Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 30-37)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ } - إلى قوله - { إِلاَّ فِي تَبَابٍ } . أي : وقال الرجل الذي آمن من آل فرعون وكتم إيمانه : يا قوم إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى ولم تؤمنوا بما جاءكم به . { مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } ، يعني : الذين تحزبوا على رسلهم . { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } ، أي : مثل عادة الله عز وجل فيهم وانتقامه منهم حين كفروا برسلهم . قال ابن عباس : مثل دأب قوم نوح : مثل حالهم ، وقال ابن زيد : معناه ، مثل ما أصابهم . وقوله : { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } ، يعني به : قوم إبراهيم وقوم لوط ، وهم أيضاً من الأحزاب . وقوله : { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } ، أي : ليس الله جل ذكره بمعذب قوماً بغير جرم . ثم قال تعالى ذكره حكاية عن قول المؤمن لقومه : { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } ، أي : إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى ولم تؤمنوا بما جاءكم به عقاب الله يوم التنادي ، أي : يوم القيامة ، أي : يوم يتنادى أصحاب الجنة والنار كما ذكر في سورة الأعراف وغيرها فقال : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 44 ] ، { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ } [ الأعراف : 48 ] ، { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } [ الأعراف : 50 ] قاله قتادة وابن زيد . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يأمُر الله عز وجل إسرافيل عليه السلام بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره فيديمها ويطولها فلا تفتر - وهي التي يقول الله عز وجل : " { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } - فيسيِّر الله عز وجل الجبال فتكون سراباً ، وترتج الأرض بأهلها رجاً - وهي التي يقول الله عز وجل { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } - فتكون ( الأرض كالسفينة ) المزنقة في البحر تمر بها الأمواج تكفأُ بأهلها ، وكالقنديل ( المعلق بالعرش ) ترجحه ( الأرواح فيميل الناس على ظهرها فتذهل المراضع وتضع الحوامل ( وتشيب الولدان ) وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضاً ، وهو اليوم الذي يقول الله عز وجل : { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } " . فعلى هذا الحديث يكون التنادي في النفخة الأولى في الدنيا . وقرأ الضحاك : يوم التنادي بتشديد الدال ، جعله من نَدّ البعير إذا مر على وجهه هارباً . فهذا يراد به ما يكون يوم القيامة من حال الناس . ويسعد هذه القراءة ويقويها ما روى عبد الله بن خالد قال : يظهر للناس يوم القيامة عنق ( من النار فيتولون ) هاربين منها حتى تحيط بهم ، فإذا أحاطت بهم قالوا : أين المفر ؟ ثم أخذوا في البكاء حتى تنفد الدموع فيكون دماً ، ثم يشخص الكفار فذلك قوله : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } [ إبراهيم : 43 ] " . ويقويها أيضاً / ما رواه الضحاك ، قال : " إذا كان يوم القيامة أمر الله عز وجل السماء الدنيا فتشققت بأهلها ، فنزل من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها ، ثم الثانية ، ثم الثالثة ، ثم الرابعة ، ثم الخامسة ، ثم السادسة ، ثم السابعة ، فصفوا صفاً دون صف ، ثم ينزل الملك الأعلى ، على مجنبته اليسرى جهنم ، فاذا رآها أهل الأرض ندوا ، ( فلا يوافقون ) قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه - فذلك قوله : " { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } . وذلك قوله { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } [ الفجر : 22 - 23 ] وقوله : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [ الرحمن : 33 ] وذلك قوله : { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } [ الحاقة : 16 - 17 ] . وقال قتادة : يوم تولون مدبرين ، أي : منطلقاً بكم إلى النار . وقال مجاهد : يوم تولون " فارين غير معجزين " . { مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } ، أي : ما لكم من عذاب الله سبحانه من مانع يمنعكم منه وينصركم . ثم قال تعالى : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } ، أي : من يخذله الله فلا يوفقه للرشاد ، فما له من موفق يوفقه له . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، أي : ولقد جاءكم يوسف بن يعقوب من قبل موسى بالآيات الواضحات من حجج الله عز وجل . قال وهب بن منبه : فرعون موسى هو فرعون يوسف . ( قال مالك ) : عمَّر ( أربعمائة سنة ) . وقال غيره : هو غيره . قيل : هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب . والله أعلم بذلك . روي أنه أقام فيهم عشرين سنة يدعوهم إلى الإيمان ثم مات . وقيل : إن هذا من قول موسى ، وقيل : هو من قول ( مؤمن آل ) فرعون . ثم قال تعالى : { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ } ، أي : فلم تزالوا مُرتابين فيما أتاكم به يوسف من عند ربكم { حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ } ، ( أي : مات يوسف ) . { قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } ، أي : قلتم لن يأتينا من بعد يوسف رسول يدعونا إلى الحق . ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } ، أي : هكذا يصد الله عز وجل عن إصابة الحق من هو كافر شاك في الحق . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } ( أي : كذلك يضل الله الذين يجادلون في حجج الله وآياته بغير حجة أتتهم ) من عند الله عز وجل . ثم قال : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : كبر جدالهم مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا . { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } أي : كما طبع الله على قلوب المسرفين المجادلين في آيات الله بالباطل ، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر على الله سبحانه أن يوحده . { جَبَّارٍ } ، أي : متعظم عن اتباع الحق . { آتِيهِمْ } : وقف عند الجماعة . ثم قال تعالى : { وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ } ، ( أي : وقال فرعون - لما وعظه المؤمن وزجره عن قتل موسى - لوزيره هامان : ابن لي بناء لعلي أطلع عليه فأبلغ ( أبواب السماء ) وطرقها ، وكان أول من بنى بهذا الأَجُرّ . قال ابن عباس : أسباب السماوات : منازل السماوات . والأسباب في اللغة : كلما تسبب به إلى الوصول إلى المطلوب . وقيل : لعلي أبلغ من أسباب السماوات أسباباً أتسبب بها إلى ( رؤية إله ) موسى . { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً } ، أي : أظن موسى فيما يدعى كاذباً . أشهب عن مالك قال : سمعت أن فرعون عاش ( أربعمائة سنة ) وأنه أقام ( بعدما ) أتاه موسى بالآيات وقال : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] أربعين سنة . قال مالك قال الله عز وجل : { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [ آل عمران : 178 ] . وقال : لم يكن فرعون من بني إسرائيل . ويروى أن فرعون مكث أربع مائة سنة لم يصدع له رأس ، يغدو عليه الشباب ويروح . قال ابن لهيعة : كان فرعون من أبناء مصر واسمه ، الوليد بن مصعب بن معان . ثم قال تعالى : { وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ } ، أي : هكذا زين الله عز وجل لفرعون قبيح عمله لما كفر حتى سولت له نفسه بلوغ أسباب السماوات والتطلع إلى ( رب العزة ) . ثم قال : { وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } ، أي : مُنع من الاهتداء إلى الحق ، أي : منعه الله عز وجل من ذلك لكفره وعتوه . ثم قال : { وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } ، أي : وما احتيال فرعون ومكرره إلا في خسارة وذهاب وضلال وباطل لا ينتفع بحيلته ومكره .