عليها . فيؤمر منادى أن ينادي : لمن الملك اليوم ؟ فيقول العباد : لله الواحد القهار المؤمن منهم والكافر . ثم أول ما ينظر من الخصومات في الدماء بمحضر القاتل والمقتول . فيقول : سل هذا : لم قتلني ؟ فإن قال : قتلته لتكون العزة لفلان ، قيل للمقتول : اقتله كما قتلك ، وكذلك إن قتل جماعة أذيق القتل كما أذاقهم في الدنيا وهو قوله تعالى : { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } الآية . أي : تثاب بما عملت في الدنيا لا يظلم أحد فيعاقب بما لم يفعل ولا يضيع ظلمه ( عند من ظلمه ) . { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } ، أي : ذو سرعة في محاسبته عبادة يومئذ على أعمالهم . روي أن ذلك اليوم لا ينتصف حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار قد فرع الله عز وجل من حسابهم والفصل بينهم . فالمعنى : إنه تعالى لا تشغله محاسبة أحد عن محاسبة أحد . وقد روي أنه تعالى يحاسب الخلق كلهم في مقدار حلب شاة ، وإنما هو تعالى يريد حساب كل نفس ويحدثه فيحدث لكل واحد منهم محاسبة في الحال التي يحدث فيها المحاسبة والمساءلة لأن بعض كلامه لا يشغله عن بعض ، وكذلك بعض خلقه لا يشغله عن بعض ، وهذه هي الصفات التي لا يشاركه فيها أحد ، ليس كمثله شيء . ولا يجوز لأحد أن يتأول أو يتخايل إليه في محاسبة الله سبحانه خلقه أنه يحاسبهم بكلام أو لسان . تعالى الله عن الجوارح وعن مشابهة المخلوقين ، إنما يحدث لكل إنسان محاسبة في الحال التي يريد محاسبته فيها . فافهم هذا ونزه الله عن التشبيه بالمخلوقين . ثم قال تعالى : { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } ، أي : وأنذر يا محمد مشركي العرب وحذرهم من يوم الآزفة ، يعني : يوم القيامة . وسميت آزفة لقربها . يقال أزف الشيء إذا قرب . ثم قال : { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ } . قال قتادة : ارتفعت القلوب في الحناجر من المخافة . فلا هي تخرج ولا تعود في أمكنتها . و { لَدَى } ، بمعنى : عند . { كَاظِمِينَ } : مفتاظين لا شيء يزيل غيظهم . { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } ، أي : من قريب ( ولا صديق ) يحتج عنهم فيزيل عظيم ما نزل بهم . { وَلاَ شَفِيعٍ } يشفع لهم عند ربهم عز وجل فيما يشفع فيه . قال الحسن : استكثروا من الأصدقاء المؤمنين ، فإن الرجل منهم يشفع في صديقه وقريبه ، فإذا رأى الكافر ذلك قال : ما لنا من شافعين ولا صديق حميم . ثم قال تعالى : { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } ، أي : يعلم الله جل ذكره خائنة أعين عباده وما أخفته صدورهم ، لا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى يتحدث به في نفسه ويضمره في قلبه . ومعنى " خائنة الأعين " هو أن الله تعالى يعلم ما أراد بنظره إذا نظر وما ينوي بذلك في قلبه . قال ابن عباس : { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } : يعلم إذا نظرت إلى المرأة أتريد بذلك الخيانة أم لا . " وما تخفي الصدور " ، أي : إذا قدرت عليها أتزني أم لا . وقوله : { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ } ، أي : يقدر أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة . وروى ابن وهب عن رجاله عن ابن عباس أنه قال : هو الرجل تمر به المرأة فيُرِي القوم أنه يغض بصره ، فإذا أغفلوا نظر إليها : ويريهم ( أنه يغض ) بصره ويود لو أنه يطلع على عورتها ويقدر عليها . وعن ابن عباس أنه قال في " خائنة الأعين " : إنه الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر أصحابه إليه غض بصره ، ( وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها ، فإذا رأى منهم غفلة تدسس النظر ، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره ) . قال مجاهد : خائنة الأعين : نظر العين إلى ما نهى الله عز وجل عنه . وقال قتادة : يعلم همزه بعينه ، وإغماضه فيما لا يحب الله جل ذكره ولا يرضى به . قال الفراء : " خائنة الأعين " : النظرة الثانية و { وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } النظرة الأولى " { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ } ، أي : يجازي من غض بصره عن محارمه حذر الموقف بين يديه ، ومن ردد النظر وعزم قلبه على مواقعة الفواحش إذا قدر عليها . قال الزجاج : " خائنة الأعين " نظر ونيّته الخيانة . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } ، أي : والأوثان التي يدعو هؤلاء ( المشركون ) من قومك من دون الله . { لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ } ، أي لا تقدر على شيء ولا تعلم شيئاً ، فاعبدوا الله الذي هو { ٱلسَّمِيعُ } لما تنطق به ألسنتكم { ٱلْبَصِيرُ } بما تعملون من الأفعال ، المحيط بكل ذلك .