Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 68-77)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً } - إلى قوله - { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } . { فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } ، أي : فإذا أراد تكوين شيء وحدوثه فإنما يقول له كن ، فيكون ما أراد تكوينه موجوداً بغير معاناة ولا كلفة . ولا مؤنة . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } ، ( أي : ألم تر ) يا محمد إلى هؤلاء المشركين الذين يخاصمونك في حجج الله عز وجل وأدلته من أي وجه يصرفون عن الحق ، ويعدلون عن الرشد . قال ابن سيرين : ( إن لم ) تكن هذه الآية نزلت في القدرية فإني لا أدري فيمن نزلت . وروى هذا المعنى عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن زيد وغيره ( من المفسرين ) : هم المشركون . يدل على هذا قوله بعده : { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } فهذا من صفتهم وهو تهدد ووعيد للمكذبين بكتاب الله سبحانه وبما جاء به الرسل . ثم قال تعالى : { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ } ، المعنى : فسوف يعلمون إذا ثبتت الأغلال في أعناقهم ماذا ينزل بهم بعد ذلك من العذاب . وجاءت " إذ " وهي لما مضى مع " سوف " وهي لما يستقبل ، لأن أفعال الله جل ذكره بعباده في معادهم كالكائنة الحالة بهم لصحة وقوع ذلك وكونه . فأخبر عنها وهي لم تكن بلفظ ما قد كان ، لصحة وقوعها وثبات كونها ، فهي كالكائنة ، فلذلك اجتمعت " إذ " و " سوف " . ولا يجوز هذا المعنى إلا من الله جل ذكره لأنه يعلم ما يكون في غدٍ كعلمه بما كان في أمس . قال الحسن : ما في جهنم وادٍ ولا صغارٌ ولا غل ولا قيد ولا سلسلة إلا واسم صاحبه عليه مكتوب . ومن رفع السلاسل عطفها على الأغلال . ويتم الكلام على السلاسل . ويكون يسحبون مستأنفاً . فإن جعلته حالاً جاز ، ولم تقف على السلاسل . وقرأ ابن عباس : والسلاسل بالنصب . " يسحبون " بفتح الياء والتقدير أنه نصب السلاسل يسحبون . قال ابن عباس : وذلك أشد عليهم ، يكلفون أن يسحبوها ولا يطيقون . وأجاز بعضهم والسلاسل بالخفض ، عطف على " الأعناق " ، يحمله على المعنى . ( لأن المعنى : أعناقهم في الأغلال والسلاسل ، كما حمل على المعنى ) قول الشاعر : @ قد سالَمَ الحيّاتُ منه القدما الأفعوان والشجاع الشجعما @@ لأن ما سالمك فقد سالمته ، فكذلك الأعناق في الأغلال والسلاسل هو مثل الأغلال والسلاسل في الأعناق . وعلى هذا أجاز الكوفيون : قاتل زيد عمراً العاقلان والعاقلين ، يرفع العاقلين على النعت لهما ، وينصبهما لأنهما فاعلان في المعنى مفعولان . وأجازوا أيضاً : قاتل زيد عمرو برفعهما . وفي كتاب الزجاج أن التقدير في جواز خفض السلاسل وفي السلاسل يسحبون والحميم على تقدير : يسحبون في الحميم والسلاسل . ثم يقدم المعطوف على المخفوض . وهو غلط لأن المعطوف على ما فيه حرف الجر لا يقدم . لم يجز أحدٌ مررت وزيدٍ بعمرو . إنما أجازوا هذا / في المرفوع ، نحو : قام وزيدٌ عمرُو . استقبحوه في المنصوب ، نحو : رأيت وزيداً عمراً ، ولم يجيزوه في المخفوض البتة لأن الفعل غير دال عليه . ثم قال تعالى { ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } ، قال السدي : يسجرون : يحرقون . وقال ابن زيد : توقد عليهم . وأصله من الملء ، يقال : سجرت الشيء إذا ملأته ومنه { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [ الطور : 6 ] . فيكون المعنى على هذا . ثم تملأ بهم النار ، ومعناه ، ثم تملأ بهم النار كما يملأ التنور بالحطب . ثم قال تعالى : { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، أي : يقال لهم أين الذين كنتم تشركون بعبادتكم إياهم من دون الله ينقذونكم مما أنتم فيه من العذاب ؟ ! يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً على ما سلف منهم في الدنيا من عبادة غير الله سبحانه . فأجاب المشركون عند ذلك { ضَـلُّواْ عَنَّا } ، أي : عدلوا عنه فأخذوا غير طريقنا وتركونا في العذاب . ثم استدركوا فقالوا : { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } ، أي : لم نكن نعبد في الدنيا شيئاً . قال الله جل ذكره : { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } ، أي : كما أضل هؤلاء الذين ضل عنهم في الآخرة ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله ، كذلك يضل الله أهل الكفر به عنه وعن طاعته . ثم قال تعالى : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } ، أي : ذلكم الذي حل بكم من العذاب بفرحكم في الدنيا بغير ما أمر الله عز وجل به من المعاصي وبمرحكم فيها ، والمرح : الأشر والبطر . قال ابن عباس : الفرح هنا والمرح : الفخر والخيلاء والعمل في الأرض بالخطيئة وكان ذلك في الشرك ، وهو مثل قوله في قارون : { لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [ القصص : 76 ] . ثم قال : { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } ، أي : أبواب جهنم السبعة ماكثين فيها إلى غير نهاية . { فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } ، أي : فجهنم بئس مثوى من تكبر في الدنيا عن عبادة الله عز وجل وطاعته . ثم قال تعالى : { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } ، أي : فاصبر يا محمد على ما تلقى من مشركي قومك ومجادلتهم لك بغير الحق وتكذيبهم ، إن الله منجز لك ما وعدك به من الظفر والنصر عليهم ، وإحلال العذاب بهم . { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ } يا محمد في حياتك ، { بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ } من العذاب ، { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل أن يحل بهم ذلك ، { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } ، أي : إلينا مصيرهم ، فنحكم بينك وبينهم بالحق فنخلدهم في النار ونخلدك ومن اتبعك ومن آمن بك في ( النعيم المقيم . وهذا كله وعيد من الله عز وجل لقريش وتعزية للنبي صلى الله عليه وسلم وتصبير له .