Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 38-48)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ } - إلى قوله - { نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } . أي : وقال لفرعون / المؤمن من قومهم : اتبعون فقولوا مثل قولي تهتدوا إلى الحق والرشاد والصواب . وقال لهم : { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ } تستمتعون به إلى أجل ثم تفارقونه بالموت . { وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } ، أي : هي الدار التي تستقرون فيها وتخلدون ولا تموتون فيها ، فاعملوا لها . ثم قال تعالى حكاية عن قول المؤمن : { مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا ، وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، أي : من عمل بمعصية الله سبحانه في هذه الحياة الدنيا ، جوزي بذلك في الآخرة ، ومن عمل بطاعة الله عز وجل وهو مؤمن بالله سبحانه فأولئك يدخلون الجنة في الآخرة يرزقهم الله عز وجل فيها بغير حساب . قال قتادة : لا ، والله ما هنالك مكيال ولا ميزان . قال قتادة : من عمل سيئة : شركاً بالله عز وجل ، ومن عمل صالحاً : خيراً . وقال بعض أهل التأويل : إن المؤمن في هذه الآية هو موسى ، قال لهم : { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } ، إلى أخر الآيات . وأكثر المفسرين على أنه مؤمن آل فرعون . والله أعلم . ثم قال تعالى حكاية عن المؤمن أنه قال لهم : { وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ } ، أي : إذا آمنتم به وصدقتم رسوله ، وأنتم تدعونني إلى عمل أهل النار وهو الكفر بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم . قال مجاهد : إلى النجاة إلى " الإيمان بالله " . ثم قال تعالى : { تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } ، أي : تدعونني للكفر والشرك في عبادة الله سبحانه فأعبد أوثاناً لم يأمرني بعبادتها من له الملك والقدرة . { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } ، أي : أدعوكم إلى عبادة العزيز ، أي : العزيز في انتقامه ممن كفر به ، الغفار لمن تاب إليه من الشرك وعمل بطاعته . ثم قال : { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ } ، أي : لا محالة أن الذي تدعونني إلى عبادته - وهم الأصنام والأوثان والشياطين - ليس له دعوة ( في الدنيا ) ولا في الآخرة ، أي : لا ينفذ له أمر ولا نهي ولا شفاعة في الدارين . { وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ } أي : في الآخرة ، منقلبنا ومرجعنا إليه . { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ } يعني : من أسرف فكفر بخالقه سبحانه وعبد معه غيره هو من أصحاب النار . " وأن " في الثلاثة المواضع في موضع نصب بإسقاط الباء . وذكر سيبويه أنه سأل الخليل عن لا جرم فقال : لا رد لكلام . والمعنى : وجب أن لهم النار وحق أن لهم النار . فالمعنى على هذا : وجب بطلان دعوة ما تدعونني إلى عبادته . قال مجاهد ( وابن جبير والشعبي وغيرهم ) : المسرفون هم السافكون الدماء بغير حق . وقال قتادة ( وابن سيرين ) وغيرهما : " المسرفون : المشركون " . ثم قال : { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ } ، هذه حكاية من الله ( عز وجل ) عن مؤمن آل فرعون أنه قال ذلك لفرعون وقومه . والمعنى : فستذكرون أيها القوم إذا عاينتم عقاب الله عز وجل وحل بكم ، صدق ما أقول لكم من أن المسرفين هم أصحاب النار . ثم قال { وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } . قيل : إنهم تواعدوه بالقتل فقال : أفوض أمري إلى الله ، أي : أسلمه إليه وأتوكل عليه . { إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } ، أي : عالم بأمور عباده ، بالمطيع منهم والعاصي فيجازي كلا على ما يجب له . ثم قال تعالى : { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } ، أي : فوقى الله المؤمن عقاب سيئات ، كفرهم في الآخرة . { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } ، أي : حل بهم ذلك ونزل بهم . وقيل : الهاء في " فوقاه الله " تعود على موسى . ورجوعهما على مؤمن آل فرعون عليه أكثر المفسرين واسم المؤمن حزقيل بن حبال . رُوي أنه لما خاطبهم بذلك خاف منهم فهرب إلى الجبل فقصده رجلان ليوقعا به المكروه فلم يقدرا عليه . ثم بيّن تعالى سوء العذاب ما هو فقال : النار { يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } ، أي : في قبورهم . قال قتادة : كان قبطياً من قوم فرعون فآمن . قال : وذكر لنا أنه كان بين يدي موسى يومئذ يسير ويقول أين أمرت يا نبي الله ؟ ( فيقول : أمامك ، فيقول له المؤمن : وهل أمامي إلا البحر ؟ ! فيقول له موسى ) : أما والله ما كذبت ولا كذبت ، ثم يسير ساعة ( ثم يقول ) مثل ذلك ويجاوبه موسى بمثل جوابه الأول حتى انتهى إلى البحر فضربه موسى فانفلق اثنى عشر طريقاً ، لكل سبط طريق . وقوله : { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } يدل على أن فرعون في أشد ما في العذاب لأن من كان على دينه إذا حل به أشد العذاب فهو أحرى أن يحل عليه أشد من ذلك . قال السدي : بلغني أن أرواح قوم فرعون في أجواف طير سود تعرض على النار غدواً وعشيا حتى تقوم الساعة . { غُدُوّاً } مصدر جعل ظرفاً . وقال حماد بن محمد الفزاري وسأله رجل فقال : رحمك الله ، رأينا طيوراً تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب - بيضا - فوجاً فوجاً لا يعلم عددها إلا الله ، / فإذا كان العشي رجع مثلها سوداً ؟ ! قال : وفطنتم إلى ذلك ! قال : نعم . قال : إن تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً ، فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سوداً ، فتنبت عليها من الليل رياشٌ بيضاء ، وتتناثر السود ، ثم تغدو " يعرضون على النار غدواً وعشياً " ثم ترجع إلى وكورها ، فذلك دأبها في الدنيا . فإن كان يوم القيامة قال الله : " أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " . وكانوا يقولون : كانوا ست مائة ألف مقاتل . قال قتادة : يعرضون على النار صباحاً ومساءً . يقال : هذه منازلكم ، توبيخاً ونقمةً وصغاراً لهم ، قال مجاهد : غُدوا وعشياً ما كانت الدنيا . ويدل على أن هذا العرض يكون في الدنيا قوله بعد ذلك : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } . فمن وصل الألف نصب " آل فرعون " على النداء المضاف . ومن قطعها نصبهم " بأدخلوا " . وقوله : { سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } وقف حسن إن رفعت " النار " على إضمار مبتدأ أو على الابتداء . وأجاز أبو حاتم الوقف على " وعشياً " ، وهو بعيد ، لأن " ويوم تقوم الساعة " منصوب بيعرضون " ، أي : يعرضون على النار في الدنيا ، يوم تقوم الساعة . ومن نصبه " بأدخلوا " حسن أن يقف على " وعشياً " وهو حسن . " والعذاب " وقف إن نصبت " وإذ يتحاجون " على معنى : واذكر إذ يتحاجون . وعليه التفسير وهو حسن جيد . وإن نصبته على العطف على { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } [ غافر : 18 ] لم تقف دونه ، وهو بعيد لبعد ما بينهما . وقد قال به قوم . وقوله تعالى : { وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } ، أي : واذكر يا محمد إذ يتخاصم في النار الضعفاء من الكفار - وهم التابعون - مع المستكبرينَ هو المتَّبَعُون على الشرك فيقول التابعون للمتبوعين : إنا كنا لكم في الدنيا تبعاً على الضلالة والكفر بالله سبحانه ، فهل أنتم دافعون عنا حظاً من النار ، فقد كنا نسارع في محبتكم وطاعتكم في الدنيا ، ولولا أنتم لكنا مؤمنين فنسلم من هذا العذاب . فأجابهم المتبعون : { إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ } ، أي : في النار ، فلا نقدر أن ندفع عن أنفسنا شيئاً منها ولا عنكم . { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } ، أي : أسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار . فلا نحن - مما نحن فيه من البلاء - خارجون ولا هم مما هم فيه من النعيم - منتقلون .