Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 78-85)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ } - إلى آخر السورة ) أي : ولقد أرسلنا ( يا محمد من قبلك ) رسلاً إلى أممهم ، منهم من أنبأناك بخبره ، ومنهم من لم ننبئك بخبره . روي عن أنس أنه قال : عدة الرسل ثمانية آلاف ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعدهم . منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل . وروى سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بعث الله عز وجل أربعة آلاف نبي " . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الآية : بعث الله عز وجل عبداً حبشياً وهو الذي لم يقصص خبره على نبيه صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، ( أي : ليس لرسول ممن تقدمك يا محمد أن يأتي إلى قومه بآية فاصلة بينه وبينهم إلا بإذن الله له ) بذلك فيأتيهم بها . وهذا تنبيه من الله عز وجل لنبيه عليه السلام أنه ليس له أن يأتي قومه بما يسألونه من الآيات دون إذن الله عز وجل له بذلك . ثم قال تعالى : { فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ } ، ( أي : فإذا ( جاء قضاء ) الله بين الأنبياء والأمم قضي بينهم بالعدل ، فينجي رسله والمؤمنين ، ويهلك ، هنالك ، المبطلون ، أي : الكاذبون على الله سبحانه . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا } أي : خلق لكم الإبل والبقر والغنم والخيل والحمير وغير ذلك من البهائم لتركبوا منها ، يعني : الخيل والإبل والحمير والبغال . { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ، يعني : الإبل ( والغنم والبقر ) . التقدير عند الطبري : لتركبوا منها بعضاً ، ومنها بعضاً تأكلون ثم حذف ذلك استغناء بدلالة الكلام على ما حذف . ثم قال { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } ، يعني : الأنعام ، وذلك جعلهم من جلودها بيوتاً ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعا إلى حين . وذكر الزجاج أن الأنعام هنا : الإبل ، يركبونها ويأكلون لحومها ويستمتعون بجلودها وأوبارها . وهذه الآية . تدل على إباحة أكل لحوم الإبل عند من جعلها خصوصاً في الإبل . وقد قال تعالى في غيرها مما لا يؤكل : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا } [ النحل : 8 ] ولم يذكر إباحة أكلها . ثم قال تعالى { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ } ، أي : ولتبلغوا بالحمولة على بعضها - يعني : الإبل - حاجة في صدوركم لم تكونوا لتبلغوها لولا هي إلا بشق الأنفس ، كما قال : { " وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ " } [ النحل : 7 ] . ثم قال : { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } ، أي على الإبل . وما شابهها من الأنعام في البر ، وعلى السفن في البحر تحملون . { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } ، أي حججه / وأدلته على وحدانيته . { فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } ، أي : فأي حجج الله التي يريكم أيها الناس في السماء والأرض - تنكرون صحتها فتكذبوا - من أجلها فسادها - بتوحيد الله سبحانه . ثم قال تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، أي : أفلم يسافر قومك - يا محمد - من قريش فينظروا آثار الأمم التي كذبت الرسل من قبلهم كيف بادوا وهلكوا ، فيخافون أن ينزل بهم بتكذيبهم إياك فيما جئتهم به مثل ما نزل بمن كان قبلهم من الأمم المكذبة لأنبيائها . { كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً } ، أي : كانت الأمم المهلكة قبلهم بالتكذيب أكثر من قريش . { وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : أكثر عدداً وأكثر آثاراً بالبناء والحرث والعمل من قريش . { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم } ، أي : عن الأمم الماضية . { مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الأموال والأولاد والبناء والعمل بل أهلكوا ودمروا بتكذيبهم الرسل وكفرهم . ( فماذا ينتظر ) قومك يا محمد مع تكذيبهم بما جئتهم به ، وهم دون أولئك في القوة والكثرة والآثار في الأرض من البناء ( والتصرف والحرث ) وغير ذلك . وهذا كله تنبيه وتهدد لقريش . ثم قال تعالى : { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، يعني : الأمم الماضية ، جاءتهم رسلهم بالآيات الواضحات . { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } لجهالتهم . { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } ، أي : وحل بهم عقاب استهزائهم بما جاءتهم به الرسل واستعجالهم للعذاب . والمعنى : فرح الكفار بما عندهم من علم الدنيا ، نحو قوله تعالى : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الروم : 7 ] . وقيل : الضمير في " فرحوا " للرسل ، أي : فرح الرسل بما عندهم من العلم أن الله مهلك من كفر بهم وكذبهم ، وناصر دينه ، فينجي الأنبياء ومن آمن بهم ويهلك الكفار . وقيل : في الكلام حذف . والتقدير : فلما جاءت الرسل قومها كذبوهم فأوحى الله عز وجل إليهم أنه معذبهم ، ففرحوا بما أوحى إليهم من هلاك من كذبهم ، فالضمير للرسل في " فرحوا " ، والضمير في " حاق بهم " للمكذبين للرسل . ثم قال تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } ، أي : لما رأت الأمم المكذبة للرسل عذاب الله عز وجل وانتقامه الذي وعد الرسل بإيقاعه على من كذبهم ، قالوا أمنا بالله وحده ، أي : أقررنا بتوحيد الله وكفرنا بما كنا به مشركين من الأصنام والأوثان ) . قال الله جل ذكره : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } أي : لم ينفعهم التوحيد عند معاينتهم العذاب . { سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } ، أي : سن الله ذلك سنة فيمن تقدم من عباده أنه من آمن عند معاينة العذاب لم ينفعه ذلك . { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ } ، أي : وهلك عند معاينة العذاب من تمادى على كفره حتى حل به العذاب ، فلم ينفعهم إيمانهم عند معاينة العذاب لأنهم مضطرون إلى ذلك حين عاينوا العذاب وإنما كان ينفعهم الإيمان لو آمنوا قبل معاينتهم ما يلجئهم إلى الإيمان ويضطرهم . فكذلك فعل الله عز وجل فيمن خلا من عباده ، لا يقبل إيمانهم عند معاينتهم العذاب واضطرارهم إلى الإيمان ، فهو قوله تعالى { سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ } في عباده " .