Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 1-10)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله ( تعالى ذكره ) : { حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ } - إلى قوله - { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } . من رواية ابن وهب روى أن ابن عباس كان يقول : " لكل شيء لباب وأن لباب القرآن الحواميم " . ويقال : من ديباج القرآن . وعن ابن مسعود أنه قال : من أراد رياضاً فليقرأ الحواميم . من رواية ابن وهب . قرأ عيسى بن عمر : حاميم بفتح الميم . نصبه بإضمار فعل . والتقدير : اقرأ حاميم . ولكن لا ينصرف لأنه اسم لمؤنث ، إذ هو اسم السورة . وقيل لم ينصرف لأنه بمنزلة أبنية بعض الأسماء الأعجمية ( كهابيل ) وقابيل . ويجوز أن تكون فتحة الميم فتحت بناء ( لالتقاء ) الساكنين . قال ابن عباس ( الّر وحمَ ونون ) مقطعة من الرحمن . وعنه أيضاً أن حَم : اسم من أسماء الله عز وجل وهو قسم . وعنه أن حَم اسم الله الأعظم . وقال قتادة : حَم اسم من أسماء القرآن . وقال الضحاك : حَم : قضى هذا القرآن . جعله مأخوذاً من حَم الامر إذا وجب . والمعنى : حَم تنزيل هذا الكتاب من عند الله عز وجل . { ٱلْعَزِيزِ } في انتقامه من أعدائه . { ٱلْعَلِيمِ } ، أي : العالم بما يعمل خلقه وبغير ذلك . ثم قال تعالى : { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } . { غَافِرِ } خُفِضَ على البدل ولا يحسن أن يكون نعتاً لأنه نكرة إذ هو لما يستقبل ومثله : { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } . فإن جعلتهما . لما مضى حَسُنَ ، لأنه تعالى ذكره لم يزل غفاراً لذنوب عباده قابلاً للتوبة ممن تاب منهم . فيحسن على هذا أن يكونا نعتين لله جل ذكره ، ويحسن أن يكونا بدلاً . والتوب : جمع توبة كدومة ودوم . ويجوز أن يكون التوب مصدراً كتوبة يقال : تاب توبة وتوباً . فأما قوله { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } فهو نكرة ، فلا يجوز أن يكون إلاّ بدلاً . فأما قوله : { ذِي ٱلطَّوْلِ } فيحسن أن يكون معرفة لأنه لم يزل كذلك ، فيجوز ( على ذلك أن يكون ) نعتاً وبدلاً . وقوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } جملة في موضع النعت . ومعنى { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } ، أي : لمن عاقبه من أهل العصيان . ومعنى { ذِي ٱلطَّوْلِ } : ذي الفضل المبسوط على من يشاء من خلقه . قال ابن عباس : ذِي الطَّوْلِ : " ذِي السَّعةَ والغنى " . وقيل معناه : ذي الطول على أوليائه يضاعف لهم الحسنات ويعفو عن السيئات . وقيل : معناه : ذي الغناء عمن لا يقول : " لا إله إلا الله " ودل على هذا المعنى قوله بعد ذلك : لا إله إلا هو . وقال قتادة : " ذي الطول : ذي النعم " . وقال ابن زيد : الطول : القدرة . ومعنى { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } ، أي : لا معبود غيره ، إليه المرجع . ثم قال تعالى : { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، أي : ما يجادل في حجج الله وأدلته وينكرها إلا الذين جحدوا توحيده ( ورسالتك ) . { فَلاَ يَغْرُرْكَ } يا محمد { تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } في البلاد ، أي : لا يغررك يا محمد تصرفهم وبقاؤهم مع كفرهم فتحسب أنهم على شيء من الحق ، إنما أمهلهم ليبلغ الكتاب أجله . قال قتادة : { تَقَلُّبُهُمْ } في البلاد تصرفهم في أسفارهم . ثم قال تعالى : { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } ، أي : كذّبت قبل قومك يا محمد قوم نوح . { وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } ، يعني عاداً وثموداً وقوم صالح وقوم لوط وقوم فرعون . كذبوا كلهم بعد نوح وغيرهم . فكما كان عاقبة أولئك إذ كذبوا الهلاك ، كذلك يكون عاقبة هؤلاء على تكذيبهم لك . ثم قال تعالى : { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } . قال قتادة : ليقتلوه . ثم قال تعالى : { وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } ، أي : وخاصموا رسولهم بالباطل من الخصومة ليبطلوا بجدالهم الحق الذي جاء به من عند الله . وأصل الدحض ، الزلق . ثم قال تعالى : { فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } ، أي فأخذهم عقاب الله . فجعلهم عبرة وعظة لمن بعدهم . ثم قال تعالى ذكره : { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ، أي : وجبت وهو قوله جل ذكره : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } . والمعنى : كما وجب العذاب على الأمم السالفة بتكذيبهم الرسل ، كذلك وجب على من كذبك يا محمد . ثم أخبر تعالى ذكره أن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين : { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } ، أي : يحملون عرش الله جل ذكره ، وعز وجهه . والذين حول عرشه من ملائكته يصلون لربهم بحمده وشكره . { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } ، أي : يقرون بالله أنه لا إله لهم سواه ، ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقروا بمثل إقرارهم . وقال قتادة : ويستغفرون للذين آمنوا : أهل لا إله إلا الله . ثم قال : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } ، أي : ويقولون : ربنا ، وسعت رحمتك وعلمك كل شيء من خلقك فعلمت كل شيء لا يخفى عليك شيء ، ورحمت خلقك فوسعتهم رحمتك ، فرزقتهم على كفر من كفر منهم بك برحمتك ، برزقك قد وَسِعْتَ الكافر والمؤمن ، ووسعت المؤمنين في الآخرة فأنقذتهم من النار وأدخلتهم الجنة . ثم قال عنهم أنهم قالوا : { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ } : أي : تابوا من الشرك . { وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } ، أي : وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه وهو الإسلام . قال قتادة : اتبعوا سبيلك ، أي طاعتك " . { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } ، أي : اصرف عنهم عذاب النار يوم القيامة . وسؤال الملائكة الله عز وجل في المغفرة للمؤمنين وإدخالهم الجنة هو قوله تعالى { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } [ الفرقان : 16 ] ، أي : إدخال المؤمنين الجنة والمغفرة لهم هو وعد من الله للملائكة فيهم إذ ( سألوه هم ) ذلك ، وهو سؤالهم الله في هذه السورة . قال جميع ذلك القرطبي . وجاز أن يسألوا الله عز وجل ما قد وعد به سبحانه وتعالى على طريق التعجيل بذلك لهم لا على طريق الوفاء لهم بما وعدهم ، فالله لا يخلف الميعاد ، فلا يُسأل في وفاء وعده إنما هو سؤال أن يعجل لهم ذلك . ثم قال تعالى : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } ، أي : ويقولون يا ربنا وأدخل هؤلاء الذين تابوا عن الشرك جنات إقامة . قال كعب : جنات عدن : قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيئون والصديقون والشهداء . وأئمة العدل . ثم قال تعالى : { وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ } ، أي : وأدخل جنات عدن من صلح من آباء هؤلاء التائبين وأزواجهم وذرياتهم . قال قتادة : يدخل الرجل الجنة فيقول أين أبي ؟ أين أمي ؟ أين ولدي ؟ أين زوجتي فيقال : لم يعملوا مثل عملك ، فيقول : كنت أعمل لي ولهم ! فيقال : أدخلوهم الجنة ، ثم قرأ : { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } الآية . وقوله : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ، أي : العزيز في انتقامك من أعدائك ، الحكيم في تدبير خلقك . ثم قال تعالى : { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أي : ويقولون يا ربنا وقهم عقاب السيئات التي عملوها في الدنيا ، ومن تقه عقاب السيئات يوم القيامة فقد رحمته . { وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } ، أي : النجاة من النار . وقال نِفْطَوَيْه : معنى السيئات ، أنها ما يسوء صاحبها . فمعنى : { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ } : وقهم ما يسوءهم من عقابك وغضبك ، ومنه قوله : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ } [ الأعراف : 131 ] ، أي : إن يصبهم ما يسوءهم يطَّيروا بموسى : وكذلك قوله : { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [ النساء : 79 ] ، معناه : ما أصابك من سوء فبذنبك . قال مطرف : وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة ، وأغش العباد للعباد الشياطين ، ثم تلا الآية { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ } . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } . قال الحسن ، يعطون كتابهم ، فإذا نظروا في سيئاتهم مقتوا أنفسهم فيقال لهم : لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم . فمن الآية تقديم وتأخير على قوله . قال مجاهد : إذا عاينوا أعمالهم مقتوا أنفسهم فنودوا : لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم . قال قتادة : معناه : لمقت الله لكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم إذا عاينتم النار - مثل قول الحسن - وهو قول الكسائي وغيره . وقيل : معناه : ( كبر مقتكم أنفسكم ) أكبر من مقت بعضكم بعضاً يوم القيامة ، لأن بعضهم يمقت بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة . وقيل : الآية فيها تقديم وتأخير لأن النداء بالمقت لهم يكون في الاخرة ووقت دعائهم للإيمان هو في الدنيا . والتقدير : ينادون ( يوم القيامة ) ، لمقت الله لكم إذ تدعون إلى الإيمان في الدنيا فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم عند الحساب . وفي هذا التقدير تفريق بين الصلة والموصول بخبر الابتداء وهو " أكبر " وما اتصل به ، فلا يحسن ذلك عند النحويين .